محلي

السياسة المائية الجديدة خطرها على إستثمار المخازن الجوفية اللبنانية

الهيدروجيولوجي

د. سمير زعاطيطي

 

السياسة المائية الجديدة وواقع الثروة المائية في لبنان

السياسة المائية الجديدة

خطرها على إستثمار المخازن الجوفية اللبنانية

  • ملامح السياسة المائية الجديدة بوقف إستثمار المياه الجوفية في لبنان ستكون لها تبعات خطيرة لاسيما على مناطق الجنوب والبقاع الغربي.
  • السياسة الجديدة  تهدف إلى تنفيذ مشاريع سدود صغيرة في بعض المناطق ، يراد منها أن تكون بديلا وحيدا يلغي سياسة حفر الآبار وإستثمار المياه الجوفية في لبنان.
  • البنية الجيولوجية الجبلية والصخور الكربوناتية القاسية والمشققة وذات النفاذية العالية في لبنان غير مناسبة لإنشاء السدود إلا في مناطق محددة ، لأن معظم الأحواض المائية الجبلية هي صغيرة وقليلة المساحة، عدا بالطبع مجرى نهر العاصي، بعض المقاطع من مجرى الليطاني ومجرى الوزاني.
  • مشاريع السدود هذه غير مدروسة جيدا، وهي مكلفة جدا وغير إستثمارية. ولكنها تلقى رواجا عند بعض السياسيين لإعتبارات مناطقية سياسية وإنتخابية ، الدليل على ذلك النتائج  الأولية لسد شبروح.
  • هذه السياسة إذا طبقت لن تحل مشاكل نقص المياه عندنا لأ نه لايمكن عمل سدود في كل لبنان(المناطق البعيدة عن السدود كيف نزودها بالمياه)؟
  • فلسفة السدود العلمية وغايتها هي تأمين مياه ري وكهرباء رخيصة وليس لتخزين مياه للشرب كما يشاع، لأن مياه السدود لايمكن شربها مباشرة وينبغي معالجتها، مما يرتب أكلاف جديدة تضاف الى كلفة الإستملاكات والإنشاءات بحيث تصبح كلفة المتر المكعب عالية جدا.
  • ستؤدي هذه السياسة إذا ما طبقت إلى منع اللبنانيين من الإستفادة الحقيقية من الثروة الكبيرة المتمثلة بمخازن المياه الجوفية المتجددة سنويا والتي ينساب قسم كبير منها خارج الحدود اللبنانية لاسيما  نحو الشمال الفلسطيني.
  • إستثمار المياه الجوفية المتجددة سنويا يظل الحل الأمثل والأقل كلفة كما دلت على ذلك الدراسات الجيولوجية والهيدرولوجية والهيدروجيولوجية (لويس دو برتريه – المرحوم إبراهيم عبد العال – تقرير الأمم المتحدة للتنمية – لبنان دراسة المياه الجوفية – نيويورك –      1970).
  • ·        يقول تقرير الأمم المتحدة إن المخازن الكربوناتية الجبلية العالية  القاسية والمشققة هي ذات قدرة تخزينية عالية  أكبر بكثير من المياه الجارية على السطح.

الحجج المعتمدة للترويج للسياسة المائية الجديدة

تعتمد الدولة في سياستها الحالية على منع حفر الآبار العامة  والخاصة وذلك بحجب الترخيص لها، الترويج لهذه السياسة يتم عبر بعض الحجج التي يوردها حتى بعض السياسيين عن الآبار:

  • كلفتها  العالية (عدا محطات وادي جيلو وآبار فخر الدين، التي لم تكلف شيئأ بالنسبة لسد شبروح مثلا، معظم الآبار المحفورة هي آبار خاصة لم تصرف عليها الدولة قرشا) .
  • كثرة عددها (ليس هناك إحصاء دقيق) لمعرفة العدد الصحيح للآبار المنتجة التي تعمل.
  • نضوب المخزون الجوفي ليست هناك دراسات جديدة عدا التقرير الأزرق ( لبنان ـ دراسة المياه الجوفية) الصادر سنة  1970  في نيويورك عن مشروع الأمم المتحدة للتنمية، الذي قدر معدل الهاطل المطري على الأراضي اللبنانية عدا الثلوج ب 9 مليار متر مكعب   تسقط على 65% من الأراضي ذات النفاذية العالية مما يسمح بتكوين إحتياطيات المياه داخل المخازن الصخرية الكبيرة في لبنان ـ مخازن العصر الطبشوري وعصر الجوراسيك.
  • الأرقام الخيالية التي ترد في التصريحات عن المياه المستثمرة من الآبار (600 مليون متر مكعب ـ لاتوجد هناك أية كيول ولاتوجد عدادات على الآبار فمن أين أتى هذا الرقم؟

الإنعكاسات السلبية للسياسة الجديدة

  • تحد هذه السياسة في حال طبقت مشاريع السدود إلى إستنزاف الخزينة، وسوف تحد من قدرة اللبناني على إستثمار ثروته الطبيعية الوحيدة، يساعدها في ذلك غلاء سعر الكهرباء والمحروقات.
  • لاتعتمد هذه السياسة على دراية بواقع البنية الجيولوجية لبلدنا فهي صخرية كلسية بإمتياز(حوالي 60% من مساحة لبنان تشكل سلسلتي الجبال الغربية والشرقية والجنوب وقسم من سهل البقاع).
  • الدليل على وجود هذا المخزون الكبير في أرضنا وداخل حدودنا، هو عدد الأنهار الكبير في لبنان لاسيما منها العاصي والليطاني والوزاني والينابع الكبيرة التي تستمد مياهها بشكل دائم من هذه المخازن.
  • إن المشاريع الرائدة والناجحة لإستثمار المخزن الكارستي الكريتاسي في جنوب لبنان ، كمشروع آبار وادي جيلو وآبار وادي فخر الدين، قد أعطت نتائج باهرة وثابتة بالرغم من تعاقب عدة سنوات شحيحة الأمطار عرفها لبنان مؤخرا.
  • إستثمار المياه الجوفية المتجددة سنويا هي سياسة واقعية إعتمدتها معظم الدول الأوروبية حديثا بعد التخلي عن سياسة السدود الصغيرة التي أثبتت عدم جدواها وكلفتها العالية، (إستملاك الأراضي – كلفة الإنشاءات – معالجة المياه المعدة للشرب، تدني القدرة الإستيعابية للسدود مع الوقت نتيجة ترسيب الوحول داخلها) مما دفع بفرنسا مثلا الى تدمير 50 سدا صغيرا في السنوات الماضية.
  • واقع الثروة المائية في لبنان
  • تتجدد مياهنا الجوفية وبكميات وافرة نسبيا من تسرب مياه الأمطار ومن الثلوج في المرتفعات والتي تدخل في عمق صخورنا الكربوناتية القاسية والمشققة ( حوالي 60 % من مساحة لبنان)  مشكلة بذلك مخازن جوفية حقيقية كبيرة، ترفد مياهها الجوفية  ينابيعنا وأنهارنا (العاصي الليطاني) بمياهها الدائمة على مدار السنة.
  • تكلم عن هذا المخزون الجوفي الكبير رئيس بعثة الجيولوجيين الفرنسيين أيام الإنتداب الفرنسي السيد لويس دوبرتريه كما تكلم عنها العالم اللبناني المرحوم عبد العال الذي نفذ سدا واحدا (سد القرعون)  من عدة سدود قام بدراسات لها وإقترحها آنذاك هادفا الحصول على الكهرباء ومياه الري الرخيصة (كما هو حال السدود في العالم وليس سدا لمياه الشرب كما تنوي الوزارة حاليا).
  • إن مصادر المياه الجوفية المتجددة سنويا والمكتشفة حديثا في لبنان، موجودة داخل المخازن الصخرية الكربوناتية   تم تقدير حجمها ب 3 مليارات متر مكعب حسب ( التقرير الأزرق – لبنان ـ دراسة المياه الجوفية – الصادر سنة  1970  في نيويورك عن مشروع الأمم المتحدة للتنمية)  والتي إذا لم تستثمر فإن مخزونها الجوفي ينساب الى البحر أو الى دول الجوار.
  • إستثمار هذه المخازن في الجنوب اللبناني قد أثبت نجاحه في سد حاجات عدد كبير من القرى والبلدات، هذه السياسة العملية الواقعية والغير مكلفة يمكن إعتمادها في بقية المناطق.
  • أثرت المشاريع الرائدة في الجنوب كما يبدو على كميات المياه الجوفية المنسابة الى شمال فلسطين المحتلة. (محطات ضخ وادي جيلو وآبار وادي فخر الدين عين الزرقا في البقاع الغربي ـ أشغال وزارة الموارد ومجلس الجنوب) التي إستثمرت بشكل جيد وغير مكلف جزءا من ثروتنا المائية لصالح القرى والبلدات. لذا بدأت برأينا الحملة على سياسة حفر الآبار، حماية لمصادر المياه الجوفية المنسابة نحو فلسطين المحتلة.
  • تصب هذه السياسة مباشرة (عن علم أو عن جهل؟) في خدمة العدو الصهيوني  الذي كان يستفيد ومنذ نشؤ كيانه على أرض فلسطين من إنسياب المياه الجوفية الطبيعي من داخل المخازن الكربوناتية المشتركة بيننا وبينه (صخور العصر الطبشوري ـ عصر الجوراسيك)  من الجليل الأعلى اللبناني وجبل عامل ومرتفعات جبل الشيخ الى الجليل الفلسطيني.

محاولة التطبيع المائي أيام الإحتلال

  • لايخفى على أحد المطامع الصهيونية في ثروتنا المائية وهي سوف تسعى إما مباشرة أو بواسطة المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وبعض الدول الأوروبية المنحازة للكيان الصهيوني على إلزامنا بمشاريع تصب بمجملها في غير مصلحة لبنان.
  • دفع النقص الحاد بمياه الشرب والإستعمال في الشريط الحدودي بالمواطنين أثناء الإحتلال إلى شراء المياه من شركة ماكاروت الإسرائيلية وساعدتهم في ذلك قوات الطوارئ في الشريط الحدودي.
  • المياه السطحية غير متوفرة في شمال فلسطين (مناطق سياحية وصناعية وزراعية بإمتياز)  فليس هناك من ينابيع وأنهار ولايسقط عليها كميات مهمة من الأمطار فما هو مصدر الفائض من المياه التي كانت تبيعنا إيأها؟ هي حتما حسب رأينا نحن الجيولوجيون والهيدروجيولوجيون العاملون في هذا الحقل الآبار المحفورة على نطاق واسع في الشمال الفلسطيني لإستثمار المياه الجوفية المختزنة عندنا والجارية بشكل طبيعي داخل المخزن الصخري الكربوناتي الممتد من الجليل الأعلى اللبناني الى الأسفل الفلسطيني.

صورة مأخوذة عن مجلة  GEO الفرنسية  عدد أيلول 1997 تظهر المخزن الجوفي الكربوناتي الكريتاسي الذي يشكل الجليل الأعلى اللبناني وإمتداده نحو الجليل الفلسطيني.

ما العمل؟

  • تنشيط الدراسات والأبحاث العلمية الجيولوجية والهيدروجيولوجية والهيدرولوجية في الجامعات اللبنانية، إبتداء من أبحاث البعثات الفرنسية القديمة ، أبحاث ومشاريع المرحوم إبراهيم عبد العال حول المياه الجوفية والسدود ، أبحاث برناج الأمم المتحدة للتنمية.
  • ü     إحياء أجهزة الرصد المائي (مشروع الليطاني) الذي كان يقوم بكيول دورية الينابيع والأنهار، الإكثار من عدد المحطات المناخية وقياسات الهاطل المطري في كافة المناطق.
  • إنشاء مجلس أعلى للثروة المائية  من العلماء اللبنانيين والباحثين، لوضع سياسة مائية رشيدة، وذلك بالإعتماد على فهم واضح للبنية الجيولوجية ولطبيعة الإحتياطي المائي المتوفر تنبثق عنها المشاريع الفنية المدروسة علميا لإستثمار ثرواتنا المائية السطحية منها والجوفية على السواء (بمعزل عن السياسيين).
  • تستوفي المشاريع المائية المعدة للتنفيذ  بشكل عام الفائدة الإستثمارية على المدى الطويل والحفاظ على التوازن المائي وعلى البيئة.
  • ü     وقف هذه السياسة الجديدة ومنع وضع القرار بيد من يواكب سياسات مائية مكلفة جدا، غير مفيدة بل ضارة بالبلد وأهله، لمنافع شخصية فئوية أولسياسات محلية مناطقية ضيقة.

Références

[1] (L. Dubertret, géologie du site de Beyrouth, carte géologique au 1 / 200.000e avec notice explicative, Beyrouth, 56 p., 8 fig., 8 pl.1945).

 [2] (L. Dubertret, Carte géologique du Liban au 1 / 50.000e, feuille de Tyr Nabatieh- Nakoura avec notices explicatives. Section géologique, Beyrouth, 1945).

 [3] (P N U D, le Programme des Nations Unies pour le Développement, rapport final intitulé : “Liban étude des eaux souterraines”, NATIONS UNIES, New York. 1970).

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى