عربي ودولي

التصحّر… خطر وجودي يهدّد إيران!

حتى الأراضي الرطبة في إيران “تتحول إلى مركز للغبار” مع جفاف الخزانات الجوفية، بينما تسعى البلاد إلى تنمية صناعية كثيفة الاستهلاك للمياه

وصلت درجات الحرارة في إيران، إلى مستويات قياسية، تسببت في جفاف أنهار وبحيرات، بينما أضحت فترات الجفاف هي الغالبة على حالة الطقس، ما أثار أزمة مياه مستعصية في البلاد.

وارتفعت مساحات التصحر في إيران بوتيرة مذهلة، حيث حذر مسؤولون الشهر الماضي من أن أكثر من مليون هكتار من أراضي البلاد، أي ما يعادل تقريبا مساحة محافظة قم، أو لبنان، أصبحت غير صالحة للعيش.

وأُجبرت طهران على بحث سبل السيطرة على هذا المشهد المهدد للحياة، في بلد تصل نسبة الأراضي القاحلة أو شبه القاحلة إلى 90 في المئة، بينما تواجه امتعاضا متزايدا من طرف الشعب بسبب سياستها في المجال.

يد النظام
يعترف مسؤولون بأن الوضع الذي بلغته إيران بمثابة دق لناقوس الخطر ينطوي على أزمة وجودية ونزوح جماعي للمدنيين، وفق ما نقل موقع إذاعة أوروبا الحرة .

وبلغت درجات الحرارة في جنوب غرب إيران، هذا الشهر، نحو 66.7 درجة مئوية، وهي أعلى مما يمكن أن يتحمله الإنسان.

وحذر علماء إيرانيون من أن مستويات المياه في بحيرة أورميا، المعرضة لخطر الجفاف الشديد، هي الأدنى المسجلة منذ 60 عاما.

ويقال في إيران إن هذا الارتفاع المذهل في درجات الحرارة، سببه تغير المناخ، لكن تقرير الإذاعة يرى غير ذلك.

نقل التقرير عن الخبيرة في علوم البيئة، شيرين حكيم، قولها إن مشكلة إيران تكمن في بناء سدود ضخمة ومشاريع ري كثيفة الاستهلاك للمياه، فهي من ساهمت في جفاف الأنهار وخزانات المياه الجوفية.

واندلعت مشاكل بين طهران ودول مجاورة وحتى احتجاجات داخلية مناهضة للحكومة في المناطق المتضررة بشدة من إيران بسبب شح الموارد المائية.

وساهم تدهور التربة في زيادة الغبار والعواصف الرملية التي ساعدت في جعل تلوث الهواء في إيران من بين الأسوأ في العالم.

نزوح جماعي
قضت سياسة السدود تقريبا على المياه الجوفية بالأراضي الصالحة للزراعة، ومن ثم بالإنتاج الزراعي، مما يهدد سبل العيش ويؤدي إلى الهجرة الداخلية من الريف إلى المناطق الحضرية، والتي بدورها يمكن أن تطلق العنان لمجموعة كبيرة من المشاكل ذات الصلة.

قالت حكيم في الصدد: “بمرور الوقت، يمكن أن يؤدي الضغط المتزايد على المناطق الحضرية بسبب أنماط الهجرة هذه إلى إجهاد البنية التحتية والموارد الطبيعية وخلق تحديات اجتماعية اقتصادية”.

وزاد عدد سكان إيران أكثر من الضعف منذ الثورة الإسلامية عام 1979، حيث ارتفع من حوالي 35 مليونًا إلى ما يقرب من 88 مليونا، مع تركز حوالي 70 بالمائة من السكان في المدن.

تقول حكيم تعليقا على ذلك إن “طهران وحدها شهدت تدفقا بمتوسط ربع مليون شخص سنويا على مدار العقدين الماضيين”.

التحدي الأكثر إلحاحا
لكن، ونظرا لأن ندرة المياه والتصحر يجعل المزيد يرحلون من الأراضي غير الصالحة للعيش، فهناك مخاوف من أن شريحة كبيرة من السكان قد لا يكون لديها في نهاية المطاف خيار سوى الفرار من البلاد بالكامل في مواجهة ما يمكن القول إنه التحدي السياسي الأكثر إلحاحا الذي تواجهه إيران.

في عام 2015، توقع عيسى كالانتاري، وزير الزراعة السابق، أنه ما لم تغير إيران نهجها بشأن استخدام المياه، فإن “ما يقرب من 50 مليون شخص، أي 70 بالمائة من الإيرانيين، لن يكون لديهم خيار سوى مغادرة البلاد”.

وفي يوليو 2018، الذي شهد احتجاجات عنيفة على نقص المياه في مدينة خرمشهر الجنوبية الغربية، حيث واجهت البلاد صيفا هو الأكثر قسوة منذ 50 عاما، وصف وزير الداخلية آنذاك، عبد الرضا رحماني فضلي، وضع المياه بأنه “أزمة اجتماعية ضخمة”.

وقال فضلي وقتها، إن ندرة المياه يمكن أن تغذي الهجرة وتغير وجه إيران بشكل كبير في غضون خمس سنوات، مما يؤدي في النهاية إلى “كارثة”.

ورغم انقضاء هذا “الموعد النهائي” إلا أن “التوقعات الرهيبة والسياسات الفاشلة مستمرة” وفق تعبير الإذاعة الأوروبية.

وتم تصنيف إيران من قبل معهد الموارد العالمية كواحدة من أكثر الدول التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم، استنادًا إلى التأثير على القطاعات الزراعية والصناعية في البلدان، وقد تم إدراجها بين البلدان التي قد تؤدي فيها ندرة المياه إلى صراع.

وأصبح هذا الاحتمال حقيقة واقعة، في وقت سابق من هذا العام عندما انخرطت إيران وأفغانستان في قصف مميت عبر الحدود.

وجاءت الاشتباكات بعد أن طالبت طهران جارتها بالإفراج عن المزيد من مياه منبع مشترك لتغذية الأراضي الرطبة في جنوب شرق إيران.

تهديد داخلي
داخليا، من المرجح أن يتسبب هذا التهديد بتجدد الاحتجاجات المناهضة للحكومة على نقص المياه العذبة مثل تلك التي شوهدت في مقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية، في عام 2021، ويلقي الضوء على التحدي القادم للنظام الإيراني.

وقدّر وحيد جعفريان، مدير عام شؤون الصحراء في منظمة الموارد الطبيعية الإيرانية، أن البلاد تخسر مليون هكتار سنويا بسبب التصحر.

وحذر في 19 يوليو، من أنه حتى الأراضي الرطبة في إيران “تتحول إلى مركز للغبار” مع جفاف الخزانات الجوفية، بينما تسعى البلاد إلى تنمية صناعية كثيفة الاستهلاك للمياه.

وكان عيسى كالانتاري، الذي أكد العام الماضي أن مصير النظام الإيراني قيد يكون مرهونا بترميم بحيرة أورميا، عاد ليقول في مايو، إن جفاف ما كانت ذات يوم أكبر بحيرة في الشرق الأوسط “قد يؤدي إلى نزوح ما يصل إلى 4 ملايين شخص”

حل في الأفق؟
أطلقت إيران مبادرات مختلفة لمكافحة التصحر، قالت حكيم، إنها تشمل إدارة موجات الغبار والعواصف الرملية، بالتنسيق مع دول المنطقة، وتقنين الاستغلال المفرط لمخزون المياه، وتحسين التنسيق بين مختلف هيئاتها البيئية، لكن هذه الجهود لا تكفي.

وإيران من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وتشارك في جهود منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة لتقليل آثار العواصف الرملية والترابية، وقد حاولت معالجة المخاوف البيئية في خطة التنمية الخماسية.

لكن حكيم ترى أن مثل هذه الإجراءات “طغت عليها إلى حد كبير عواقب سوء الإدارة البيئية والفساد المزمن”.

وأشارت إلى استمرار مشاريع البنية التحتية الهيدروليكية غير المدروسة، والاستغلال المفرط لموارد المياه الجوفية التي تفاقم أزمة المياه في إيران “من المرجح أن تساهم هذه الممارسات في زيادة تهديدات التصحر، دون تحسينات جوهرية في كيفية إدارة البلاد للمياه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى