مقالات خاصة

طلاب بلا مستقبل وأساتذة بلا حقوق.. هل تنهار جامعة الفقراء ؟

بقلم تيمة حطيط – قلم سياسي

تتصاعد أصوات الطلاب والأساتذة مع تدهور الوضع الاقتصادي، إذ يطالب عددًا منهم بالعودة إلى التعليم عن بعد “اونلاين”، لما في ذلك من توفير على صعيد المواصلات والتكاليف الأخرى، خصوصًا أن السكن الجامعي والجامعة يفتقران للصيانة والكهرباء والماء وغيرها من الأساسيّات الأخرى، إضافة إلى أن الأبنية القديمة باتت تشكل خطرًا على المقيمين والمتواجدين فيها، بخاصة مع تكرار الزلازل والهزات.
وبين جودة التعليم الذي يتلقّاه الطلاب من خلال التعليم الحضوري من جهة، وبين إيجابيات الأونلاين لناحية التوفير والعودة إلى المحاضرات لاحقا من جهة أخرى، تبرز سلبيات الخيارين ويعود الطلاب والاساتذة إلى نقطة الصفر!


تقول الطالبة في كلية الإعلام-الاونيسكو ليلى ضاهر إنها تجد في التعليم الحضوري عبئًا ماديًّا عليها رغم جودته، فتكاليف النقل تفوق قدراتها، إضافة إلى أن التغيّب المتكرّر لبعض الأساتذة وبشكل مفاجئ بعد حضور الطلّاب، وغياب المقومّات الصحيّة للتعليم، يجعل الأمر صعبًا.
رئيس الجامعة بسام بدران كان له رأي آخر، فقد تحدّث عن الدوافع التي تجعل التعليم الحضوري أكثر جودة، وردّ ذلك لسببين أساسيين، الأول أنه ليس ثمة قانون يغطي إعطاء شهادات للتعلم عن بعد، والثاني هو أن الطلاب يفتقرون لأدنى أدوات التعلّم عن بعد في منازلهم، مثل جهاز كومبيوتر جيّد وإنترنت سريع.
أما بالنسبة للحلول المقترحة بما يتعلق بأزمة النقل، كانت إدارة الجامعة قد وضعت -بحسب بدران-، خطة لاعتماد باصات تابعة لمختلف الخطوط من مناطق الأطراف إلى كليّات الجامعة في بيروت، إلا أنّها لم تلقَ استجابة من الجهات المانحة ومن الدولة في هذا الخصوص

من جهته تحدّث الدكتور في مادة الفلسفة في الجامعة اللبنانية باسل صالح، عن معايشة الطلاب لحياة جامعيّة غير صحيّة لأسباب عدّة، واعتبر أن الإصرار على التعليم الحضوري في ظل تمركز فروع الجامعة في المدن يتسبّب بفرز طبقي “رغم أن التعليم الحضوري هو الأفضل والأضمن بعد انتهاء فترة كورونا، والتعبئة العامّة”.
أحمد بعلبكي طالب في كلية علم النفس، يؤكّد على أهمية “التعليم عن بعد” بالنسبة إليه، وذلك لقدرة الطالب على العودة إلى المحاضرات ومراجعة شرحها لاحقًا، ولعجزه مادياً عن تغطية تكاليف النقل وغيرها “في دكاترة ما بيشرحوا، غير الغلاء الموجود بكافيتريا الجامعة، إذا بدي جيب قنينة مي صغيرة تضايني كل النهار بعمل حساب حقّها”.
وبهذا الصدد يؤكد د. صالح أن طلاب وأساتذة الجامعة اللبنانية في حاجة إلى تشريعات للإعتراف بالتعليم عن بعد، وهو ما يجب العمل عليه للوصول إلى تسوية ما، كأن تعطى الاختصاصات النظرية غيابيًّا، وأن تعطى الاختصاصات التطبيقيّة حضوريًّا، مع ما يرافق ذلك من تمكّن الطالب من مراجعة المحاضرات لاحقًا في ظل أوضاع اقتصادية لا تسمح له بالتردد إلى الجامعة دومًا.
كان الطالب السابق في كلية الإعلام ياسين اسكندر قد أعرب لـ”ٌقلم سياسي” عن تذمّره من مصادرة حقه في التعليم، إذ أنه وبعد عجزه عن التردد إلى الجامعة بسبب سكنه البعيد في بعلبك الهرمل، اضطر إلى إيقاف استكمال مسيرته التعليميّة والذهاب نحو سوق العمل، للحصول على مال يعينه على العيش.


يطالب دكتور مادة الفلسفة بتعيين مجلس أصيل للجامعة وباجتراح آلية جديدة تسمح باتخاذ القرارات الجامعية بمعزل عن مجلس الوزراء، أي أن يتم انتخاب المجلس من الاساتذة بشكل مباشر، كي لا يصبح رهينة لعقد جلسات مجلس الوزراء، وللمناكفات السياسيّة! وهكذا يتمكّن أيضًا من تفريغ الأساتذة دون الرضوخ لأحزاب المنظومة الحاكمة، على أن يتم الانتخاب بشكل دوري ونقابي ونضالي مباشر ووفق معيار الكفاءة.
من هنا يسوقنا الحديث نحو التمعّن في ضرورة إعادة الثقة برابطة الأساتذة المتفرّغين، واستعادة زخمها، ودورها في مواجهة جميع السياسات غير المجدية بحق الجامعة من جهة، والسياسات التي تتفرّد فيها رئاسة الجامعة من جهة أخرى. فالجامعة باتت بلا أي إطار نقابي حقيقي، إذ لا انتخابات ولا تمثيل طلابي منذ سنوات أيضًا!

يضيف د. صالح “الهيمنة السياسية على الأطر النقابية الطلابية والأساتذية – كما في سائر قطاعات الدولة- تطرح علامات استفهام حول مستقبل أي مؤسسة في لبنان، فالبقاء على المعايير الطائفية للتوظيف بدلًا عن الكفاءة، تسبّب بفشل هذه المؤسّسات.. لذا ينبغي انتخاب مجلس جامعة بعيدًا عن المحاصصة الطائفيّة”.
إن الحفاظ على استمراريّة الجامعة يتعلق بمطالب عدّة، أبرزها إدخال أساتذة التفرّغ إلى ملاك الجامعة اللبنانية، أما الحديث عن وقف التقاعد الوظيفي فسيتسبّب بكارثة! من هنا تبرز أهميّة حماية الأساتذة وحماية صندوق التعاضد بأشكاله جميعها، بما يشمل التقاعد الوظيفي وتحويل المتعاقدين بالساعة إلى متفرّغين، بالإضافة إلى وضع سلسلة جديدة للرواتب، وفوق هذه وتلك زيادة موازنة الجامعة بما يتناسب مع حاجاتها للاستمرار كصرح تعليمي هو الأكبر في لبنان.
يتابع د. صالح فيقول إن تفريغ أساتذة الساعة سيخفف من حاجتهم إلى إعطاء محاضرات في أصرح تعليمية عدّة أخرى بهدف تأمين لقمة العيش، وهو ما يتسبب بتراجع مستوى عطائهم وبتراجع إنتاجيّة البحث العلمي، إذ أن المصادر والكتب لم تعد سهلة المنال مع تهاوي القدرة الشرائية.


أما عن دعم الرواتب فقال د. صالح “يجب أن تكون سياسات الحكومة هادفة وتمنح الأمان الوظيفي، أمّا إقرار الموازنة بضرب الرواتب بثلاثة أضعاف يعني تقاضي راتب يقل عن 200 دولار في ظل التضخّم الاقتصادي الذي نشهده، وهو ما يجعل قدرة الأستاذ على الاستمرار مستحيلة! ناهيك عن أهمية تقاضي بدل نقل مناسب، فالأستاذ المتفرّغ المقيم في محافظات أخرى سيحتاج إلى ما يتخطى ثلثيّ ما يتقاضاه للوصول إلى الجامعة. أما اساتذة التعاقد الذين لا رواتب شهريّة لهم فإمكانيّة وصولهم إلى الجامعة شبه معدومة”.
وقد تطرّق ختامًا للنهب في قضية الـ pcr، إذ تقاضت شركات الطيران أموالًا بالفريش دولار بينما تمتنع عن الدفع بالعملة نفسها، علمًا أن تحقيق هذا المطلب يدخل 52 مليون دولار، يمكن من خلالها دعم الجامعة لمدة سنة او اثنتين.
تجدر الإشارة إلى أن الأساتذة كانوا قد نظّموا إضرابًا في وقت سابق، وانتهى حينها بناء على اتفاق من 7 بنود أعلنه وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الأعمال أكرم شهيب، وهو يحافظ على حقوق الاساتذة ولا يمسّ بمكتسباتهم، إلا أنه لم يتم تنفيذ أي بند منه حتى الآن!

الجامعة اللبنانية اليوم تناشد لتلبية حاجتها من الموازنة والإدارة، وإلى الصيانة وتأمين الاحتياجات الأساسيّة، إضافة إلى القدرة على تشغيلها وإدارة فروعها، إلا أن الأحزاب التي تسيطر عليها تجعل التعليم خاضع لرحمة وقرارات السلطة.
وبالتالي، فإن طلابها وأساتذتها بانتظار حدوث معجزة في ظل ظروف اقتصادية وتعليمية قاهرة، وفي ظل عدم وجود إطار نقابي يدافع عن حقوقهم وينتشلهم من الخطر المحدق بطموحاتهم وبمستقبلهم في حال لفظت الجامعة اللبنانية قريبًا أنفاسها الأخيرة! وعليه سنشهد تسرّبًا جامعيًّا لشبّان وشابات الطبقة الفقيرة الأكبر في لبنان، وهجرة للأساتذة وللأدمغة.. وهو ما لا سيحمد عقباه أمام هول الانهيار العام.

المصدر
تيمة حطيط - قلم سياسيتيما حطيط - قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى