الصحف

العودة إلى 1701 أم تفاهم جديد؟

ثمة مقاربات للوضع الجنوبي على الحدود وتنفيذ القرار 1701 تبدو مستفزة للبنان وتخدم إسرائيل عبر تعابير عدائية أقل ما يُقال أنها تظهر كأنها تفرض على لبنان تحقيق أمور خدمةً لإسرائيل ولا تُطرح إلا من أجل هذا الهدف على غرار ضرورة ابتعاد الحزب عن الحدود. القرار 1701 الذي وافقت عليه الحكومة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة في 2006، بدعم كلي من الرئيس نبيه بري وكانت تضمّ وزراء من الحزب، جاء بناءً على خطة من سبع نقاط قدمتها الحكومة آنذاك ورحّب مجلس الأمن بهذه الخطة التي أوردت رغبة الحكومة في لبنان في بسط سـلطتها علـى أراضـيه، مـن خـلال قواتها المـسلّحة الــشرعية، بحيــث لا يكــون هنــاك ســلاح دون موافقــة حكومــة لبنــان ولا ســلطة غــير ســلطة حكومـة لبنـان، كما يرحّـب أيـضاً بالتزامهـا بنـشر قـوة للأمـم المتحـدة مـستكملة ومعـززة مـن حيث العدد والمعدات والولايـة ونطـاق العمليـات. كما أن ثمة مغالطة أخرى تتناول انتشار الجيش الذي كان قد رحّب مجلس الأمن في القرار 1701 بقرار الحكومة نشر 15000 ألف جندي لبناني في جنوب لبنان ما لا يعني ضرورة في المنطقة الحدودية المباشرة. كان التعاون بين القوة الدولية والجيش اللبناني أتاح بعد ما يقارب سنتين أو ثلاث سنوات على بدء تنفيذ القرار اعتماداً أكبر على الجيش اللبناني في مقابل انحسار دور اليونيفيل لولا أن انطلاق الحرب في سوريا أسهم في خلط الأوراق وفرض في محطات متعددة لاحقة تعديلاً لمدى ثقل الجيش اللبناني وعديده في الجنوب، ولو أنه لم يصل مرة إلى 15000 وبقي دون هذا العدد، من الفراغ الرئاسي في 2014 إلى تسلل عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية وصولاً إلى انتفاضة 2019 وأخيراً الاضطرابات التي رافقت الانهيار المالي في البلاد.

بحسب معطيات ديبلوماسية فإن هذه البنود لا تفرض على لبنان بل هي في متن القرار 1701، لكن المقاربة التي يعتمدها البعض تجعل الأمر يبدو استفزازياً ويخدم مطالب لإسرائيل بأن ابتعاد الحزب هو من أجل إقامة منطقة عازلة في الجنوب اللبناني. وهذا خطأ يقع فيه الإعلام وسياسيون لاعتبارات متعددة، فيما المقاربة الصحيحة مختلفة من دون أن ينفي ذلك أن ثمة ترتيبات تحتاج إليها المنطقة الحدودية الجنوبية وأن هذه الترتيبات موجودة أو متوافرة كلياً في القرار 1701 من دون الحاجة إلى قرار جديد يرجّح أن يكون بالاعتبارات نفسها.

وهذا منطق ديبلوماسي يدافع عن القرار 1701 وفقاً لجميع المطالبات من رؤساء الديبلوماسيات الذين يتوافدون إلى لبنان به على قاعدة أن القرار يمتلك كل العناصر التي يمكن أن تحيي العمل بوقف العمليات العسكرية ومن ثم الانتقال إلى وقف للنار وحل طويل الأمد وأن السؤال راهناً هو كيف يمكن استخدام القرار من أجل الوصول إلى بدء مراحله.
لكن مراقبين ديبلوماسيين يخشون أن الأمر قد يتطلّب تفاهماً جديداً على غرار تفاهم نيسان 1996 الذي يُعتقد أن “#حزب الله” لا يزال يعمل وفق قواعد الاشتباك الذي تضمّنه، فيما الواقع يثقل على لبنان إن لجهة الربط بين الوضع فيه وإنهاء الحرب على غزة، وإن لجهة قدرته على الصمود فيما ينخره سرطان مخيف. فكل المطالبات بتنفيذ القرار 1701 تراوح مكانها ولا قدرة لأحد من مطالبيها على التنفيذ بفرض ذلك قسراً ما يعني حكماً ووفقاً لتكرار “حزب الله” عن ربط لبنان بغزة أن الأمر الذي ينتظر ترتيبات جديدة لغزة فوق الطاولة، فيما الحقيقة والواقع هو انتظار مفاوضات إيرانية أميركية تحت الطاولة فيما لا يبدو الأميركيون على استعداد لتقديم أي شيء قبل موعد الانتخابات الرئاسية. وتبعاً لذلك فإن انتظار غزة هو انتظار تشكّل أو تكوين القوى وتوازناتها في المنطقة والتي يُعتقد أن الوضع في الجنوب سيرتبط بها كذلك، ومن هنا الخشية من تفاهم جديد يعيد التذكير بتفاهم نيسان، علماً بأن وضع لبنان آنذاك وفيما كان تحت الوصاية السورية كان أفضل ليس لأنه كان تحت هذه الوصاية بل لأنه كان هناك شبه دولة وكانت سوريا شريكة في التفاهم، فيما علاقات لبنان الخارجية كانت مثالية ووضعه الاقتصادي أفضل إلى حد كبير وفيما زوار أجانب لبنان يقصدون “حزب الله” وحده راهناً متخطين أركان الدولة شبه القائمة والتي لا تشكل حتى واجهة متكاملة تفادياً لتضييع الوقت وعدم ضرورة الوقوف عند الشكليات. وهذا التفاهم يخشى أنه سيرسو على قواعد بين الممسكين بالأوراق من الجهتين الإسرائيلية واللبنانية، فيما هذه الخشية مصحوبة بقراءة أن إسرائيل العاجزة عن النزول عن الشجرة في ما خص غزة والرافضة التجاوب مع أدنى متطلبات كيان فلسطيني يعد به الخارج من دون قدرة على إرغام إسرائيل على وقف المستوطنات، قد تجد أكثر سهولة تحقيق أمر لها على جبهتها الشمالية مع لبنان.

لا أحد يتحدث راهناً عن تفاهم جديد والإصرار كله ينصبّ على تنفيذ القرار 1701 الذي يقول أركان الدولة إنهم على استعداد لتنفيذه بنحو شامل وكامل مع انسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية، بما في ذلك مزارع شبعا، مع العلم بأن مزارع شبعا تتطلب موافقة إسرائيل وسوريا كذلك ولم تنجح مقاربة الأمين العام للأمم المتحدة في الحصول على موافقتهما قبل عام 2011. ولكن إسرائيل لم تصدر أي تعليق راهناً على كل ما أعلنه لبنان الرسمي في هذا الإطار، على رغم تكثيف مواقفه على هذا الصعيد في الآونة الأخيرة ما يفترض أن يرمي الكرة في ملعبها.

المصدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى