محليمقابلات

في ظل غياب المسؤولين وانهيار الدولة… ما هو مصير مؤسسة مياه لبنان الشمالي؟ وكيف سيتم تأمين المياه لأهل الفيحاء؟

في ظل انشغال المسؤولين بالصراع على المناصب والكراسي وتبادل الاتهامات وتجييش الشارع اللبناني وتقسيمه، وفي ظل انشغالهم عمّا يصيب المواطن اللبناني من ذل وقهر وفقدانه للخدمات الأساسية الواحدة تلو الأخرى، ومع انهيار مؤسسات الدولة ومصالحها الواحدة تلو الأخرى إن بسبب الفساد أو الإهمال أو عدم القدرة على مواجهة الإنهيار الاقتصادي الذي يتغلغل في مرافق القطاعين العام والخاص، تنهار المؤسسات تباعاُ.
وقد برزت إلى الواجهة مؤخراً مؤسسات ومصالح المياه في لبنان التي تقاتل بصعوبة لتستطيع تقديم خدمة المياه للمواطنين، مع ما تواجهه من غياب للتيار الكهربائي بشكل كلي، وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار وارتفاع الأسعار بنسبة 500%، ما شكل فرقاً بين الإنفاق والإيراد في المؤسسات.
وهذا هو حال مؤسسة مياه لبنان الشمالي التي تعاني من الأزمات الواحدة تلو الأخرى، بدءاً من انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وإنقطاع التيار الكهربائي، وصولاً إلى انهيار القدرة الشرائية لرواتب الموظفين، وارتفاع الأعباء المالية على عاتق المؤسسة.

مولود: المؤسسة في حالة مقاومة ونحتاج لكل من المنظمات الدولية والمواطن كي نتمكن من الإستمرار…

ردّاً على سؤال حول واقع مؤسسة مياه لبنان الشمالي في ظل توالي الأزمات التي يشهدها البلد من الثورة والانهيار الاقتصادي والكورونا ومؤخراً الكوليرا، أشار رئيس نقابة مستخدمي وعمال مؤسسة مياه لبنان الشمالي ورئيس قسم الإنتاج النقيب كمال مولود إلى أن “مؤسسة مياه لبنان الشمالي هي مؤسسة إستثمارية خدماتية تعنى بالخدمة المباشرة للمواطن، وبالتالي في ظل أزمة الكورونا فقدت المؤسسة التواصل المباشر مع المواطن وانخفضت الخدمة المباشرة والجباية مع استمرار خدمات الضخ والانتاج، أما فيما يخص الأزمة الاقتصادية فقد كان لها تأثير كبير على المؤسسة، حيث أنه وبعكس ما يظن الناس فالمؤسسة الإستثمارية لا تأخذ أموال من الدولة، وهي مؤسسة لا تبغي الربح بل تقوم على جباية رسوم وتكاليف الخدمة من المواطن لكي تؤمن مصاريفها ومصاريف تقديم الخدمة له، وبالتالي أصبح هنالك فجوة كبيرة بين المداخيل التي تقوم المؤسسة بجبايتها على أساس سعر الصرف الرسمي وبين النفقات على أساس سعر صرف السوق السوداء، وهو ما أوصلنا لأزمة المحروقات التي واجهتنا مؤخرا”ً.
وعن مدى إمكانية الإستمرار بتأمين المياه للمواطنين في ظل الإنهيار الذي تعانيه المؤسسة والهبات المحلية البسيطة التي يتم تقديمها للمؤسسة أوضح مولود أنه “فيما يخص موضوع تأمين الكهرباء لا يمكن الاعتماد على المبادرات الفردية البسيطة حيث أن محطات الضخ التابعة للمؤسسة هي محطات كبيرة جداً وبحاجة لكميات كبيرة من المحروقات، ولذلك فإن الأزمة ظهرت نتيجة الفرق الكبير بين ثمن صفيحة المحروقات في الأرقام التي تضمنتها موازنة العام 2022 حيث كان سعر صفيحة المازوت 300 ألف ليرة وبين السعر الحالي لصفيحة المازوت الذي تخطى 900 ألف ليرة، وهذا ما أدى لحدوث أزمة المحروقات في بداية شهر أيلول وما بعده وأثرت سلباً على الخدمة وعملية ضخ الكميات المطلوبة لطرابلس”.
وأشار مولود إلى أنه: “ومن خلال التحرك والضغط صدر مرسوم باعتبار محطات الضخ ضمن المرافق التي لها الأولوية بالاستفادة من التغذية الكهربائية كمطار بيروت والمرفأ وسجن رومية، وهذا ما ساعد كثيراً في نهاية تشرين الثاني في تأمين جزء من التغذية الكهربائية من المحطات الكهرومائية، وأصبحت المؤسسة قادرة على تحمل المدة التي ينقطع خلالها التيار الكهربائي” معتبراً أن “المبادرات والهبات التي تقدمت بها مشكورةً بعض الهيئات والشخصيات والشركات هي بمثابة جرعة مهدئة وليست بحجم الحاجة الفعلية للمؤسسة والحل الأساسي هو بتأمين التيار الكهربائي للمحطات”.
وحول التدابير المتبعة من قبل المؤسسة لفحص وتعقيم مياه الشفة ومدى سلامة المياه وخلوها من الملوثات في ظل انتشار الكوليرا والإصابات التي يتم التحدث عنها على وسائل الإعلام لفت مولود إلى أن “مياه طرابلس هي مياه معالجة وتخضع للمراقبة والفحص بشكل دوري ومتواصل على مدار الساعة، وهنالك نبعين أساسيين يؤمنان 70% من كمية المياه التي تحتاجها طرابلس، وهما يغذيان مدينة طرابلس ومنطقتي أبي سمراء والقبة، وبالتالي فإن حصول أي خلل بالمعالجة سيؤدي لحصول تلوث في طرابلس وأبي سمراء والقبة”.

أما بما يخص حالات الإصابة بالكوليرا أوضح مولود أن: “هذه الحالات انحصر وجودها في مأوى العجزة في أبي سمراء، وقد تم أخذ عينات من قبل مختبر الجامعة اللبنانية بإدارة الدكتور منذر حمزة وتم إبلاغنا بأن المياه سليمة وخالية من أي تلوث وتبين أن سبب الإصابة هو المأكولات، وحول إصابة 6 أشخاص من نفس العائلة بالكوليرا في منطقة أبي سمراء أيضاً، فإن هذه الإصابات كانت في منطقة “السكة البيضا” وهذه المنطقة لا تستفيد من مياه المؤسسة ولا يوجد شبكات خاصة بمؤسسة مياه لبنان الشمالي فيها، وبالتالي فإن سبب الإصابة كان ناتج عن المأكولات أيضاً”.

وأكد مولود أن: “المياه سليمة وخالية من التلوث وهي تخضع للمراقبة والمعالجة، كما يتم أخذ 25 عينة يومية من كل أنحاء طرابلس بشكل عشوائي من قبل المختبر الخاص بمؤسسة مياه لبنان الشمالي ويتم فحصها للتأكد من نوعية المياه في نقاط التوزيع.
كما انتقد مولود ما يحصل عند الإعلان عن إصابات بالكوليرا، “حيث يتم الإفتراض بأن المياه هي السبب كون المياه هي عنصر أساسي لانتقال الأمراض، ويتم نشر الأخبار والأفتراضات بأن المياه هي مصدر التلوث، وللأسف الشديد أن الجهات التي تقوم بأخذ العينات سواء أكانت وزارة الصحة أو الهيئات الداعمة أو الهيئات الطبية تقوم بالإعلان عن شكوك حول تلوث المياه ولكن عند صدور النتائج بخلو المياه من التلوث، لا تقوم بإعلان هذه النتائج للمواطنين كي يعلم المواطن أن المياه نظيفة وكي يتم نفي ما نشر من أخبار حول تلوث مياه الشفة”.

وحول مستقبل مؤسسة مياه لبنان الشمالي ومدى قدرتها على الاستمرار في ظل التداعيات الاقتصادية الخطيرة التي تحصل والغياب الكلي للدولة عن مساعدة مؤسسات ومصالح المياه في لبنان، أشار مولود أن: “جميع مؤسسات البلد تتجه نحو الانهيار، ومؤسسة مياه لبنان الشمالي هي جزء من هذه المؤسسات، وهي تمر حالياً بمرحلة مقاومة وتحاول جاهدةً كإدارة وموظفين لتخفيف حدة هذا الإنهيار، على أمل أن تتحسن أوضاع الدولة والبلد قبل حصول الإنهيار الكلي وفوات الأوان، فالمؤسسة صورة مصغرة عن حال الدولة، فإن كانت الدولة بخير تكون المؤسسة بخير، وفي ظل عدم وجود حكومة حالياً فالمؤسسة تحاول الاستمرار من خلال استثمار علاقاتها مع المنظمات الدولية لتأمين الكلور ومواد المعالجة ومساعدة المؤسسة على الاستمرار والوقوف في وجه الانهيار”.
وختاماً دعا النقيب كمال مولود المواطنين “لتسديد ما يتوجب عليهم كي تتمكن المؤسسة من تلبية حاجاتهم وتأمين المياه لهم، فما يسدده المواطن من رسوم هو أيضاً جزء من المقاومة التي تحتاجها المؤسسة للاستمرار وتأمين ما يلزم من مواد المعالجة وبعض قطع الغيار أو غيرها من الاحتياجات”.
لافتاً إلى أنه: “في ظل الحديث عن رفع لرسوم المياه والإشتراكات في العام القادم، فإن أي مبالغ ستضاف على الرسوم لن تستطيع تأمين مستلزمات المؤسسة من دون دعم المنظمات الدولية، لأن رسم المؤسسة قديماً كان يعادل 200 دولار أمريكي، وبالتالي لا يمكن تحميل المواطن هذا المبلغ حالياً أو ما يعادل 8 ملايين ليرة لبنانية كرسوم للمياه فقط دون أن نذكر ما يقع على كاهل المواطن حالياً من رسوم أخرى ليتمكن من العيش وإن بأدنى مقومات العيش في ظل هذا الوضع الصعب الذي يعاني منه”.
من خلال ما تقدم يظهر جلياً عمق الأزمة التي تعاني منها مؤسسة مياه لبنان الشمالي كمثال مصغر عن حال وواقع مصالح المياه في لبنان بشكل خاص ومؤسسات الدولة بشكل عام، فإلى متى تستطيع المؤسسة الإستمرار في ظل هذا الغياب الكلي للوزارات المعنية والدولة؟ وهل سيستيقظ سياسيو هذا البلد ويعملوا على إنقاذ ما تبقى؟ أم أنه لا حياة لمن تنادي والانهيار الكلي هو ما ينتظر الدولة ومؤسساتها؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذه الأسئلة.

المصدر
خاص - قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى