مقالات

الوراثة الزعماتية و السوسيولوجيا السياسية: مَن يبقى؟

لا يخفت منسوب السباق الجماهيري الذي يستمرّ بوتيرة سريعة بين القوى الحاضرة تاريخياً من خلال التوريث السياسي وبين الأحزاب الناشئة حديثاً بُعيد مرحلة انتفاضة 17 تشرين. ويتّفق المراقبيون على أنّ الظروف والتطورات المترافقة مع الانتخابات النيابية تضطلع بدور أساسيّ في تقرير النتائج الانتخابية كمعطى متغيّر بحسب المرحلة. لكن، لا اختلاف بين باحثين علميين على أن هناك متغيرات بدأت تتظهر في السوسيولوجيا السياسية على نطاق بعض الأحزاب، ما رسم تراجعاً في المنحى الجماهيري خلال السنوات الماضية لدى بعض التيارات السياسية بما شمل تيار “المردة” وحزب #الطاشناق على وجه الخصوص. وإذ يُعتبر “المردة” تياراً قديماً ارتبط بعائلة فرنجية معتمداً أسلوب الوراثة، يشكّل الطاشناق حزباً أرمنياً تقليدياً من الأقدم تاريخياً. وفي المقابل، استطاعت أحزاب تاريخية توريثية بارزة الحفاظ على مؤشرات جماهيرية مرتفعة محقّقة نتيجة ناجحة في الانتخابات الماضية على عكس سواها، ويُذكر في طليعتها حزب #الكتائب اللبنانية والحزب #التقدمي الاشتراكي. وقد ارتفع عدد نواب الكتلة الكتائبية إلى أربعة دخلوا البرلمان، في وقت استطاع التقدمي الابقاء على كتلة نيابية وازنة. فأي مؤشرات رقمية يمكن من خلالها اختصار هذه التفاصيل المشار إليها؟

  • تيار “المردة”: تراجع من 40 ألف صوت للائحته في انتخابات 2018 (بينها 6 آلاف صوت بالتحالف مع الوزير السابق بطرس حرب) إلى 26 ألفاً عام 2022.
  • حزب الكتائب: تقدّم من 33 ألف صوت تفضيلي عام 2018 إلى 46 ألفاً في لوائح تحالفية مع شخصيات مستقلة ومناطقية عام 2022.
  • الحزب التقدمي الاشتراكي: نال 4.1% أي النسبة المئوية نفسها تقريباً مع تقدّم 3 آلاف صوتاً، فحاز 73 ألف صوت تفضيلي عام 2018 و76 ألفاً عام 2022.
  • حزب الطاشناق: انخفض حجم الأصوات التفضيلية التي نالها من 17 ألفاً بما نسبته 1% إلى 13 ألفاً (0.7%) مع تراجع 0.3 نقطة.
  • قوى المجتمع المدني: ارتفع عدد الأصوات التفضيلية من 59 ألف صوت تفضيلي (3.7% على المستوى الوطني) عام 2018 إلى 300 ألف صوت تفضيلي أي 15.9% عام 2022.

يعتقد بعض الخبراء الانتخابيين كالباحث كمال الفغالي أن عددا من القوى سياسية المبنيّة على الوراثة الزعماتية ليس في استطاعتها الحفاظ على الدور الماضي نفسه الذي تميّزت به على المستوى الجماهيري. وقد استطاعت الأحزاب جميعها استقطاب جماهيرية معينة في الانتخابات الماضية، لكن الظروف تكون أحياناً أقوى من الزعامة كالصورة المحيطة بانتخابات 2022 النيابية التي أتعبت مفهوم الوراثة السياسية عموماً. وينطلق مركز دراسات الفغالي في شرحه هذه المعادلة من النتائج الانتخابية على نطاق المقاعد النيابية الشيعية، في الاشارة إلى استطاعة “حزب الله” استقطاب العدد الأكبر من أصوات المقترعين الشيعة، وقدرته على إضعاف الحصيلة النيابية التي حازتها حركة “أمل” لو أراد ذلك. وبحسب ملاحظات مركز دراسات الفغالي التي تنطلق منها “النهار”، فإن “حزب الله” استطاع استقطاب العشائر مقارنة مع الواقع الجماهيري لحركة “أمل”، بما يؤشر الى متغيرات تدريجية طارئة في المقارنة بين المنحى الشعبي للمكونين السياسيين المذكورين. وفي الانتقال إلى دائرة “الشمال الثالثة” ذات الحضور التقليدي لتيار “المردة” في منطقة زغرتا، استطاع النائب طوني فرنجية الفوز في الانتخابات النيابية بصعوبة تامة بالنسبة إلى توصيف مركز الفغالي، رغم رعاية والده الوزير السابق سليملن فرنجية ومواكبته للانتخابات. ولا يلغي ذلك قدرة ظاهرة الوراثة السياسية على الاستمرار خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وفق الفغالي، رغم المشاكل التي تعترضها شعبياً؛ لكن غياب قدرة الأحزاب الناشئة في السنوات الماضية على تنظيم نفسها وخوض الانتخابات بمشروع واحد سيجعل ظاهرة الوراثة السياسية من دون خصم جديّ يواجهها ما يرجّح استعادة حظوظها.

من ناحية أخرى، وبحسب مقاربة الباحث في علم النظم والقوانين الانتخابية عاصم شيا، تبيّن أن القوى السياسية التي تعتمد منهاج الوراثة السياسية تخسر من جماهيريّتها، بعدما لوحظ أنها حصلت على 31% من أصوات الناخبين في استحقاق 2018 الانتخابي في مقابل 29% عام 2022. ويؤشر ذلك إلى انخفاض عدد الناخبين الذين يقترعون للنهج التقليدي، فيما قد يعود ذلك إلى تقلّص حال الوراثة السياسية خصوصاُ وسط تحفظات التغييريين على قبول مرشحين من بيوتات سياسية. وإلى ذلك، هناك عدد من المرشحين الذين استطاعوا إثبات الاستقطاب الجماهيري والجدارة الشخصية في خوض الاستحقاقات السياسية، على عكس سواهم من المرشحين الورثة الذين لم يستطيعوا الوصول إلى نتائج جيّدة. ويقول الباحث شيا لـ”النهار” إن اهتمام الجيل الجديد بالعمل السياسي والحركة الاعتراضية الشبابية التي انطلقت عام 2009 أدّت إلى عدم قدرة طبقة الوراثة السياسية الذهاب إلى انتخابات نيابية على أساس القانون القائم حينذاك واتجهت البلاد إلى تمديد للمجلس النيابي من دون أسباب موجبة. ويضاف إلى ذلك مؤشر ما يسمى ثورة النقابات عام 2015 مع ازدياد الحركة الاعتراضية تحت مسمى “طلعت ريحتكم”، في وقت استخدمت الطبقة السياسية يومذاك الانتخابات البلدية كدراسة إحصائية قبل الانتقال إلى قانون انتخابي جديد. وقد خسر الساسة التقليديون جزءاً كبيراً من القواعد الناخبة التي تصوّت لمصلحتها تاريخياً. وفي عناوين الاستنتاج العام للباحث شيا، فإن “ظاهرة الوراثة السياسية إلى تراجع شعبي ةذهاب نحو الشخصانية لا الحزبية، لناحية الانتقال من الاقتراع لمصلحة أحزاب إلى التصويت لشخص بمفرده وليس لمجموعة”.

المصدر
مجد بو مجاهد - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى