مقالات

هل نحن نصلح بين أخوينا في الشرق الأوسط؟

كتب الدكتور أحمد أويصال:

الإسلام دين سلام، لكن المسلمين اليوم لا يعيشون بسلام، بخاصةٍ في الشرق الأوسط، حيث الصراعات التي لا تنتهي أبدًا، من سوريا إلى السودان. أغلب صراعات الشرق الأوسط تدور رحاها بين طرفين، كلاهما ينتمي للدين الإسلامي، بدوافع مختلفة، طائفية وقبلية وعرقية. ترتبط الأسباب الرئيسة للصراعات في منطقتنا بالتدخلات الخارجية، وبالتنافس بين القوى العظمى، ولكن لا يمكننا أن نلوم الآخرين فقط على ظهور هذه الصراعات. وماذا عن المبدأ القرآني في الإصلاح بين الإخوة؟

بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، فُرض نظام سايكس- بيكو على سكان ما يسمى بالشرق الأوسط، الذي يضم العالم العربي وتركيا وإيران وإسرائيل. هذه المنطقة عبارة عن تقاطع بين ثلاث قارات وسبعة بحار ومحيطين، تعد المنطقة أيضًا مصدرًا رئيسًا لصادرات النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن إمكاناتها الكبيرة في حركة التجارة العالمية. لذلك، دائماً هنالك اهتمام خارجي بهذه المنطقة، منذ عهد الإسكندر المقدوني إلى الإمبراطوريتين الرومانية والعثمانية، وإلى يومنا الحاضر.

التأثيرات الخارجية لا تلغي مسؤوليتنا في البحث عن حلول لمشاكلنا وصراعاتنا المنتشرة في منطقتنا. لدينا مؤسسات مثل منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، تفشل دائمًا في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، مثلها مثل الأمم المتحدة فشلت في تحقيق السلام في العالم. الصراعات المسلحة مستمرة في سوريا واليمن والسودان والعراق، إلى جانب صراعات عديدة يشارك فيها مسلمون في إفريقيا وآسيا. بالإضافة إلى ذلك، تحاول كل القوى العالمية والقوى الإقليمية استخدام الجماعات الإرهابية أو الوكلاء لإضعاف دول أخرى في المنطقة.

هل تم تقييد أيدينا لمنعها من التدخل لحل هذه الصراعات الداخلية، أو الإسلامية – الإسلامية، أو بالأحرى ماذا يمكننا أن نفعل تجاه هذه الصراعات؟ يأمرنا الإسلام بالتوسط بين الزوجين (النساء: 35) وبين الجماعات المتصارعة (الحجرات: 9). لذا فإن الوساطة ضرورية بين الناس أو الجماعات المتنازعة. إذا طبقنا هذه المبادئ على صراعاتنا فإننا سننعم بالسلام والازدهار. يمكن تنشيط المؤسسات الحالية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، ولكن، لا يوجد أمل كبير في هذا الاتجاه، لأن هذه المنظمات فشلت بشكل مستمر حتى اليوم، بسبب الحسابات الضيقة، ونقص الإرادة الحقيقية في هذا المسعى.

نحن نعيش اليوم في عصر العولمة والتغيرات السريعة في المشهد الدولي، ومن الضروري اتباع نهج جديد للتعامل مع الصراعات المندلعة، والتي ستندلع بين المسلمين. سيكون هذا النهج الجديد بحاجة لإشراك النخب الفكرية والثقافية والمجتمع المدني في جهود البحث عن حلول للصراعات. يمكن لنخب الدول الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني التغلب على الانقسامات القبلية والإقليمية والعرقية والطائفية. من أفغانستان إلى السودان، كما تعمل طريقة الوساطة القبلية القديمة أحيانًا على حل النزاعات التي تفشل الحكومات في حلها. يمكننا البناء على هذا التقليد للتعامل بشكل أكثر فاعلية مع متطلبات الشعوب والصراعات الحديثة.

تتطلب الوساطة الفعالة أن تكون الأطراف المتصارعة قد وصلت لحالة من الاعياء من القتال وبدأت بالبحث عن حل. في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي الرغبة في الانتقام إلى استمرار النزاعات لسنوات. بعد ذلك، يمكن للوسيط أن يعمل على جمعهم معًا لوقف هذا الدوران في الحلقة المفرغة. بالطبع، يجب احترام الوسيط من كلا الجانبين. ويجب أن يسود الإنصاف ومبدأ رابح-رابح في عملية الوساطة.

كانت الوساطة الصينية بين السعوديين والإيرانيين مفيدة للمنطقة، لكننا كنا بحاجة إلى ذلك قبل فترة طويلة، لتقليل الأضرار التي لحقت بالمنطقة. لا ندري مدى التزام الصين بمثل أدوار الوساطة هذه في صراعات أخرى في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يمكننا استغلال ذلك كفرصة لبناء رؤية أقوى، وحتى لتأسيس منظمة إقليمية أقوى، من أجل جهود السلام وحل النزاعات في منطقتنا المشتعلة دوماً.

إن المفهوم الإسلامي للإصلاح بين أخوين هو أكثر من مجرد وساطة، لأنه ينطوي على اخضاع الطرف المعتدي بعد فشل جهود الوساطة، ويبرر استخدام القوة لوقف المعتدي بين مجموعتين مسلمتين، إذا أصر أحدهما على استمرار الصراع. ربما لا يمكننا تنفيذ الإجراءات القسرية على المعتدين اليوم، لكن يمكننا بالتأكيد الضغط على أولئك الذين يفضلون القتال على الجلوس إلى طاولة السلام. يجب أن نضع في اعتبارنا أيضًا أن أولئك الذين يقاتلون مع الآخرين اليوم يمكن أن يصبحوا أصدقاء جيدين غدًا.

المصدر
الشرق

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى