مقالات

المساعدون القضائيّون “الجندي المجهول”.. في المجهول

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

يستمر المساعدون القضائيون في اعتكافهم ومعهم السلطة القضائية الشاهد الحيّ على تحلل ما تبقى من مؤسسات الدولة، في ظل مناشدة المجتمعين المحلي والدولي قيام دولة القانون والمؤسسات وإحقاق الحقّ، عبر محاسبة الفاسدين وإنصاف المظلومين ومعاقبة المرتكبين المجرمين.

تفاعل قضية المساعدين القضائيين لا تقف عند التحديات المعيشيّة التي تواجههم، والتي تفوق قدرتهم على الإلتحاق بمراكز عملهم في ظل انعدام القدرة الشرائية لرواتبهم الزهيدة، إنما تنسحب على القضاة أيضاً، كما المحامين والمتقاضين الذين يتحملون أعباء التأخير المستمر في البتّ في ملفاتهم.

وإن كان موجب التحفظ لا يخول القضاة التصريح، إلا أن المعاناة هي نفسها، ما دفع بالعديد منهم إلى تقديم «طلبات استيداع» والتفرغ للبحث عن فرصٍ أفضل كخطوة تمهيدية تسبق تقديم استقالاتهم.

وعلى الرغم من تيقن المساعدين القضائيين من عدم وجود حكومة من أجل التصعيد بوجهها وتحميلها مسؤولية «اجتراح الحلول»، إلا أن مناشدتهم تبقى إلى الضنينين المطالبين بتعزيز السلطة القضائية والتي لا يمكن أن تقوم في غياب المساعد القضائي الذي يتم التعامل معه كأيٍ من موظفي القطاع العام. من هنا تأتي المناشدة لإنصافهم أسوة بالقضاة عبر تغذية الصندوق الخاص بهم وليس عبر مساواتهم بموظفي القطاع العام المتجه إلى التحلل الكلّي.

وفي السياق، تساءل أحد المساعدين القضائيين عن كيفية مساءلتهم تأديبياً أمام التفتيش القضائي على اعتبار أنهم جزء من السلطة القضائية، في حين تتم مساواتهم في الحقوق مع موظفي القطاع العام؟ ليستطرد قائلاً: «مش طالع لنا من السلطة القضائية غير تفتيش».

التحديات المعيشية الصعبة التي يواجهونها لم تحل دون استجابتهم لطلب مجلس القضاء الأعلى تأمين الحد الأدنى من تسيير العدليات، ومنعاً لإلحاق الضرر بالمواطنين والمتقاضين، وتجنباً لإسقاط حقوقهم في ظل غياب قانون تعليق المهل القانونية، يعمد المساعدون القضائيون إلى تأمين حضور «بحده الأدنى»، ووقف ضبط الجلسات باستثناء جلسات الموقوفين والأوامر على العرائض الضرورية والملحة، كما المهل القانونية دون القضائية فقط.

ويوضح أحد المساعدين القضائيين أن اعتكافهم عن حضور الجلسات ينطلق من مبدأ إستحالة تسيير عمل المحاكم التي تتطلب الحضور في اليوم الذي يسبق إنعقاد الجلسات من أجل تحضير الملفات، وفي اليوم الذي يلي من أجل إستكمال «الإجراءات الإدارية» الروتينية، ولهذا السبب بالنسبة لهم يتعذر عليهم الحضور 3 أيام في الأسبوع، ليزيد الأمر تعقيداً في حال انعقاد جلستي محاكمة اسبوعياً، ما يوجب عليهم المواظبة على الحضور طوال ايام الأسبوع، ما يشكل استحالة بالنسبة لهم لتسيير المرفق العام بالصورة النظامية محذرين من ملامسة «القوة القاهرة» التي تجعل من تسيير المرفق العام أمراً بالغ الصعوبة، يدفعهم مرغمين إلى إعلان الإضراب المفتوح قائلاً: «بالنسبة لنا اللحم الحيّ انتهى.. وإنشاءالله من بعدنا العاصفة!».

وإن كان للمساعدين القضائيين صندوق خاص لمساندتهم، إلاّ أن تقديماته تبقى خجولة أمام التحديات المعيشية الصعبة التي يمرون بها، ما دفع برئيس الصندوق القاضي جوزيف تامر الذي ينال رضى ومحبة المساعدين القضائيين للجهود التي يقوم به من أجل تفعيل «الصندوق» إلى مشاركتهم وقفتهم الإحتجاجية في بيروت.

لا تقتصر معاناة الموظفين على تدني القدرة الشرائية لرواتبهم التي تتراوح ما بين 1،3 و2،5 مليون ليرة لبنانية. لتشكل المساعدة المشروطة لموظفي الدولة بالحضور 3 أيام في الأسبوع والمقدرة بـ 1،35 مليون ليرة، دافعاً للعديد منهم إلى رفضها كونها لا تكفي لتغطية بدل صفيحتي وقود. ليزيد الأمر سوءًا بالنسبة لهم، عدم تحويل بدل النقل للمساعدين القضائيين والقضاة للشهر المنصرم، كما بدل الأتعاب العائد لمشاركتهم في الإنتخابات النيابية على الرغم من التطمينات والوعود التي قطعت في حينه.

أما الأبرز من كل ذلك، فيعود إلى الظروف التي تحيط ببيئة العمل، والتي تطال القضاة كما المحامين، لجهة إنقطاع التيار الكهربائي، وعدم القدرة على تأمين البدائل، ما ينعكس حكماً على إنعدام القدرة على تشغيل «المكيفات» على أبواب فصل الصيف الحار، إلى جانب الظروف الصحيّة السيئة للغاية في قصور العدل مع فسخ العقد مع شركة التنظيف، لتضاف تلك الأعباء على عاتق الموظفين من أجل تأمين عمال نظافة، ناهيك عن غياب الصيانة التي تساهم في تردي الوضع داخل قصور العدل. وفي متابعة حثيثة تبرز جلياً الظلمة الدامسة في أروقة قصور العدل لتشكل الروائح الكريهة بوصلة إلى المراحيض المعطّلة.

وبعيداً عن المطالبات والتحركات العقيمة، يرى المساعدون القضائيون أن لا حلّ مع هذه السلطة خصوصاً بعد أن فقدوا ثقتهم بقدرة «المسؤولين» على اجتراح حلول لقضيتهم في ظل الإهتراء الذي ينخر غالبية مؤسسات الدولة، والوزارات المعنية، ويعتبرون أن الحلّ الوحيد يكون عبر تغذية صندوق المساعدين القضائيين، من أجل أن يكون بديلا استشفائياً ومعيشياً في وجه كافة الأزمات، وذلك عبر رفع نسبة الإقتطاع من الدعاوى، وتسهيل استحصالهم على المستحقات من قبل وزارة المالية، ليشكل تحويل الهبات الدولية إلى هذا الصندوق أبرز المطالب على اعتبار أنهم جزء لا يتجزأ من السلطة القضائية وهم الذراع الأيمن للعدالة، ضاربين بعرض الحائط إعتبار أن «جناحي العدالة هما القاضي والمحامي مشددين على أن رافعة القضاء هو المساعد القضائي.. بدن يسمحولنا فيا».

المصدر
نداء الوطن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى