مقالات خاصة

بتهرب حتى ما تموت بتموت انت وعم تهرب!

الإفتتاحية بقلم ج.م

إن سنحت لك الفرصة أن تُولد او تعيش وتحلم وتبني مستقبلاً لك ولأولادك خارج لبنان ستكون مجنوناً إن رفضت.. هكذا بدأت قصة “قارب الموت” الحزينة بسعيٍ لتحقيق ذلك الحلم والعيش خارج جهنم لبنان بعيدا عن قادته الطغاة، في هجرةٍ سُميت بالغير شرعية…

أطلقوا عليها إسم “هجرة غير شرعية”، وهي هجرة سبقتنا اليها جميع الأديان السماوية، فلم يُهاجر النبي من مكة بسبب كفر أهلها بل بسبب ظلمهم، ولم يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لإيمان حاكمها بل لعدالته، دون أن ننسى هجرة العائلة المقدسة من هيرودس، والنبي موسى من فرعون، والأنبياء ابراهيم ونوح ولوط وصالح ويونس وآل يعقوب، فهل كانت هجرة هؤلاء شرعية، وهل بلغ أي من الطغاة الذين ظلموهم، ما بلغه حكامنا من بطش وكفر وجشع وإجرام؟، فقد هاجروا جميعاً بحثاً عن العدل والعدالة هاجروا بحثاً عن الرحمة والتسامح، هاجروا بحثاً عن أنسنةٍ باتت مفقودة كلياً في بقعة أرض يابسة يُقال لها وطن..

غادر أهالي طرابلس من نساء ورجال وأطفال بأمانٍ، حاملين معهم وجعهم ووطنهم الذي بات مثلهم يبحث عن أملٍ في هذه الحياة، وما ان قاربوا على إجتياز المياه الإقليمية حتى غرق بهم المركب، كيف ولماذا ومتى؟ لم نعلم حينها وربما لن نعرف الحقيقة ابدا…

وما إن انتشر خبر “غرق المركب” حتى تسارعت البيانات والتغريدات لتبييض الطناجر، الاّ أن رئيس حكومتنا المبجّل نجيب ميقاتي، اغنى أغنياء العالم وابن طرابلس المدينة الأفقر على خط البحر المتوسط لم يكتفِ بالشجب بل تخطاه لإعلان الحداد الوطني وتنكيس الأعلام، لكن الفاجعة والصدمة هذه المرة لم تأتِ من حكام الفساد، فقد إعتدنا على بطشهم وظلمهم لدرجة “تمسحنا”.. الضربة هذه المرة جاءت قويةً على الرأس فقد جاءت من القلب، جاءت ممن يتوجب عليهم الدفاع عنا بوجه الخطر والموت والنار والمياه، فكانوا هذه المرة هم الخطر بحسب شهادات الناجين التي سمعناها ولم نصدقها في إتهامٍ مباشر للقوات البحرية التابعة للجيش اللبناني بإغراق المركب وقتل راكبيه…

وسريعاً جدا أصدر الجيش اللبناني بياناً توضيحياً قال فيه بأن المركب غرق نتيجةً لتسرّب المياه بسبب ارتفاع الموج وحمولة المركب ‏الزائدة، مع أن حالة الموج وسرعة الرياح ساعة وقوع الفاجعة كانت اكثر من طبيعية والمركب كبير ويتسع لحوالي مئة شخص، ليُعلن بعدها قائد القوات البحرية في الجيش العقيد الركن هيثم ضناوي في مؤتمر صحافي، أن “المركب الذي غرق هو مركب صغير صنع في العام 1974، طوله عشرة امتار وعرضه 3 امتار والحمولة المسموح بها هي 10 اشخاص فقط، مشدداً على ان “الجيش حاول منع المركب من الانطلاق ولكنه كان اسرع منا وحمولته لم تكن تسمح له بان يبتعد عن الشاطىء ولم يقتنعوا من عناصرنا الذين يعانون معاناتهم نفسها، وقائد المركب اتخذ القرار بتنفيذ مناورات للهروب من الخافرة بشكل ادى الى ارتطامه”.

لقد قدم قائد البحرية عرضاً ومبررات لا يصدقها طفل صغير، في وقتٍ تشابهت شهادات الناجين وأجمعت على تعمّد زورق خفر السواحل الإصطدام بقارب المهاجرين مرتين والتسبب بإغراقه بالمياه، بعد تهديد الضابط المسؤول لهم بالغرق والموت.. فهل يُعقل ان تتشابه شهدات الناجين ويتم الإتفاق عليها فيما بينهم أثناء الغرق والبحث عن سبل النجاة؟؟؟

وبعد المسرحية التي قدمها قائد البحرية، وخلال إنتشال الجثث من المياه، توجهت اصابع الناجين نحو الجيش، وشهدت أحياء مدينة طرابلس توتراً شديداً مع بدء تشييع ضحايا مركب الموت في منطقة البقار في القبة حيث سمعت أصوات إطلاق نار كثيف غضباً وذلك وسط وصول تعزيزات جديدة للجيش اللبناني الذي رشق عناصره وآلياته بالحجارة، ففي وقتٍ كان الناجون ينتظرون تعاطفاً ودعماً، فهم لا زالوا يبحثون عن أفراد عائلاتهم في المياه، فُوجئوا بتزييف الجيش للحقيقة وإتهامهم بالهجرة الغير شرعية!! ببيانٍ تجاوز جريمة قتل الأبرياء ليُلاحق جريمة تهريب أشخاص..

وفي حال صدقت شهادات الناجين وهذا متوقع طبعاً، يبدأ التساؤل.. هل الهدف من اغراق المركب في عرض البحر واستشهاد العديد من الاطفال والرجال والنساء توتير الوضع الامني في طرابلس، لضرب المدينة وتأجيل الانتخابات؟ فسياسة الإفلات من المحاسبة وتغييب الحقيقة وقلب الأمور لا زالت تحكم في بلدٍ فاقد للضمير العام، يتحكم به قادة مأجورين عديمي الضمير..

فحفاظاً على كرامة وصدقية الجيش اللبناني، باعتباره آخر مؤسسة لبنانية صامدة في وجه الانهيار ولان هناك تناقض بين المعلومات التي اوردها الضابط المسؤول وبين شهادات الناجين التي تشير بغالبيتها الى تورط قائد الخافرة في اغراق العبارة، ولان التحقيق الذي سيجري مع الضباط والعناصر في الشرطة العسكرية غير كافٍ، فالمطلوب اليوم تحقيق شفاف عبر إحالة قضية مجزرة طرابلس إلى المجلس العدلي وتعيين خبراء مدنيين متخصصين لكشف الحقيقة، لإمتصاص التشنّج وقطع الطريق عمّن يحاول استغلال الحادثة للتخريب سيما وان اصحاب الشان افادوا مراراً بان الانتخابات حاصلة ما لم يحدث طارىء امني.

ختاماً، الواضح بأن حكام هذا البلد مصرون على منعنا من العيش بكرامة، فتارةٍ يمنعوننا من الحصول على جوازات السفر وتجديدها، وتارة يغلقون أمامنا أبواب دول كثيرة بسبب سياساتهم التي أبعدت لبنان عن محيطه العربي والدولي، وعندما نقرر ان نهرب، يمنعوننا من الهرب، ويتسببون بموتنا حفاظاً على مواثيق وإتفاقيات دولية لا ترحم، وكأننا في قفصٍ كبير لن نتمكن يوماً من الخروج منه، وقد أصبحنا نعيش في جهنم وسنموت فيها، فلا تحاول عبثاً ففي وطني لبنان ومدينتي طرابلس بتهرب حتى ماتموت بتموت انت وعم تهرب…

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى