مقالات خاصة

هل سعد الحريري معتدلٌ حقاً؟

كتب أحمد الأيوبي لموقع قلم سياسي


أثبتت الوقائع أنّ سعد الحريري عَزَلَ أهل السّنة وحبسهم في معازلَ فقيرة مهمّشة وكان يرميهم بالتطرف كلما ارتكب خطيئة أو تنازلاً ليُظهر أنّه بدونه يتحوّل أهل السنة وحشاً متطرّفاً سينفلت عقاله ويدمِّر البلد.. وهذا ما تفعله ماكينته الإعلامية اليوم بعد انسحابه من العملية السياسية، لتتلاقى مع بعض الأصوات الحليفة وأصوات أخرى لقوى الممانعة التي تبكي “حليفها” الأول، أو بالأصح المتنازل الأول.

لعبة مكافحة الإرهاب.. وقصف المساجد
لم يفعل سعد الحريري شيئاً لتعزيز الاعتدال الحقيقي، خاصة أنّه استمتع بلعبة “محاربة الإرهاب” فتحوّل إلى صيّادٍ في حقول الفوضى والتهميش السنية، واستفاد واستثمر في واقع اختراق معسكر الممانعة لساحته وسلّم بتعريف “حزب الله” للإرهاب، فتحوّل الشباب السني إلى إرهابيين مطاردين تحت سلطته وتحوّل القضاء العسكري إلى معسكر اعتقال كبير تحت الشبهة والاستهداف، وتُرِك المئات منهم يواجهون الاضطهاد والسجن بينما كان الحريري يمارس كذبة العفو العام على مدى السنوات، ليخوض على أساسها الانتخابات، ولو أنّه فعلاً أراد تصحيح المسار، لما احتجنا إلى العفو العام. فالقضاء النزيه كفيل بإعطاء الحقّ لأهله.
وتنازلات الحريري في القضاء، جعلت مناطق السنة معتقلات كبيرة، ومع ذلك لم الأغلبية الساحقة إلى التطرف، الذي دأبت على توليده منظومة الممانعة، ليكون سعد الحريري أحد المستثمرين في سياساتها.. وليُظهر اعتداله الخارق، غطى جموح شامل روكز في قصف مسجد عبرا والتغطية على اجتياح مدينة رفيق الحريري!
هل هذا المسار يخدم الاعتدال؟ أم أنّها المتاجرة بالأرواح والدماء؟

هل كان سعد الحريري معتدلاً حقا؟
ثمّة سؤال يفرض نفسه هنا: هل كان سعد الحريري معتدلاً حقا؟
وهل الاعتدال يكون بقيادة “الدي.دجاي” في وسط بيروت بمناسبة رأس السنة الميلادية؟
وأين يتبخّر هذا الاعتدال عندما يُحشر في الزاوية بعد كوارث التنازلات فيتذكر انتماءه السني، ليسطو على معارضيه في بيئته، ويرفع شعار أنه “بيّ السنة” رغم رفضه تصنيف تيار المستقبل على أنّه تيار سني، وإصراره على وصفه بالوطني..
أيّ انفصامٍ هذا وأي استخفاف بعقول الناس: تيار يرفع شعار العلمنة ويريد التفرّد بتمثيل أهل السنة..
هكذا تاجر سعد الحريري بدماء أهل السنة، وهكذا تاجر بسُمعتهم ليلتقي مع أعدائهم في المصبّ ذاته، وهكذا جاء باللصوص المعادين للدين إلى محيطه، ليشَرِّعوا بخلاف ديننا وعقيدتنا، فأتى بنواب طرحوا الزواج المدني، وجاء بآخرين أرادوا نسف المحاكم الشرعية، بدل التفريق بين ضرورة الإصلاح الإداري وبين حتمية الالتزام بنصوص الشريعة…
إلى هؤلاء المتشدقين بشعار اعتدال سعد الحريري، نسألهم ماذا فعل هذا الشخص من أجل الاعتدال؟

ماذا فعلتم بدار الفتوى؟
إنّ من أهمّ عناصر دعم الاعتدال هو تحصين دار الفتوى وتقوية دورها وتطوير مؤسساتها، وتعزيز مرجعيتها، وليس تحويلها إلى مراكز ولاء سياسية ومنصات غبَّ الطلب، وليس تحويل المفتين إلى مفاتيح انتخابية تعزّز الانقسام وتجعل الدار وأهلها رهينة القرار السياسي لتيار متخبّط لا يكفّ عن التعرّض للثوابت الدينية.
يجب على أهل السنّة أن يتذكروا أنّ سعد الحريري خرج بتاريخ ٠٩‏/١٠‏/٢٠٢٠
في برنامج “صار الوقت” ليفاخر بأنّه منع مفتي الجمهورية اللبنانية من إعطاء المواقف السياسية، والمقصود إبداء المواقف الوطنية، والحديث كان حينها عن موانع ملاقاة المفتي الأكبر من ملاقاة مبادرة البطريرك الراعي حول حياد لبنان.
بأيّ حقٍّ يتباهى سعد الحريري بإسكات مفتي الجمهورية ومنعه من مقاربة الشأن الوطني، وهل هذا الاستعلاء من شأنه أن يقوّي الاعتدال، حسب شعارات الزرق المتطايرة اليوم..
والكلّ يذكر كيف حوّل المفتي السابق الشيخ مالك الشعار إلى مكتب انتخابي لتيار المستقبل، وانزلق في التزلف المبطح لأحمد الحريري حتى اشمأزت النفوس واستنكرت العقول هذا المستوى من الإسفاف.. في وقت كان الشعار يدير ظهره لأوضاع “عاصمة السنة” وأمضى برعاية الحريري أكثر من عقد من الزمن، مانعاً تطوير الأوقاف وراعياً للتخلّف في المؤسسة الدينية.
هل دفع الحريري في ذروة قوته السياسية والمالية نحو تعزيز دور الأوقاف التنموي وتنفيذ مشاريع تؤمن لها الاستدامة؟
الواقع أنّه في بدايات توليه قيادة تيار طرح الحريري مشاريع لتطوير الأوقاف في عكار وغيرها، ولكنّها بقيت حبراً على ورق وانتهت كحلم في ليلة صيف.. وكانت مجرّد وسيلة لتقطيع الوقت.
وأخيراً،
فإنّ من عوامل الاعتدال، تأمين التنمية العادلة للمناطق التي يمثلها الحريري. ونظرة واحدة إلى هذه المناطق تكفي لإدراك حجم الكارثة التي أوصلنا إليها من يعتبر نفسه “بيّ السنة”!

هكذا يكون الاعتدال
الوسطية والاعتدال هي صفة أهل السنة، وهم يمنحون هذه الصفات إلى من يفترض به تمثيلهم، وليس العكس، فلم يكن لدى الحريري ما يقدّمه لأهل السنة، لا في الفكر ولا في التنمية ولا في السياسة.
الاعتدال ليس بالتنازل عن الثوابت ولا بخلع الهوية، وقد كان اعتدال سعد الحريري كارثياً لأنّه تحوّل إلى سلاح بأيدي خصومنا وسياطاً تجلد ظهورنا، بينما يغادر الرئيس مسرح الأحداث إلى المنافي الاختيارية.
عظّم الله أجر أهل السنة في ما مضى، وعليهم اليوم مسؤولية النهوض باعتدالهم فهم أهل الدولة وأهل الحكم وأهل الصلابة وأهل العروبة والوطنية الحقّة.

أحمد الأيوبي

إعلامي لبناني وكاتب سياسي في عدة مواقع مختص بشؤون الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى