محلي

المرتضى شارك في ندوة عن التعددية الثقافية بين المواطنة والانتماء

رأى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى أن “التعدد سمة الحضارة، أما التخلف فلا ينتج إلا استبدادا وأحادية فكر. لكن الحقيقة أيضا أن التعدد لا ينبغي له أن يفضي إلى الشرذمة والتناحر. وكل حوا عقلي مهما بلغ من الرقي والصفاء يبقى قاصرا بذاته ما لم يحتضنه حوار الحياة المشتركة، الذي يعقده المختلفون دينا أو عرقا، في أعمالهم اليومية ومعيشتهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية الواحدة”.

ولفت الى ان “الثورة في ايران أوصلت الى الحكم من دعمنا في حقنا، دعما حاسما ساعد على إنجاح الفعل المقاوم في لبنان وفلسطين، وما نحتاجه حقيقة اليوم هو أن نردف انتماءنا للحرية والتحرر بسعينا لبناء دولة حقيقية قائمة على مبادىء حقوق الإنسان وقيم العدالة والسيادة الوطنية وحفظ التنوع”.

كلام الوزير المرتضى جاء في خلال رعايته وحضوره اليوم للقاء الفكري الحواري تحت عنوان “التعددية الثقافية بين المواطنة والانتماء” بدعوة من المستشارية الثقافية الايرانية في لبنان بالتعاون مع المركز العالمي لحوار الحضارات في مركز لقاء في الربوة، وذلك في أجواء الذكرى ال43 لانتصار الثورة الايرانية وتكريسا لمنظومة القيم المشتركة بين الاسلام والمسيحية، وفي حضور نخبة من الشخصيات الفكرية والثقافية ورجال دين من كافة الطوائف والمذاهب “.

وقال وزير الثقافة في مستهل الكلمة :”يدفعني عنوان هذه الندوة، وفعالياتها وموقعها، إلى تذكر ما قرأناه في الكتب عن مجالس كان يرتادها علماء ومفسرون وأهل كلام ولاهوتيون وفلاسفة وأدباء وشعراء في عهد المأمون) بغض النظر عن حقيقة موقف الأخير من الامام الرضا ويعقدون حوارات فكرية في مسائل شتى، بحرية كاملة، فيختلفون أو يتفقون، ثم لا يلبثون أن يخرجوا إلى تفاصيل يومهم وعيشهم معا في طمأنينة نفوس ورسوخ إيمان بأن التباين الفكري والتعدد الثقافي لا تأثير لهما على الحياة الواحدة التي تجمعهم. كان ذلك في زمن بلغت فيه شأوَها حضارتنا التي اشترك في صنعها أقوام من أعراق كثيرة وأديان متنوعة”.

وأضاف :”والحقيقة أن التعدد سمة الحضارة، أما التخلف فلا ينتج إلا استبدادا وأحادية فكر. لكن الحقيقة أيضا أن التعدد لا ينبغي له أن يفضي إلى الشرذمة والتناحر. وكل حوار عاقل
مهما بلغ من الرقي والصفاء يبقى قاصرا بذاته ما لم يحتضنه حوار الحياة المشتركة، الذي يعقده المختلفون دينا أو عرقا، في أعمالهم اليومية ومعيشتهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية الواحدة. هذا عرفناه في حقبات كثيرة من تاريخنا، تأسيسا على الإيمان الذي تعلمناه من قول الله تعالى في كتابه العزيز{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }، ومن قول القديس بولس{تنافسوا في المواهب الفضلى وأنا أُريكم طريقًا أشدَّ كمالًا، لو كنت أنطق بألسنة الناس والملائكة ولم تكن فيَّ المحبةُ، فإنما أنا نحاسٌ يطنُّ أو صنجٌ يرنّ}. وحوار الحياة هذا لا تكفلُه ولا تحميه إلا فكرة المواطنة الحقيقية الجامعة والدولة الوطنية الحرة التي تستطيع بقوة أبنائها أن تحافظَ على سيادتِها وتحمي شعبَها من كل عدوان خارجي أو تفسخ داخلي.”
وتطرق المرتضى الى الوضع السائد في منطقتنا لمفهوم التعددية الثقافية بين المواطنة والانتماء :” لكننا بلغنا الآن في لبنان ومنطقة الشرق الاوسط عموما، زمنا يحاول فيه بعضهم تصنيف الأمور على وجه سلبي، فيزعمون أن اللقاء بين المواطنين صعب المنال، وأننا مفتتون نخضع لإملاءات من هنا وهناك، وأن ماضيَنا كالح وواقعَنا غامض ومستقبلَنا ضائع، وأننا كيانات هشة لا حول لها ولا قوة. هؤلاء يصرون على طغيان اللون الأسود في لوحة عيشِنا، لنعتادَ جلد الذات بدل نقدها وتطويرها، وصولًا بهم إلى اقتراح التقسيم كنوع من فصل عنصري للأفكار. هؤلاء يُغمضون الأبصار والبصائر عن المنارات التي أضاءت منذ القدم، هذا الشرق المكوَّنَ من مجتمعات تعددية فيها خليط من الثقافات والرؤى، ومزيج من الأديان والخلفيات والأعراف. وهؤلاء أيضا يرفضون الإقرار بأن شعوبنا منذ أن منحت استقلالها المزيف لم تصنع هوية وطنية جامعة تصمد بها أمام الأصناف الجديدة من الاحتلالات التي جاءتها وعاثت في نسيجها الاجتماعي قتلًا وتهجيرا وخرابًا، فحرمْنا من الاندماج في دول وطنية ذات هوية جامعة توحّدنا، واتخذت كلُّ جماعة من منطلقاتها وأهدافها السياسية حيزا ضيقا حبس الغنى الثقافي في سجن المشاريع التقسيمية.”

وطرح جملة تساؤلات تتعلق بالوضع الراهن في لبنان :” وهنا أسأل: أمام المخاطر المشتركة التي تتهددنا من عدو مشترك لا يكف ولا للحظة واحدة، عن أفعاله العدوانية ولا يُخفي نياته التوسعية، أما كان ينبغي لنا في لبنانَ مثلًا أن تجتمع كلماتُنا على ما تجسده ثقافة المقاومة من مشروع تحريري ودفاعي؟ أوليست هذه الهوية الجامعة القائمة على مبادئ حقوق الإنسان وقيم العدالة والسيادة الوطنية ما نحتاج إليه في بلادنا الموسومة بالتعددية الثقافية؟”. وتابع وزير الثقافة :”بالمناسبة، وعلى بعد أيام خلت من ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لا بد من القول إن من مفاعيل انتصار الثورة أنها أوصلت إلى الحكم من دعمنا في حقنا، دعما حاسما ساعد على إنجاح الفعل المقاوم في لبنان وفلسطين، وما نحتاجه حقيقة اليوم هو أن نردف انتماءنا للمشروع التحرري الكبير بسعينا لبناء دول حقيقية، ينصهر أبناؤها فيها بوصفهم مواطنين حقيقيين، فإن حوار الحياة اليومي كما قلت سابقا هو الذي تتحدد على أسسه هوية البلد ومكامن قوته، وهو الذي يوحدنا جميعا في حقوقنا وموجباتنا الوطنية، ويعطي كل فرد أن يحافظ على تميزه الثقافي في إطار الدولة الجامعة، فيصبح فعل المواطنة الحقّة حاضا لهذه التعددية الثقافية وضامنا لها، ومانعا من انزلاقِها إلى مشاريع انقسامية. لكن هذا يتطلب أولاً أن يبتعد الخطاب السياسي عن السعي إلى المكاسب المؤقتة بدل العمل على تحقيق الإنجازات التي تدوم إلى الأجيال المقبلة.”وختم المرتضى :”التعددية الثقافية في منطقتنا رأس مال من ثروة يجب استثمارها لتزداد وزناتها. وبيروت كانت مقصدًا لكل المثقفين في العالم العربي نظرًا لمناخ الحرية الذي يسودُ فضاءَها، ونريد لها أن تظلَّ كذلك. فهي، على مأساوية أوضاعها الراهنة لا تزال تتمتع بديناميكية لا تهدأ. وشعوبنا مهما انقسمت سياسيا، ومهما دفعها بعض الساسة ومن هم في أعلى القمة إلى نزاع أو اقتتال، فهي في عمقها على انفتاح اختزنه تراثُها الذي تأصل فيه أن لا غنى لمكون عن آخر، وهي شعوب مؤمنة بالضرورة أن قوس قزح واحد ومتعدد في آن.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى