مقالات خاصة

المواجهة المباشرة .. بين تردد إدارة بايدن وإصرار إيران على تحصيل المكاسب..!

كتب الصحافي ريمون زيتوني لموقع قلم سياسي:

بعد عملية غلاف غزة في ٧ تشرين الأول، أكدت ادارة بايدن كما طهران على تجنب المواجهة المباشرة بالرغم من دعمهما للأطراف المتحاربة في غزة. ومع ذلك، فإن الاستراتيجية التي اتبعتها إيران للضغط على الولايات المتحدة بهدف تقليص دعمها العسكري لاسرائيل جعلت من الصراع المسلح مع واشنطن أمرا ممكنا.
خلال السنين الماضية، دأبت إيران على حشد ودعم منظمات مسلحة تابعة لها في ما يسمى بمحور المقاومة مما مكنها من فرض نفوذها على نطاق واسع في المنطقة، وبالتالي من مهاجمة المصالح الأمريكية متجنبة بذلك الصراع العسكري المباشر مع واشنطن خاصة وان الولايات المتحدة تفوقها قوة وتطورا من حيث ترسانتها العسكرية.
دفعت هجمات أذرع ايران ضد المصالح الاسرائيلية والأمريكية والشحن التجاري، إلى اعتبار ايران خطرا يهدد مصالحهما الحيوية، بما في ذلك حرية الملاحة في البحر الأحمر. واعتبر حزب الله والحوثيون أن هذه الهجمات ترتبط ارتباطا مباشرا بالحرب في غزة، وأنه إن لم تتم تسوية الصراع بين حماس وإسرائيل، ستظل المنطقة تتقلب على نار حامية.
انطلاقا منه، يبدو أن إيران، ومن خلال دعمها لعمليات أذرعها في المنطقة، تعمل على إحباط الجهود الأمريكية لإبقاء الحرب مقتصرة على غزة بحيث تستمر في دعم حزب الله مع تصاعد وتيرة المعارك على الحدود الإسرائيلية اللبنانية رغم استبعاد إمكانية اندلاع حرب شاملة بينه وبين إسرائيل. أما بالنسبة للحوثيين في اليمن، فلم تكتف ايران بدعمها المعنوي بل قدمت لهم الدعم المادي المباشر لتسهيل هجماتهم على السفن البحرية الأمريكية والحليفة والشحن التجاري في البحر الأحمر. في هذا السياق أعلن المسؤولون الأمريكيون أن ايران تقف وراء هجمات الحوثيين بحيث أنها زودتهم بالصواريخ الباليستية وصواريخ كروز للهجوم الأرضي، والطائرات المسلحة بدون طيار وأسلحة أخرى مختلفة. ويعتقد القادة الاميركيون بأن البحرية الإيرانية ساعدت الحوثيين على تحديد مواقع السفن التجارية الاسرائيلية لضربها ومهاجمتها.
هددت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالرد على هجمات الحوثيين، فعمدت إيران فورا الى إرساء إحدى أكبر سفنها البحرية (البرز) قبالة الساحل اليمني لدعم ذراعها الحوثي الا أنها عادت وأمرت بسحب سفينتها عشية الضربة التي شنتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في ١١ كانون الثاني على ٦٠ هدف للحوثيين في اليمن، حرصا منها على تجنب المواجهة المباشرة. وجاءت الضربات بدعم من البحرين التي تستضيف عمليات أمنية بحرية إقليمية بقيادة الولايات المتحدة، وكذلك أستراليا وكندا وهولندا، بعد يوم واحد من اعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم٢٧٢٢ والذي طالب الحوثيين بالوقف الفوري لهجماتهم على السفن التجارية، الا ان الحوثي لم يذعن للقرار بل عمد الى ضرب صاروخ باليستي مضاد للسفن على سفينة الحاويات ام ڤي جبرالتار إيغل التي ترفع علم جزر مارشال، والتي تملكها وتديرها الولايات المتحدة في خليج عدن. بالاضافة الى ذلك أعلنت القيادة المركزية للولايات المتحدة أنها أسقطت صاروخ كروز مضاد للسفن أطلقه الحوثيون باتجاه السفينة الحربية الأمريكية يو إس إس لابون العاملة في البحر الأحمر.
لا شك ان القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة بضرب أهداف الحوثيين اتى نتيجة الضغط الكبير على القادة الأمريكيين للرد بقوة بعد العديد من هجماتهم خاصة الهجوم الواسع النطاق بطائرات بدون طيار على السفن التجارية في البحر الأحمر في ٩ كانون الثاني الماضي. ولم يؤد التحذير الذي أصدرته كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واثنتي عشرة دولة شريكة في مجال الأمن الى تراجع الحوثيين الذين ادعوا أن هجماتهم على السفن البحرية والتجارية قد اجتذبت مجندين جددا ونالت دعما سياسيا داخل اليمن، وصرحوا أن ضرباتهم لن تتوقف ما لم تنته الحرب الإسرائيلية على غزة.
ومما زاد من احتمالية الاشتباك العسكري بين الولايات المتحدة وإيران هو ان هذه الأخيرة استخدمت قواتها الخاصة في شهري كانون الاول والثاني الماضيين لشن هجمات اعتبرتها واشنطن تهديدا للتجارة العالمية وتعديا على حرية الملاحة الإقليمية وبالتالي حافزا للرد المسلح.
في ٢٤ كانون الأول، تعرضت ناقلة المواد الكيميائية تشيم بلوتو لهجوم بطائرة مسلحة بدون طيار في المحيط الهندي أثناء رحلة من المملكة العربية السعودية إلى الهند، واتهمت الولايات المتحدة ايران بالهجوم. وفي ١٠ كانون الثاني استولت إيران على ناقلة النفط سويس راجان في خليج عمان والتي شكلت في وقت سابق محور نزاع بين ايران والولايات المتحدة التي حولتها إلى ميناء أمريكي في عام ٢٠٢١ لانتهاكها قرار العقوبات الأمريكية بوقف التعامل مع قطاع النفط الإيراني. واعتبر المراقبون ان استيلاء إيران على السفينة كان رسالة تحدي إلى واشنطن نتيجة اعمالها العدوانية ضد أنصارها في اليمن.
هذا الواقع العسكري، الى جانب تعديات إيران على السفن في الخليج العربي ردا على قرار العقوبات الأمريكية، دفع بالمسؤولين في واشنطن إلى المطالبة بعمل عسكري أمريكي ضد إيران نفسها. لكن، وبالرغم من وضع تصرفات ايران في خانة التهديد للمصالح الحيوية للولايات المتحدة والمصالح الغربية الأوسع، فإن الحذر في واشنطن بشأن مسألة الصراع المسلح مع إيران لا يزال قائما بحيث ان أي ضربة عسكرية حتى لو كانت محدودة، يمكن أن تؤدي إلى حرب طويلة الأمد مع طهران والتي من المؤكد أنها ستشمل المنطقة بأكملها، وبالتالي الى انتقال المناوشات بين إسرائيل وحزب الله من معارك محدودة إلى حرب شاملة واستطرادا الى ضرب حلفاء إيران في العراق للمنشآت الدبلوماسية الأمريكية في البلاد، وفي سوريا الى تصعيد هجمات الميليشيات المتحالفة مع إيران على القوات العسكرية الامريكية المنتشرة هناك لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
لا شك أن أي صراع مباشر مع إيران سيكون مكلفا عسكريا وماليا ودبلوماسيا، سيما بعد تطوير ايران لطائراتها المسلحة بدون طيار والتي يمكن ان تكبد الاميركيين خسائر فادحة في الارواح والعتاد!
وعلى الرغم من المخاطر، تدرك الولايات المتحدة وإيران ان أي تغيير في سياساتهما الحالية سيكون له عواقب سياسية واستراتيجية سلبية خاصة في ظل غياب المساعي الدبلوماسية لخفض التصعيد او المحادثات بين إيران والغرب سواء حول برنامجها النووي أو وضع العقوبات أو حول القضايا الإقليمية. وفي هذا السياق أيضا يبدو أن الدول العربية الكبرى تركز اهتمامها في المقام الأول على تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس بدلا من تجنب الصراع بين الولايات المتحدة وإيران رغم دعوة المملكة العربية السعودية إلى تجنب التصعيد في أعقاب الضربة الأمريكية البريطانية على الحوثيين.
في النهاية يبقى على القادة الأمريكيين والإيرانيين ان يدركوا مخاطر عواقب الحرب الشاملة ويسعوا الى تجنبها وهذا ما يبدو حتى الآن انهم يفعلونه!

ريمون زيتوني

كاتب وصحفي، عضو نقابة المحررين الصحافيين في لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى