مقالات

للّبنانيين حصّة في الإنتخابات اليونانية: ترشيحاً وموقفاً

لا يُعرف عن الحضور اللبناني والعربي في اليونان أنّه منظَّم ومستقِرّ، بل كان في أغلب مراحله التاريخية المتعاقبة، ظرفياً وأشبه بحالة العبور بين الشرق وأوروبا ما يجعل تنظيم الجالية في هذا البلد المختلِطِ تاريخه بين الأساطير والصراعات الإقليمية وبين موجات التأثير العالمية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ضرورياً، غير أنّه بعد حوالى خمسين عاماً من الوجود في هذا البلد سجّل العرب قفزة نوعية هامة في عملية المشاركة والاندماج في الحياة السياسية تمثّلت في إطلاق «المبادرة العربية» لخوض الانتخابات العامة إلى جانب حزب «ميرا 25» والذي يمثله اللبناني شادي الأيوبي، منسق المبادرة والمرشح للمقعد النيابي عن منطقة وسط أثينا.

أول وجود جماعي للجالية العربية في اليونان كان في سبعينات القرن الماضي، وكان عبارة عن مجموعات طلابية من بلاد عربية مختلفة انخرطت في عمل طلابي وسياسي وأسست اتحادات طلابية كان معظمها مدعوماً من أنظمة عربية.

وكان الوجود العربي الرسمي واضحاً في تلك المدة، فكان هناك مكتب لجامعة الدول العربية وآخر للمقاطعة كان لا يتساهل في أي تعامل تجاري بين اليونان والكيان الإسرائيلي. وكان هذا الوجود الرسمي لا يخلو من مناكفات ومكائد مؤسفة بين ممثلي الأنظمة العربية كانت تقلل أهميته وتأثيره.

وكان ممثلو الطلاب على علاقة وطيدة بسياسيي تلك الحقبة مثل أندرياس باباندريو وكبار أعضاء حزب باسوك، كما كانت اليونان على علاقة قوية بأكثر من نظام عربي. هذه العلاقات العربية – اليونانية تراجعت في حقبة التسعينات مع فوز حكومة يمين الوسط برئاسة قسطنطين ميتسوتاكيس الذي اعترف بالكيان بشكل رسمي، ثم مع عودة باسوك إلى الحكم برئاسة كوستاس سيميتيس الذي عُرف عنه أنه أدار ظهره للعالم العربي بشكل واضح، واهتم حصراً بإدماج اليونان في المؤسسات الأوروبية.

ومع تراجع العلاقات الرسمية بين اليونان والعالم العربي، تراجعت مكانة الجالية العربية داخل اليونان مع الأحزاب السياسية والمجتمع اليوناني، حتى أصبحت من أقل الجاليات تأثيراً وحضوراً في اليونان. أمّا الحضور اللبناني في اليونان فبدأ مع اندلاع الحرب الأهلية وتتحدث الأرقام عن وجود قرابة الثلاثين ألف يوناني من أصول لبنانية.

الإنتخابات العامة والدور العربي فيها

وفق أبناء الجالية، فإنّ الوجود العربي واللبناني في اليونان وجود فاعل ويحظى بالتقدير رغم أنّه حديث ولا يتجاوز الخمسين عاماً، لذلك يرون أنه حان الوقت لمشاركة الجالية العربية في المجالين الاجتماعي والسياسي بشكل منظم وجماعي، ونعتقد أنّ فرص النجاح جيّدة وتستحق خوض التجربة.

بنظرهم، من المؤسف جداً أن تكون جالية بهذا العدد الكبير وما تضمّه من كفاءات وشخصيات لها حضورها العلمي والمهني الكبير، بهذا القدر من الضعف والغياب عن الساحة العامة، فكان لا بد من محاولة تغيير هذا الواقع لأنّ الاستمرار في نهج العزلة والسلبية لن يؤدي إلّا إلى المزيد من التردي والتراجع والتشرذم للجالية، فالتحرك في الميدانين الاجتماعي والسياسي يشكل ضرورة لا بدّ منها وهي حركة إنقاذ لنا ولأبنائنا في هذا البلد.

ويرون أنّ اللبنانيين والعرب ليسوا أقلّ كفاءة من غيرهم من الجاليات التي نجحت في إقامة مؤسسات تربوية واجتماعية جيدة، بل يمكننا تحسين وضعنا بالصبر واتباع سياسة النفس الطويل.

دواعي المشاركة الجماعية

عن دواعي المشاركة الجماعية في الانتخابات المقبلة وفي الحياة السياسية عموماً، قال شادي الأيوبي، منسق المبادرة العربية والمرشح للمقعد النيابي عن منطقة وسط أثينا، إن المشاركة السياسية والاجتماعية هي السبيل الوحيد لتحقيق أهداف مصيرية للجالية، مثل إنشاء مدرسة ومقبرة للجالية في أثينا، وهي الطريقة الوحيدة ليكون للجالية رأي في القضايا التي تخصها بشكل مباشر، فيما لا يؤخذ منها رأي فيها بأي شكل.

أضاف: إنه لا بد للجالية العربية من التحرك في المجالين الاجتماعي والسياسي لحماية نفسها من سياسات الحكومة اليمينية التي أصبحت أقرب إلى الحكومات الشمولية في التعدي على حقوق الإنسان، لا سيما الأجانب منهم، كما أن خطر عودة الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى الساحة السياسية ودخولها إلى البرلمان ما زال موجوداً بقوة، وهناك توقعات بمشاركة هذه الأحزاب في الانتخابات المقبلة.

وقال إن المشاركة ستكون بداية للفت نظر الأحزاب السياسية اليونانية إلى قوة الجالية الانتخابية وحضورها الاجتماعي، وهذا يشكل عامل قوة وجذب للقوى السياسية الصديقة أو المحايدة، وعامل ردع في الوقت نفسه للأحزاب المعادية للأجانب والمسلمين.

تحالفات المبادرة العربية

إختارت المبادرة العربية أن تتحالف في الانتخابات المقبلة مع حزب «ميرا 25»، وهو حزب يساري أسسه وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس وبعض رفاقه قبل سنوات قليلة، وله اليوم ستة نواب في البرلمان اليوناني. يتبنى الحزب طروحات حماية الطبقات الفقيرة من سياسات الخصخصة وفرض المزيد من الضرائب.

وكان رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس قد أشار إلى تاريخ 21 أيار المقبل كموعد للانتخابات.

لماذا حزب «ميرا 25» بالذات؟

يوضح الأيوبي أنّ لحزب «ميرا 25» مواقف جيدة من قضايانا العربية مثل القضية الفلسطينية، كما أنّ له موقفاً معتدلاً من الإسلام والحضارة الإسلامية، ويُعتبر أحد التشكيلات السياسية الصغرى التي دخلت للمرة الأولى إلى البرلمان اليوناني، وهو، بالتالي، بحاجة كبرى إلى أصوات تدعمه لضمان دخوله إلى البرلمان مجددا. أي أنّ حاجته إلى أصوات الجالية العربية – أو أي جالية أخرى – كبيرة وواضحة، كما أنّ الحزب لا يزال بعيدًا عن البيروقراطية الموجودة لدى الأحزاب الكبرى تجاه الأجانب، والتي تجعلها تشعر أنها لا تحتاج أصواتهم ودعمهم.

وتابع: «إننا نطمح إلى تنشيط الجالية العربية في مجال الاندماج الاجتماعي والتفاعل السياسي عبر سلسلة من نشاطات التوعية في المجالات السياسية والاجتماعية والتاريخية اليونانية، وإلى مساعدة الجالية في المجال الاجتماعي من خلال تشكيل جهاز بسيط للمساعدة في حلّ مشكلات أبناء الجالية مثل الأوراق والحالات الصحية الخطيرة وغيرها، وإلى تدعيم حضور الجالية في المجال اليوناني العام».

في المقابل، سنسعى إلى دعم الحزب في الانتخابات المحلية والأوروبية بأصوات الجالية العربية، وإلى مشاركة أبناء الجالية في فعاليات الحزب الجماهيرية والنخبوية، مع التركيز على فكرة التعاون معه على مستوى اليونان بأكملها، لا أثينا وحدها، حسب الأيوبي.

واختتم قائلاً إن «دخول الجالية العربية الميدان السياسي إلى جانب حزب «ميرا 25» سيكون بمثابة دم جديد في السياسة اليونانية عموماً وسياسة الحزب خصوصاً».

المصدر
نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى