مقالات خاصة

الإتفاق النووي الايراني بين مطرقة العقوبات وسندان الحرب في غزة

كتب الصحافي ريمون زيتوني لقلم سياسي :

بات واضحا موقف الجمهورية الإسلامية في ايران حول الهجوم الذي شنته حماس على المواقع العسكرية الإسرائيلية والقرى المدنية بالقرب من قطاع غزة في ٧ تشرين الأول.
إيران التي تعتبر حماس ذراعا لها وتدعمها عسكريا واقتصاديا تتطلع الى تحقيق هدفين أساسيين. فهي اولا تطالب المجتمع الدولي بوقف لإطلاق النار يحفظ حكم حماس في قطاع غزة من جهة ويمنع إسرائيل من القضاء على قدراتها العسكرية والسياسية من جهة أخرى. ثانيا، حث اذرعها في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، على مهاجمة إسرائيل عند مستوى أدنى بقليل من عتبة التصعيد لردع الجهود العسكرية الإسرائيلية ومنعها من القضاء على حماس.
من الواضح اذن ان ايران لا تنوي في الوقت الراهن مهاجمة الولايات المتحدة بشكل مباشر، بل تكتفي بدعم ميليشياتها التي تهاجم القوات الأمريكية في العراق وسوريا وهي تهدد بالرد فقط في حال تعرضت لهجمات مباشرة.
في ظل الأحداث القائمة وانشغال العالم بحرب غزة يتساءل المراقبون عما اذا كانت الحرب ستؤثر على استراتيجية طهران النووية.
حاليا وصلت طهران بالتخصيب الى نسبة ٦٠٪؜ وهي حريصة على عدم تجاوز عتبة التخصيب العسكري البالغة ٩٠٪؜ وقد توصلت في شهر آب، أي قبل أسابيع فقط على حرب غزة، إلى تفاهم لإجراء محادثات واسعة النطاق مع الولايات المتحدة، وكانت النتيجة استعدادها لخفض اليورانيوم المخصب مقابل الحصول على مساعدات اقتصادية كالافراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في جميع أنحاء العالم. أضف الى أن الخامنئي أوعز في شهر أيلول الماضي الى فريق المفاوضات النووية الإيراني للاجتماع مباشرة مع نظيره الأميركي في عمان.
في هذا السياق، يرى المراقبون ان ايران لن تغير في استراتيجيتها النووية اذ في الوقت الراهن ينجح تكتيكها امام اي اعتداء محتمل اذ انها لا تتكبد أي خسارة من جراء دعمها لأذرعها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، نظرا لكون الولايات المتحدة حريصة على عدم مهاجمتها تجنبا للتصعيد، رغم تعرض المصالح والنقاط الاميركية للهجوم من قبل هؤلاء الأذرع.
ولكون الولايات المتحدة تقوم فقط بردود فعل بسيطة حيال الهجمات على مصالحها ومواقعها في سوريا والعراق فهذا من شأنه أن يعزز التفاهم مع طهران بالاضافة الى واقع أن الجيش الأميركي لم يعد يحاصر إيران في أفغانستان رغم الوجود المحدود لمواجهة داعش.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من عدم قدرة ترسانة الردع الإسرائيلية على حسم الحرب بعد الأحداث المأساوية التي وقعت في ٧ تشرين الأول، تدرك ايران بأن الولايات المتحدة على استعداد للوقوف إلى جانب إسرائيل إلى أقصى حد، وفي حالات مثل الاختراق النووي فهي لن تتردد في استخدام القوة ضدها.
في هذا السياق يبقى الرهان على قدرة المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يحد من أنشطة إيران النووية. وكان هذا واضحا أيضا في تشرين الأول عندما لم يتم فرض عقوبات سريعة ردا على انتهاء الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢٣١.
إن التوتر الحاصل بين طهران وواشنطن، معزَّزا بمهاجمة أذرع إيران للقوات الأمريكية في العراق وسوريا، ودعم حماس وتعزيز علاقات الجمهورية الاسلامية مع موسكو، يجعل من الحفاظ على الخط الدبلوماسي مع طهران أمرا شبه مستحيل.
على خط آخر، فإن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٢٤ والأصوات المنددة في الكونغرس لسياسة إدارة جو بايدن تجاه إيران ستجعل من الصعب للغاية الموافقة على أي اتفاق مع طهران. زد على ذلك ان خامنئي فقد ثقته المحدودة بالولايات المتحدة بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في عام ٢٠١٨. امام هذا الواقع، ورغم اتفاق تبادل الرهائن الذي سمح لإيران بالحصول على ٦ مليارات دولار من الأصول المجمدة في البنوك الكورية الجنوبية عبر قطر لاستخدامها في التجارة لحاجات إنسانية، لا ترى طهران أملا كبيرا في التوصل إلى اتفاقيات طويلة الأمد مع واشنطن.
وحتى لو لم تحرز إيران تقدما كبيرا في برنامجها النووي، فإن الضغوط السياسية والاقتصادية المتوقعة الناتجة عن دعمها لحماس والعلاقة الهشة مع الولايات المتحدة ستزيد من احتمال توسيعها لبرنامجها النووي دون تجاوز نسبة الـ ٩٠٪؜ ولن يكون لديها أي حافز للحد من برنامجها النووي، نظراً للضغوط التي تمارس عليها من الغرب والولايات المتحدة، او حتى أي احتمال ولو ضعيفا للتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات.
وفي حال اشتدت الضغوط على إيران عبر وسائل أخرى كالعقوبات المفروضة على الصواريخ الباليستية والإجراءات المتخذة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن طهران لن تتردد في اتخاذ خطوات عملية كالحد من عمليات التفتيش النووي مثلا كما فعلت في الماضي.
انطلاقا منه، فإن هذا العام قد يتسم بالتوتر المتزايد بين الغرب وإيران فيما يخص برنامجها النووي المتقدم، الأمر الذي قد يدفع طهران نحو التخصيب بنسبة ٩٠٪؜، ليس بنية صنع قنبلة نووية ربما وانما كخطوة تهدف إلى ثني المجتمع الدولي عن الاستمرار في ممارسة الضغوط.
باختصار، لقد قوضت حرب غزة العلاقة الدقيقة التي بنيت بين الولايات المتحدة وإيران في الأشهر القليلة الماضية إلى درجة لا رجعة فيها على الأرجح. وهذا الواقع يقلص بشكل كبير فرص التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني.
في النهاية تدرك طهران الثمن الخطير الذي قد تدفعه إذا ذهبت باتجاه صنع قنبلة نووية، زد على ذلك قلقها المتزايد من التواجد الأميركي في الشرق الأوسط.

ريمون زيتوني

كاتب وصحفي، عضو نقابة المحررين الصحافيين في لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى