محلي

الاندفاعة إلى دمشق: “حسابات” مؤثرة على رئاستي الجمهورية والحكومة؟

هل يمكن لأثر الزلزال المدمّر أن يؤدي إلى بعض المتغيرات السياسية بما يخص سوريا، أو على خط العلاقات اللبنانية السورية؟ ثمة ضغوط كثيرة تمارس في هذا المجال، كان أبرزها الضغط الذي مارسه حزب الله على الحكومة اللبنانية، لإرسال وفد إلى دمشق ولقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد.
تأتي هذه الخطوة مع تكثيف الحملة التي يشنها النظام السوري وحلفاؤه من أجل رفع عقوبات قانون قيصر، وكسر الحصار لوصول المساعدات. علماً أن الدول المعنية أكدت أن المساعدات الإغاثية والإنسانية غير مشمولة أصلاً بقانون قيصر. فالهدف من الحملة هو تحقيق خرق أساسي في العلاقات مع النظام السوري، وهو ما لن يتوقف عند هذه النقطة فقط.

الاستثمار بالكوارث
أصوات كثيرة ستصدر للمطالبة في إعادة دمشق إلى الجامعة العربية. وآخرون سيقارنون حجم المساعدات التي حصلت عليها تركيا مقابل غياب المساعدات الجدية حتى الآن عن الشعب السوري، بصرف النظر عن النظام أو المعارضة. وكما هو الحال بالنسبة إلى أي ملف أو كارثة انسانية، ثمة من يأتي لاستثمارها سياسياً. وبتوصيف واقعي، يبقى النظام السوري أحد أفضل من يجيد مثل هذه الاستثمارات. كما يشهد اللبنانيون على تجربة مماثلة من قبل الطبقة السياسية بعد تفجير مرفأ بيروت، لإعادة تعويم نفسها والرهان على المساعدات، وصولاً إلى كلام أطلقه رئيس الجمهورية حينها، ميشال عون، متفاخراً بأن الحصار على لبنان قد كسر بفعل تدفق المساعدات وزيارات المسؤولين الدوليين التضامنية.

ولكن تبقى مشكلة السوريين أبعد وأعمق من السياسة وخلافاتها وانقساماتها. فالزلزال المدمّر لا يميز سياسياً، بخلاف كل الحسابات والشروط والضغوط التي تمارس، لمنح المساعدات لمناطق وحجبها عن مناطق أخرى.

التطبيع مع دمشق
في السياسة، كل شيء مباح. ولذلك هناك من يربط جملة تطورات تشهدها المنطقة ويمكن أن يبنى عليها. فبالنظر إلى حصول بعض التقدم في المفاوضات السعودية الإيرانية حول ملف اليمن، والحديث عن اجتماعات عقدت في سبيل تكريس التسوية السياسية، وفي ظل ترتيب العلاقات مع الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، والتي ترتكز على تهدئة إيرانية لمنع حصول انفجار في العراق، مقابل استمرار بغداد في التقارب مع دول الخليج.. كل هذا ينظر إليه البعض في لبنان ودمشق، على أنه سينعكس حتماً على الساحتين، سواء من خلال اجتماعات تعقد لبحث الأزمة اللبنانية، أو من خلال انفتاح عدد من الدول العربية سياسياً على دمشق، والتي ستتعزز بانفتاح على خطّ المساعدات، والبحث في شروط وآليات وصولها وكيفية توزيعها.

سياسياً أيضاً، لا يمكن إغفال المحاولات الفرنسية السابقة لإعادة وصل العلاقات مع دمشق، وإن لم يكن ذلك يرقى إلى مستوى تجديد العلاقات الرسمية والديبلوماسية. ولكن سابقاً زارت وفود فرنسية الأراضي السورية، وهناك من يعتبر أن جزءاً أساسياً من اهتمام الرئيس الفرنسي بلبنان واستثماراته، وانفتاحه السابق على إيران وحزب الله، يهدف فيما بعد إلى الحصول على استثمارات في سوريا، وفي عملية إعادة إعمارها خصوصاً. من هنا، يتسرب كلام فرنسي جديد حول سعي ماكرون إلى تطبيع العلاقات مع الأسد مجدداً، بالتركيز على أن فرصة وقوع الزلزال قد تكون مناسبة لذلك.

وهنا أيضاً لا بد من الإشارة إلى أن اندفاع ماكرون باتجاه سوريا، ومن بوابة المساعدات قد تعيد له جزءاً من العلاقة المفقودة أو المتوترة مع طهران في الفترة الأخيرة. كما أن أحد عناوين إعادة الصلة، ترتبط بالسعي الفرنسي إلى البحث عن مفقودين أو رهائن فرنسيين، فيكون التواصل حينها مبرراً.

مسار رئاسي وحكومي
في هذا المجال أيضاً، كانت المسارعة اللبنانية إلى تطبيع العلاقات مع النظام في سلّم الأولويات. موافقة رئيس حكومة نجيب ميقاتي -بعد ضغوط- على إرسال وفد وزاري إلى هناك، تحمل وجهاً آخر غير الرضوخ للضغط، وربما يتعلق بقراءة موقف فرنسي معين. بينما هذا المسار قد يفرض تساؤلات حول انعكاس هذه التطورات على مسار انتخابات رئاسة الجمهورية، وتمسك حزب الله بالتحديد بترشيح سليمان فرنجية، وكلام ميقاتي السابق العلني عن تأييده وصول فرنجية إلى الرئاسة. لعلّ هذه الكارثة الطبيعية بتداعياتها السياسية قد تعيد إنتاج سلطة متكاملة بين فرنجية لرئاسة الجمهورية وميقاتي لرئاسة الحكومة. كما أصبح الحال بالنسبة إلى مصير المبادرة الفرنسية ما بعد تفجير مرفأ بيروت.

لن تكون الاندفاعة اللبنانية باتجاه دمشق مقتصرة على تلك الزيارة. ثمة متغيرات قد تطال الشمال السوري أيضاً. فلم يكن استعداد حزب الله الشامل والكامل لإرسال قوافله وهيئته الصحية بالأمر البسيط، إنما الغاية منه الوصول إلى مناطق لم يكن بالإمكان الوصول إليها من قبل. وتحديداً إدلب هذه المرة، بدافع المساعدة. فبما أن النظام سيركز اهتماماته على المناطق التي يسيطر عليها، هناك مناطق خارجة عن سيطرته تعيش دماراً هائلاً، وتعرضت لما يشبه الإبادة من قبل الطبيعة. هي فرصة لدخول النظام إلى تلك المناطق من خلال استغلال مسألة المساعدات وإيصالها وتوزيعها، واستغلال انشغال تركيا بما حلّ بها من أزمات، فلن تكون قادرة على مواكبة أي عملية إغاثية في مناطق الشمال السوري.

المصدر
منير الربيع - المدن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى