محلي

“التربية المدنية: إشكاليات وجودها في المناهج اللبنانية ودورها في التنشئة المواطنية”

عقدت ورشة تفكير ونقاش، بعنوان “التربية المدنية: إشكاليات وجودها في المناهج اللبنانية ودورها في التنشئة المواطنية”، استكمالا للورشة، التي عقدها “مركز تموز للدراسات والتكوين على المواطنية”، بالشراكة مع مؤسسة Hanns Seidel الألمانية، حول “إشكالية كتابة تاريخ موحد للبنان” (22 و23 تموز 2022)، على مدى يومين، وذلك في قاعة المحاضرات 1188، جبيل.

وقد تميزت الورشة بحضور المسؤول الاقليمي لمؤسسة “هانس زايدل” السيد كريستوف دو فارتس ومسؤولة البرامج في الأردن ولبنان وسوريا السيدة علا الشريدة، مع مشاركة واسعة لطلبة جامعيين، أتوا من عكار وطرابلس والجنوب، ومهتمين.

أستهلت الورشة بالجلسة الافتتاحية، وقد مهد لها وأدارها د. مصطفى الحلوة، وكانت كلمة لرئيس “مركز تموز” الدكتور أدونيس العكره، شكر فيها مؤسسة “هانس زايدل”، بشخص السيد دو فارتس، لإقامة هذه الورشة من خارج أجندة “المركز” السنوية.

ثم كانت كلمة السيد دو فارتس، انطلق فيها من موضوع الورشة، مستعرضا التجربة الألمانية النموذجية، في مجال التنشئة المدنية والتربية على المواطنية، ومتوقفا عند سائر الأطر، التي تسهم في تعزيز الحضور المواطني في ألمانيا. وأعقب ذلك كلمة منسق أعمال الورشة د. نمر فريحة، تطرق فيها إلى الأسباب الموجبة لعقدها، مع استعراض ما تضمنته جلساتها، بمداخلاتها التسع، التي ستجيب عن الإشكاليات المطروحة.

وعناوين هذه الجلسات، هي الآتية: نظرة تاريخية نقدية، التربية المدنية والمواطنية، مرجعية التدريس بين المدرسة والمجتمع، التربية المدنية في التثقيف السياسي والقانوني، نظرة إلى المناهج ومضمونها، فلسفة التربية المدنية من وجهة نظر مواطنية. وقد ساد أجواء الجلسات، بمداخلاتها التسع، نقاش معمق وحوار تفاعلي.

التوصيات

وفي نهاية الورشة، صدرت التوصيات الآتية:
1-  بعد مضي نيف وربع قرن على التعديلات الأخيرة، التي طالت منهج التربية الوطنية والتنشئة المدنية (1996-2022)، وإذ لم يتم إلتزام ما دعت إليه المناهج بعامة، لجهة إعادة النظر فيها وبالكتاب المدرسي، فإنه من الأهمية بمكان تعديل مادة التربية الوطنية، على ضوء التطور الدراماتيكي الذي تشهده البشرية راهنا، مع ما يطرحه هذا التطور من قضايا جديدة ومستجدة.
2-  في إطار عملية تطوير المنهج والكتاب المدرسي، كما الأنشطة المواكبة، ينبغي أن تقدم المادة، في لبوس مختلف عن المعتاد والسمة التقليدية، فتتضمن قضايا حية، لصيقة بالمجتمع اللبناني وهمومه، وتطرح موضوعات، يشكل محتواها إشكاليات، يقوم المتعلمون بمعالجتها وابتداع حلول لها.
3-  ينبغي أن تضم المادة قضايا وأحداثا معاصرة، باتت من إهتمام الجيل الجديد، تخاطب تطلعاتهم وتأخذ في الاعتبار مخاوفهم والهواجس. ناهيك عما تأتي به ثورة الاتصالات الكاسحة وما يتم إنجازه في مختلف حقول التكنولوجيا وتطبيقاتها.
4- استكمالا، يجب أن تلحظ المادة تجارب عاشها لبنانيون، داخل لبنان وخارجه (في بلاد الانتشار)، تجسد قصص نجاح شخصية، (قصة نجاح كارلوس سليم، على سبيل المثال لا الحصر)، بما يشجع على محاكاتها وترسم خطى أصحابها.
5- في مجال تعزيز التنشئة المدنية، لدى المتعلم، ينبغي جعل جميع مواد التدريس منافذ إليها: فمن خلال اللغات والتاريخ والجغرافيا، تكون إطلالة على منظومة القيم والثقافة وعلى الإطار الجغرافي للوطن وبعده التاريخي. ومن خلال الرياضيات والعلوم الاختبارية وعلوم الحياة والأرض ثمة الإفادة من مهارات مرتبطة بالتفكير العلمي والحس النقدي والتجريبي. وعن طريق الرياضة والعمل الاجتماعي والخدمي، يكون الانخراط الفعلي في العمل الفريقي والمجال العام. وعبر الفلسفة يكون اكتساب للتفكير المنطقي وتعزيز البعد الفكري الشمولي لدى المتعلم.
6- إذا كان الحكم، في تقويم المادة، يرتكز، فيما يرتكز، على مفاعيل النصوص في تفكير ومواقف المتعلمين، وليس العلامة التي يحصلونها في الامتحانات، فإن ذلك يفرض مسؤولية مضاعفة على لجان تأليف الكتب العائدة للمادة، كما على المرجعيات التربوية، لاسيما “المركز التربوي”.
7- في عملية تدريس المادة، ينبغي ألا تطغى التطبيقات على مضمونها، إذ يخشى أن يضعف الإكثار من هذه التطبيقات، على أهميتها، من المعرفة الصلبة للمضمون.
8- في إطار التعليم العابر للمواد الدراسية- كما فصلنا آنفا- يجب تحويل المدرسة إلى مكان رحب للتربية الديمقراطية، أي دمقرطة المدرسة، إذا جاز التعبير!
9- قد يكون من الأفضل والأجدى، أن يرتكز تدريس مادة التربية المدنية على المفاهيم وليس الموضوعات، وأن تتسم الدراسة بسمة تكوينية.
10- إدخال الثقافة القانونية والأفهمة (أي بناء المفاهيم) إلى المدرسة، بحيث تكون دراسة حالات من المعيش اليومي، بما يبتعد بالمادة عن كونها مجرد معلومات، فيضفي عليها حيوية.
11- محو الأمية القانونية وأنسنة النص القانوني، مع معرفة كيفية تقديم الكفايات العائدة للمادة، بالشكل المناسب والفاعل.
12- في إجابة عن سؤال: لماذا لم تفض مادة التنشئة المدنية إلى النتائج المرجوة، يجب التركيز على المسائل/المعوقات التي تلي، بحيث تكون معالجة لها، في المقام الأول: اليات اشتغال النظام السياسي غير المتطابقة مع الإطار الدستوري ولا مع القيم التي بني عليها الدستور/صلابة الإعداد القبلي عند التلامذة (تأثيرات النشأة العائلية، والمؤثرات الدينية، والعادات والتقاليد المتوارثة..الخ)/ضعف التكوين الأكاديمي والتربوي والديداكتيكي لدى معلمي المادة، والجسم التعليمي بعامة.
13- لتدريس المادة، لا بد من معلم، متخصص بالقانون أو العلوم السياسية أو علم الاجتماع، مع إخضاعه لدورات تدريب مستمرة، بما يمكنه من تدريس هذه المادة، بشكل مبتكر ومفيد وممتع. علما أن البعد الثقافي، لدى المعلم، يشكل قيمة مضافة.
14- في ظل المشكلات، التي تتعلق بالحياة الأسرية، التي لا يحصرها عد، ينبغي إنشاء “نيابة عامة أسرية”، متخصصة بكل ما له علاقة بالأسرة، وبخاصة لجهة حماية الأولاد القاصرين، في حالات النزاعات الزوجية.
15- في ظل الفوضى المفاهيمية، ينبغي، بما خص المناهج العائدة للمادة، وسائر أدبياتها، توحيد المفاهيم والمصطلحات، فيتم إنجاز دليل مفاهيمي، يتم اعتماده من سائر المشتغلين بالعلوم التربوية، ومن قبل لجان التأليف.
16- في تشكيل لجان التأليف أو إعادة النظر في المادة، يجب أن يكون أعضاؤها من ذوي الكفاءة، ومن دون الانغماس في معادلة التوازنات الطائفية والمذهبية. إلى ذلك، على أعضاء هذه اللجان أن يعقدوا، بداية، حلقات مدارسة(séminaires)، بهدف تنقية الذاكرة وبناء ثقة مشتركة بينهم.
17- بشأن تطوير المناهج وعصرنتها، يجب إعادة الاعتبار إلى ما أنجزته مؤسسة “أديان”، بالتفاهم مع وزارة التربية، وبالتنسيق مع “المركز التربوي”، إذ خلصت في 29 حزيران 2017 إلى الصيغة النهائية لمشروع، ما زال صالحا لاعتماده. إضافة إلى “مشروع خدمة المجتمع في المدارس”، كمرجع تطبيقي، يفتقر إليه المنهج المعمول به راهنا.
18- تقدم د. نمر فريحة بإقتراح إشكالي، يستدعي نقاشا معمقا، مستندا إلى المسار الذي سلكته مادة التنشئة المدنية خلال قرن من الزمن لدينا، خلاصته عدم جعل هذه المادة مادة تقدم فيها الامتحانات المدرسية والحكومية الرسمية، كونها تحولت إلى مادة “حفظ” (تغييب عن ظهر قلب)، على غرار مواد دراسية عدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى