مقالات

“المركزيّ” يشتري المليار دولار بـ27 مليوناً.. “يا بلاش”

إذا استفاق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من نومه صباح يوم الإثنين، وقال لنفسه: “أريد أن أجمع 1 مليار دولار من السوق”، فما كلفة حصوله على هذا المليار بالليرات اللبنانية؟
إذا احتسبنا أنّ سعر الصرف الرائج اليوم يبلغ نحو 60 ألف ليرة لبنانية لكلّ دولار (بحسب السعر السائد اليوم تقريباً)، فإنّ المليار دولار توازي نحو 60تريليون ليرة. ولمّا كان المصرف المركزي يعمد منذ مدّة إلى طبع الليرات من أجل شراء الدولارات، فإنّ التكلفة المترتّبة عليه “نظريّاً” هي ثمن طباعة تلك الليرات فقط، بمعزل عن تداعيات ذلك على الاقتصاد، أو الوقت المطلوب لإنجاز تلك العملية.


تشير المعلومات إلى أنّ المصرف المركزي يلجأ إلى شركة Goznak الروسية منذ عام 2013 من أجل طبع الليرات اللبنانية بجميع الفئات الورقية. تقول هذه الشركة على موقعها الرسمي إنّ تكاليف إنتاج الأوراق النقدية عالميّاً تراوح بين 30 و150 يورو لكلّ 1,000 ورقة نقدية، وذلك وفق المواصفات ومعايير الأمان، لكنّ أسعارها (أسعار الشركة) أقلّ من الأسعار العالمية تلك.
يتحفّظ مصرف لبنان عن كشف التكلفة الفعلية أمام الرأي العام، لكنّ خبراء ماليّين ونقديّين مطّلعين على تلك التفاصيل من مصادر المركزي أكّدوا أكثر من مرّة أنّ التكلفة هي فعلاً أقلّ من تلك التكلفة العالمية. يقول بعضهم إنّ تكلفة كلّ 1,000 ورقة نقدية هي بحدود 30 يورو، فيما يذهب بعضهم الآخر إلى القول إنّ التكلفة هي 60 يورو.
إذا اعتمدنا سعراً وسطياً بين الرقمين، فإنّ تكلفة الـ1,000 ورقة نقدية هي بحدود 45 يورو، فتكون تكلفة الورقة الواحدة من فئة الـ100 ألف ليرة الخضراء نحو 0.045 يورو، أي ما يعادل قرابة 0.05 دولار، أو 3000 ليرة لبنانية فقط (بسعر 60 ألفاً). وبذلك تعود طباعة كلّ ورقة من فئة الـ100 ألف ليرة على “المركزي” وخزينة الدولة، بربح يبلغ نحو 97 ألف ليرة، وتسمّى هذه العملية في علم الاقتصاد (Seignorage).
وعليه، فإنّ كلفة جمع مليون دولار من السوق هي نحو 27 ألف دولار، بينما تكلفة المليار دولار هي قرابة 27 مليون دولار فقط! أمّا إذا طبع “المركزي” ورقة المليون ليرة مستقبلاً، فإنّ تكلفة جمع مليون دولار من السوق ستكون 2700 دولار، بينما تكلفة المليار ستكون 2.7 مليون دولار فقط!
غالباً لا يلجأ مصرف لبنان إلى ضخّ هذه الكميّات الكبيرة من الليرات دفعة واحدة. فهو يعرف جيّداً أنّ ضخّها بهذا الشكل العشوائي سيتسبّب بانهيارات كبيرة في سعر الصرف.


“المركزيّ” يحكم حركته بالتوقيت
في المقابل، ما يقوم به “المركزي” هو أنّه يلجأ إلى تلك اللعبة بالتدريج: يدرس التوقيت بعناية من أجل التدخّل عبر كبار الصرّافين، وخصوصاً خلال مناسبات أو فترات محدّدة يعرف أنّها تشهد فائضاً من الدولارات، ومن الأمثلة على ذلك فصل الصيف الذي يعجّ بالمغتربين والسيّاح، أو قبل عيدَيْ الميلاد ورأس السنة. ثمّ يتدخّل في لحظات معيّنة بأسلوب معاكس من أجل جمع بعضٍ ممّا ضخّه من ليرات لبنانية حتى يحافظ على شيء من التوازن، لكنّ كفّة ضخّ الليرات دائماً “طابشة”، وهذا ما تظهره أرقام “المركزي”، التي تشير إلى أنّ زيادة الكتلة النقدية بالليرات هي في نموّ وازدياد مطّرد منذ عام 2019 إلى اليوم.
يعتمد المصرف المركزي هذا الحلّ منذ أن أنشأ منصّة “صيرفة”، وتحديداً يوم أدرك أنّ احتياطاته بلغت “خطّاً أحمرَ” لا يمكنه تخطّيه (هبطت من قرابة 30 ملياراً إلى نحو 10 مليارات دولار خلال 3 سنوات)، ولهذا صار يلجأ إلى السوق، كما هو معروف، من أجل سدّ احتياجاته واحتياجات السلطة من الدولارات، وهو مستمرّ بهذا الأمر ما دامت الإصلاحات لم تبصر النور حتى اللحظة.
هذه الطريقة هي الأسلوب الوحيد الذي يعتمده “المركزي” من أجل شراء الوقت. يشتري الوقت على حساب القدرة الشرائية لرواتب المواطنين، وعلى حساب أموال المودعين في المصارف التي تخسر من قيمتها يوماً بعد يوم.

يشتريه بأبخس الأثمان. إذ يشتري دولارين بورقة الـ100 ألف ذات الكلفة البالغة 3000 ليرة، وإن أراد بيع هذين الدولارين، فيبيعهما على سعر منصّته “صيرفة” بـ76 ألفاً، فيربح 73 ألفَ ليرة!
يا بلاش… قرّب ع الطيّب!

المصدر
عماد الشدياق- اساس ميديا

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى