سياسةمقالات خاصة

حرب غزة والحل المفقود

كتب عضو نقابة المحررين الصحافيين والكاتب ريمون زيتوني لقلم سياسي،

في تصريح له من على منبر الأمم المتحدة اعتبر غوتيرش ان المذبحة التي ارتكبتها منظمة حماس في ٧ اكتوبر “لم تأت من فراغ” وان الاحتلال الاسرائيلي على مدى ٥٦ عاما لا يمكن فصله عن أحداث غزة.
تصريح امين عام الأمم المتحدة في ٢٤ تشرين الاول اثار حفيظة الدولة العبرية التي سارعت الى الاستنكار وإدانة ما جاء على لسان غوتيرش مطالبة باستقالته ومتهمة اياه بالافلاس الاخلاقي.
من جهتها تذرعت اسرائيل بهجوم ٧ اكتوبر لمواصلة حربها على غزة. اما الولايات المتحدة فاتخذتها ذريعة لإعادة التأكيد على وجودها في الشرق الأوسط.
محطات تاريخية كثيرة تعود الى الذاكرة تسلط الضوء ربما على ما يجري في اسرائيل وفلسطين ولعل المحطة الأبرز تعود الى منتصف القرن التاسع عشر حيث اعتبر الغرب المسيحي الإنجيلي فكرة “عودة اليهود” ضرورة دينية ودعا الى اقامة دولة يهودية في فلسطين، فتحول بذلك اللاهوت الى سياسة في نهاية القرن التاسع عشر لسببين، الاول ان هذه الفكرة صبت في مصلحة البريطانيين الذين رغبوا في تفكيك الامبراطورية العثمانية ودمج أجزاء منها في امبراطوريتهم. والثاني ان الفكرة لاقت صدى ايجابيا لدى الطبقة الأرستقراطية البريطانية من اليهود والمسيحيين على حد سواء والذين اعتبروا الصهيونية حلا لمشكلة معاداة السامية في اوروبا الوسطى والشرقية والتي أنتجت موجة رفض الهجرة اليهودية الى اوروبا، بريطانيا.
اندمجت هاتان المصلحتان فولد وعد بلفور الشهير.
في ذلك الوقت عرّف المفكرون اليهود اليهودية على انها قومية معتبرين هذا التعريف مدخلا الى حماية المجتمعات اليهودية من الخطر الوجودي في اوروبا باعتبارهم فلسطين المكان لولادة الأمة اليهودية من جديد. وهكذا تحولت الفكرة الى مشروع استيطاني استعماري هدفه تهويد فلسطين التاريخية متجاهلا حقيقة أنها كانت مأهولة بالسكان الأصليين. ونتيجة لذلك ولدت الحركات المناهضة للاستعمار اليهودي وكان اولها انتفاضة البراق عام ١٩٢٩.
محطة تاريخية أخرى ذات صلة بما يحصل في غزة اليوم وهي التطهير العرقي الذي حدث في فلسطين سنة ١٩٤٨ حيث طرد الفلسطينيون الى قطاع غزة. وقف العالم يومها متفرجا لا يحرك ساكنا مما حدا باسرائيل الى متابعة عملية التطهير العرقي هذه لضمان إحكام قبضتها على فلسطين التاريخية، فكان ان طردت ٣٠٠ ألف فلسطيني أثناء وبعد حرب ١٩٦٧ وأكثر من ٦٠٠ ألف من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
مع انتخاب الحكومة الاسرائيلية الأصولية في تشرين الثاني ٢٠٢٢ بلغت هذه الإجراءات القاسية والعنيفة ذروتها حتى اصبحت سياسة اسرائيل تجاه الأماكن المقدسة المسيحية والاسلامية أكثر تشددا وعدوانية.
ومن المهم ان ندرك أن حصار غزة جاء ردا على فوز حماس في الانتخابات بعد الانسحاب الاسرائيلي الأحادي الجانب من الأراضي. وإن دلت عزلة غزة والسياج المحيط بها والتهويد المتزايد للضفة الغربية على شيء فهو ان الاسرائيليين لم يروا في اتفاقية اوسلو سوى احتلالا من نوع آخر وليس طريقا الى السلام.
أحكمت اسرائيل سيطرتها على مداخل ومخارج الحي اليهودي في غزة فردت حماس على هذا الحصار بإطلاق الصواريخ على المناطق المدنية في اسرائيل، فاعتبر الاسرائيليون الهجمات دافعا ايديولوجيا لقتل اليهود متجاهلة الحصار المفروض على ما يقارب المليوني شخص والقمع الذي تعرض له اخوانهم في اجزاء أخرى من فلسطين التاريخية.
وعدت حماس بالانتقام فردّت بطريقة عنيفة. طبعا لا يمكن تبرير هجماتها بهذه الطريقة بأي من الأشكال ولكن في المقابل لا يمكن الا وضعها في سياقها.
انطلاقا مما ذكر، وحسب المحللين السياسيين والمراقبين للشأن اليهودي فإن اسرائيل ستبقى دولة أنشأتها حركة استعمارية استيطانية، وهذا يعني انه على الرغم من تصوير نفسها على انها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط فإنها ستبقى ديموقراطية لمواطنيها اليهود فقط.
بالنتيجة، سيواصل الفلسطينيون نضالهم من أجل التحرير حيث يقف الى جانبهم العديد من المجتمعات المدنية.
ويبقى القول بأنه لو استمر نفس النهج لدى الأنظمة المتعاقبة على الحكم في اسرائيل
فإن الحروب ستستمر الى ما لا نهاية ولا استقرار في العالم وخاصة في الدول المجاورة لمركز النزاع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى