نشرت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية مقال رأي للكاتب تشارلز ليستر تحدث فيه عن التهديد المستمر الذي يشكله المقاتلون السابقون لتنظيم “داعش” وعائلاتهم رغم هزيمته الميدانية قبل 4 سنوات.
وقال الكاتب، في مقاله إنه عندما سقط آخر معاقل التنظيم قبل 4 سنوات في شرق سوريا، تنفس العالم الصعداء. ولسنوات، مثّل تنظيم “داعش” هاجسًا مرعبًا على الصعيد الدولي مستخدمًا الدعاية المتطرفة لتجنيد ما يصل إلى 50 ألف مقاتل أجنبي من عشرات الدول. وعندما قادت الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا لمواجهته، أطلق تنظيم “داعش” حملة عالمية من الهجمات الإرهابية الانتقامية التي غيرت الأمن الدولي.
وذكر الكاتب أنه في السنوات التي تلت هزيمة التنظيم الميدانية، بقيت قوة صغيرة قوامها 900 جندي أميركي في شمال شرق سوريا لتقويض تمرد تنظيم “داعش”، جنباً إلى جنب مع الشريك المحلي “قوات سوريا الديمقراطية”. وكان الدور الذي اضطلعت به القوات الأميركية حيوياً، ناهيك عن دعمها العسكري لعمليات “قوات سوريا الديمقراطية”، لمنع التنظيم من إعادة توحيد صفوفه مرة أخرى.
وتمثل دور هذه القوات في إدارة شبكة مراقبة جوية واسعة النطاق والتنسيق بين أكثر من 100 ألف مقاتل من “قوات سوريا الديمقراطية” وتسهيل عمليات تقديم المساعدة المدنية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وبينما كان الهدف من وجود القوات الأميركية محاربة تنظيم “داعش”، فقد كان التهديد المستمر للمجموعات المدعومة من قبل إيران جلياً في المنطقة. ورغم التحديات التي تفرضها بعض الدول المعادية، فإن القتال ضد تنظيم “داعش” لا يزال يمثل أولوية قصوى. ومنذ أواخر سنة 2019، قُتل ثلاثة قادة من تنظيم “داعش” على الأراضي السورية، إلى جانب العشرات من القادة رفيعي ومتوسطي المستوى.
وأكد الكاتب أن تنظيم “داعش” يملك ميزة تتمثل في بقايا “دولته” من رعاياه السابقين. ففي الأيام الأخيرة من المعركة المصيرية لتنظيم “داعش” في الباغوز في آذار2019، اُلقي القبض على عدد مهول من مقاتلي تنظيم “داعش” وأفراد عائلاتهم. واليوم، يقبع أكثر من 10 آلاف من مقاتليه المتمرسين في القتال في 26 سجنًا مؤقتًا لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، ويقيم 54 ألف امرأة وطفل في معسكرات مؤمنة.
أزمة المعتقلين
أشار الكاتب إلى أن أزمة المعتقلين تمثل تحدياً إنسانياً وأمنياً لم نواجه مثله من قبل، ناهيك عن أنه يفرض تهديدات أمنية عميقة ويولّد شعوراً حقيقياً بالخطر الذي يلوح في الأفق. ويبلغ عدد مقاتلي تنظيم “داعش” حوالي 10 آلاف وهو عدد من شأنه أن يملأ 13 سجنا من أمثال سجن غوانتانامو. وفي شمال شرق سوريا، هناك ما يقارب الـ65 ألف مقاتل من 55 دولة على الأقل، محتجزين في سجون مؤقتة ومعسكرات شاسعة، وسط الصراع الأهلي المستمر وتمرد تنظيم “داعش”.
ونبّه الكاتب إلى أنه من الصعب التقليل من أهمية التحدي الضخم لمقاتلي تنظيم “داعش” في السجون – بوجود حوالي 10 آلاف في سوريا و20 ألف في العراق المجاور. ويقيم حاليًا ما لا يقل عن 5 آلاف من أخطر مقاتلي التنظيم وأكثرهم تطرفًا في سجن غويران في الحسكة شمال شرق سوريا – الذي هو عبارة عن مدرسة سابقة – تديره “قوات سوريا الديمقراطية”. وقد أحبطت “قوات سوريا الديمقراطية” عملية هروب من السجن تمت بتنسيق من زعيم عراقي في الداخل وعناصر في الخارج من تنظيم “داعش”.
وأضاف الكاتب أن الهروب من السجون يعد جزءاً من الحمض النووي لتنظيم “داعش” وكان مفتاح ظهوره في سنة 2014. وفي كانون الثاني 2022، شن تنظيم “داعش” هجوماً واسعاً على سجن غويران حيث اصطدمت العديد من المركبات المفخخة بالجدران الخارجية، ثم قاد عناصر التنظيم شاحنات مليئة بالأسلحة إلى داخل المنشأة لتسليح السجناء. ونُسق الهجوم من قبل عدد من السجناء وعناصر تنظيم “داعش” في الخارج. وفي نهاية المطاف، ولّد الحادث معركة استمرت 10 أيام شاركت فيها القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية وخلفت أكثر من 500 قتيل.
وأشار الكاتب إلى أن تنظيم “داعش” لا يسعى لتحرير مقاتليه فحسب بل إنه مصمم أيضاً على تحرير 50 ألف امرأة وطفل محتجزين في مخيم الهول على بعد 40 كيلومتراً. كذلك، فقد أُحبطت العديد من مؤامرات تنظيم “داعش” الرئيسية لمهاجمة مخيم الهول في الأشهر الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أن وجود أكثر من 25 ألف طفل في الهول هو مهزلة إنسانية وبمثابة قنبلة موقوتة. ففي أيلول، أكملت “قوات سوريا الديمقراطية” عملية تطهير استمرت أسابيع في الهول أسفرت عن أسر 300 من عناصر تنظيم “داعش” كانوا يعيشون بين النساء والأطفال وكان بحوزتهم أسلحة ومتفجرات.
وكشفت تلك العملية وجود العديد من “مدارس تنظيم “داعش”، إلى جانب صور وفيديوهات تظهر أطفالًا صغارًا يتعلمون أيديولوجية تنظيم “داعش”. وكانت الأدلة التي عُثر عليها داخل المخيم مشابهة لتلك التي أنشأتها الجماعات الدعائية للتنظيم في ذروة قوته. وبالنسبة للقيادة المركزية الأميركية، هذا هو “الجيل القادم” لتنظيم “داعش”.
ويرى الكاتب أن الحل الوحيد لأزمة المحتجزين هو إعادة الرجال والنساء والأطفال إلى بلدانهم الأصلية للمحاكمة أو إعادة التأهيل وإعادة الإدماج. ومن الناحية اللوجيستية، تعتبر هذه المهمة صعبةً ذلك أن الغالبية العظمى من النساء والأطفال البالغ عددهم حوالي 50 ألفا هم من العراق وسوريا. وإذا ظل الوضع على ما هو عليه، فسوف تستغرق عملية إعادة النساء والأطفال وحدهم 30 سنة على الأقل. لكن حتى ذلك الوقت، فمن شبه المؤكد أن القوات الأميركية ستكون قد انسحبت من سوريا بسبب الضغوط المتزايدة التي تتعرض على المستوى المحلي لفك الارتباط بالصراعات التي تدور رحاها في المنطقة.
وفي الختام، أشار الكاتب إلى أن الفشل في التعامل مع أزمة المعتقلين سيكون بمثابة سيناريو مثالي لعودة تنظيم “داعش”. وتعد هذه أولوية للولايات المتحدة، حيث تعقد وزارة الخارجية حالياً مجموعة عمل مشتركة بين الوكالات المخصصة لهذه القضية. ولكن من المؤكد أن هذه الجهود لن تكون كافية، وسيكون من الضروري حشد جهد دبلوماسي دولي كبير لرفع مستوى الاستجابة لهذا التحدي إلى المستوى المطلوب.
