أمن وقضاءسياسة

اللواء إبراهيم : التفلّت الأمني محصور ولا جديد بملف المرفأ

أجرى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم جردة عام 2021 على الرغم من الازمات الخانقة التي واجهتها البلاد واللبنانيون، ولا تزل تلقي بأثقالها عليهما. الا انه أكد مجدداً ثقته بالأجهزة الامنية “التي تتحمل كلفة ضمان الامن في لبنان”، لأن اللبنانيين “لا يرغبون في تكرار تجربة الحرب”. وقال إنه “يجهد من اجل تعزيز الصمود الاقتصادي والمالي للعسكريين في مواجهة الازمة، ولن يوفر سبيلا الى هذه الغاية.واكد اللواء ابراهيم في حديث لمجلة “الامن” في العدد 100 شهر كانون الثاني 2022، ان “الضمانة الكبرى هي في الامن والاستقرار السياسي، وهو ما يلجم اي تفلت امني”، لكن ما يخشاه ان ترتفع نبرة الخطاب السياسي ربطا بالاستحقاق النيابي”.

وبعدما لفت الى المساعي المبذولة لتعزيز انتاج الطاقة الكهربائية، توقع انه سيكون لدينا قريبا ما يوفر حوالي 10 ساعات يومية من التغذية الكهربائية. واكد ان الانتخابات النيابية يجب ان تجري في موعدها.

* هل هي مصادفة انه في ذروة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي لدينا استقرار امني واجتماعي، ام انها معادلة تلقي بثقلها وكلفتها على الاجهزة الامنية وخصوصا الامن العام؟– الاثنان معا. اولا الاجهزة الامنية تتحمّل ضغطا غير مسبوق وغير محمول لتثبيت الامن، ولا أستطيع القول انه مكلف ام لا.

فأنا اعتبر في مكان ما ان اللبناني تعلّم من تجاربه السابقة في ان يصل الى حد التفلّت الامني ثم يعود الى الوراء. اللبناني لا يريد ان يعيش مرة اخرى تجربة الحرب الاهلية، والمآسي التي خبرها، ولا يجب عليه التفريط بأمنه لئلا ينعكس عليه.

لهذا السبب تحدث حالات تفلت لكنها تبقى محصورة. فالأجهزة الامنية قادرة على ضبطها. لذلك نعيش الحالتين معاً. الجهد الذي يقوم به الجيش والاجهزة الامنية تلاقي قناعة المواطنين بعدم العودة الى تجارب الماضي الذي لم ينس بعد.

* الى متى يمكن ان تتحمل الاجهزة الامنية هذه الضغوط وما هي حدود قدرتها على لضبط الوضع في ظل الانهيار الحاصل؟

– هذه هي المفارقة. عندما تقول انهار الاقتصاد وتراجعت قيمة الليرة يعني ان اسباب صمود هذا العسكري فقدت. اليس هو من الناس. لهذا السبب فان الاعجوبة ان العسكري ما زال صامدا، ونحن نجهد لضمان ذلك. انا لا اعرف ما يقوم به الزملاء الباقون من قادة الاجهزة الامنية، وما اعرفه انني ابذل جهدا كبيرا لتعزيز صمودهم الاقتصادي والمالي. العسكري ليس مسؤولا عن نفسه وحسب، فله اهل وعائلة واولاد وله حاجاته الاساسية من طعام وحليب واقساط مدرسية وطبابة. التغطية الطبية لم تعد متوافرة كما كانت من قبل، وبات على العسكري ان يغطي الفروقات ما بين التسعيرة الرسمية التي لم تعد تتماشى مع تسعيرة المستشفيات. عدا عن ذلك هناك ضغوط معيشية اخرى فرضت على العسكري، وبالرغم من ذلك فهو يقوم بواجبه. لذلك نشهد على بعض ترددات وتداعيات الوضع الاقتصادي ومنها حالات الانقطاع عن العمل.

* هل من حالات فرار من الاجهزة الامنية نتيجة هذا الوضع وما هو نصيب الامن العام منها؟

– الحديث عن معاناة نتيجة حالات الانقطاع عن العمل توصيف مبالغ فيه. صحيح انها موجودة، ونحن نعالجها بطريقة لا تستدعي من العسكري الوصول الى مرحلة الفرار. نحن مقتنعون ان على العسكري ان يفتش عن سبل اخرى للعيش ونؤكد انه لن يجد بديلا من عمله وسيعود. لذلك تركنا له باب العودة مفتوحا. بمعنى ان العسكري الذي يطلب اجازة لشهر او شهرين او أكثر نوافق له ونعطيه فرصة ليجرب حظه مع ترك الباب القانوني مفتوحا لعودته وعدم خضوعه للمحاكمة العسكرية. أستطيع القول اننا نجحنا في استيعاب ما استجد، وتأقلمنا مع الوضع ونستفيد مما يقول به القانون لمصلحة العسكري والمؤسسة معا. لا توجد طلبات استقالة لأن القانون لا يسمح للعسكري بها في الوقت الحالي الا ببلوغه السن القانونية، كما ان القانون يمنع التطويع والتسريح في القوى العسكرية في الوقت الراهن. العسكري لا يتحول فارا الا في حالة عدم التزامه المدة القانونية لإجازته ولكن هذه الحالات قليلة جداً في الامن العام.

* هل من امكان في الامن العام لتقديم خدمات اضافية للعناصر لمواجهة الصعوبات المعيشية؟

نعم هناك امكان لتقديم العديد من انواع الخدمات والمساعدات وخصوصا في المجالات الصحية والطبابة والادوية. فنحن نؤمن فروقات اسعار الادوية نقدا، وهناك دول صديقة تؤمن بدورنا وبالمؤسسة، توفر لنا انواعا من الادوية المهمة. كما وفرنا مبالغ مالية شهرية للعسكري من صندوق الاحتياط في المديرية وهو لا يقل عن 30% من راتبه.

* هل هناك تفهم لحاجات واوضاع عسكريي الامن العام. وهل تتلقون دعما كما الجيش اللبناني؟– طبعاً لا نتلقى اموالا، ولكن تصلنا مساعدات طبية كالمستلزمات والادوية وهي اولوية في عملنا. وقد وصلتنا اخيرا دفعة من الادوية من احدى الدول الاوروبية.

* هل انعكست الاوضاع الداخلية سلبا على التواصل القائم بينكم والمؤسسات المماثلة في الخارج وخصوصا لجهة تبادل المعلومات الاستخبارية؟

– علاقاتنا ما زالت قائمة على المستوى السابق نفسه، ولكن همنا الاساسي واولويتنا رعاية عسكريينا وبقاؤهم صامدين على قاعدة ضمان الامن واستمرار الحياة.

* هل انعكس تردي الوضع الاقتصادي على اداء الامن العام، وكيف واجهتم في ظل الازمة ونقص التجهيزات، تهافت اللبنانيين للحصول على جوازات السفر؟

– نجهد لنستطيع الاستمرار في العمل في ظل الظروف الحالية الصعبة. وبالتأكيد، انا اضمن ان لا تتوقف الخدمات الادارية. اما الاقبال على جوازات السفر فامر آخر. هناك ظاهرة لم نشهدها من قبل. تصور ان في المديرية اليوم حوالي 7000 جواز سفر من بينها حوالي 1200 جواز سفر في دائرة بيروت وحدها لم يحضر اصحابها لتسلمهما بعد. كما ان حوالي 90 % من الجوازات التي انجزت لم يتم استخدامها حتى الآن. وهي ظاهرة تؤكد ان هناك فئة من الناس تخوفت من امكان ارتفاع رسم الحصول على الجواز فسارعت الى اصدراه رغم انه سبب غير منطقي. فلماذا صرفت كل هذه الاموال في امر لم يستخدم بعد، وخصوصا انه لا مشكلة لدينا بوجود الجوازات، فهي متوافرة. ما تسبب بالازمة الاخيرة وحال الارباك التي عبرت الهجمة على طلبات جوازات السفر التي تجاوزت امكاناتنا في طبع الجوازات. فقدرتنا توفر ما لا يقل عن 3500 جواز يوميا، فكيف يمكننا ان نلبي 8000 طلب يوميا بعد ان كانت دون الـ1000 في كل لبنان وهو ما اجبرنا على زيادة ساعات دوام العمل بما فيها ايام السبت والاحد وعطلة الاعياد لمواجهة ما حصل، ولتجاوز الطلبات المتراكمة التي اقتربت من 50 الف جواز. الى ذلك فرضنا بعض القيود والضوابط على الطلبات لتتناسب وقدراتنا ومواجهة الاقبال غير المنطقي. ومن لديه حاجة ملحة مثل عدم تجاوز صلاحية “اقامة” في بلد ما، او انه يحمل سمة دخول وتذكرة سفر، يمكنه ان يتقدم عبر دائرة العلاقات العامة ليحصل على جوازه في وقت وجيز.

* اين اصبحت خطة امن عام بلا ورق، وهل تفكرون في اقفال بعض المراكز نتيجة تردي الاوضاع؟

اجبرنا الوضع الاقتصادي الصعب على تأجيل بعض المراحل المقررة من خطة الاستغناء عن الورق لأنها تحتاج الى مليارات الليرات لاستكمالها بعدما قطعنا شوطا بعيدا في الخطة. نحن نعاني اليوم من النقص في العديد للأسباب التي ذكرتها انفا. فقد سبق ان وسعنا من مساحة انتشارنا في البلد قبل الازمة ولن يكون هناك اغلاق لأي مركز اقليمي حاليا، وقريبا سنعلن عن افتتاح مركز نموذجي باسم “مركز امن عام الشهيد عبد الكريم حدرج الاقليمي” في الغبيري ليحل مكان المركز القديم ويغطي مناطق الضاحية الجنوبية.* هناك من يخشى بأن يتسبب الوضع الاقتصادي وضعف المناعة المجتمعية بتدهور او تفلت امني وقد يسهل تدخلا اسرائيلياً او تسللا للإرهاب الخارجي. فهل هناك ما يبرر ذلك؟– نعود الى النظرية او المعادلة التي نتكلم عنها دائما وهي ثابتة. فطالما انه لا يوجد استقرار سياسي تبقى الامور مفتوحة على كل الاحتمالات. ضمان الامن الكامل هو الضمان السياسي، وبالتالي الاجتماعي وهما قبل الامن الامني. الضمانة الكبرى هي في الامن، والاستقرار السياسي وهو من يلجم اي تفلت أمنى ويعزز الاستقرار الاجتماعي ايضا.

* هل تعتقد ان الطبقة السياسية الحاكمة لا تزال قادرة على انقاذ الوضع؟

– نعم بالتأكيد، هم قادرون على ذلك. وخصوصاً عندما تتوافر الارادة للإنقاذ. هم أنفسهم نجحوا في السابق، وعليه ما الذي طرأ او تغير؟ يمكن ان السبب في ازدياد الضغوط والحاجة الى مزيد من التنسيق والتعاون في ما بينهم وتصحيح الخلل القائم بين المسؤولين.

* جمدت اجتماعات الحكومة، وربما يشل مجلس النواب ان لم تفتح دورة استثنائية، ونحن على ابواب استحقاقات مهمة كالانتخابات النيابية، هل تخشى من انعكاسات ما يجري؟

– ما اخشاه ان ترتفع نبرة الخطاب السياسي ربطا بالاستحقاق النيابي، وعندها سيرتفع مستوى التشنّج لشد العصب كل داخل محازبيه، وبالتالي سينعكس ذلك بشكل سلبي جدا على البلد، وستعبأ الناس بشكل طائفي وهذا ما يثير خوفي.

* هل فُقد الامل في ان يكون هناك وسيط بين القوى السياسية التي لا يمكن ان تلتقي، فالخلافات جمدت مجلس الوزراء، واعاقت التحقيق العدلي، كما حول مسائل عدة وكأنه لم يعد هناك من وسيط يغيّر المعادلات بين المتخاصمين؟

من اهم ما يعيق كل هذه الامور اقتراب موعد الانتخابات النيابية، والتي تليها الانتخابات الرئاسية. ولذلك فان كل طرف يحاول ترتيب وضعه الداخلي لضمان استمراريته في المرحلة المقبلة، في ظل المتغيرات التي تعصف بالمنطقة بحثا عما يمكن ان يستغله في خدمة توجهاته السياسية. لذلك الجميع يعيش حالة ترقب، وفي مثل هذه الحالة تسود الرهانات وتتقلص الخيارات. وللأسف نحن نعيش اليوم في مرحلة الرهانات.

* هل تخشى من عدم اجراء الانتخابات النيابية في موعدها؟– انا اقول انه يجب ان تجري في موعدها وهذا جوابي. لكن لا يمكننا ان نغفل الظروف التي قد تطرأ، ولا اعرف من اليوم ما الذي يمكن ان يحصل. انا اقول يجب ان تحصل ولكن لا أستطيع ان اضمن ذلك. فما اخشاه لا يرتبط بتهديد أمنى فهو غير موجود، ولكن الخشية من الوضع المالي وانعكاسه على حياة الناس. اليوم وصل الدولار الى 28 ألف ليرة. وهذا هو التهديد الاخطر والاكبر. وما يمكن قوله ان الانتخابات قد تكرّس شرعية هذه الطبقة، فالانتخابات لن تأتي على الارجح بالتغيير الذي يراهن عليه البعض وخصوصا الجو الدولي، فما هو ممكن ان يحصل تغيير طفيف الى درجة لا يؤثر على اعادة تثبيت شرعية الموجودين.

* هل تلمست من خلال لقاءاتك مع الموفدين الاجانب والسفراء انهم يرون الصورة القاتمة كما يراها اللبنانيون؟– السفراء يحضرون الينا لإخبارنا بانه علينا انجاز الاصلاحات ليساعدوننا، ويقولون لنا انتم اهل البيت ويجب ان تقوموا بواجباتكم. ونحن نقول لهم ان عليهم مساعدتنا لنقوم بواجباتنا، وهو ما قد ينطبق عليه القول “من قبل: الدجاجة ام البيضة”. في رأيي ان كل الامور مرهونة بالتطورات في الاقليم. الخارج غير معجب بطريقة ادارتنا للبلد وبطريقة تعاطينا مع بعضنا البعض، ويصر على ان نتواصل لنتفق على الاصلاحات.

* ما هو مصير الازمة اللبنانية – الخليجية، وهل نحن على ابواب تصعيد ام حلحلة؟

التواصل مع دول الخليج الشقيقة مستمر، ولا بد من السعي الى فتح كوة في جدار هذه العلاقات المأزومة. ففي هذه الخطوة مصلحة مشتركة للبنان ودول الخليج معا بغض النظر عن العلاقة الاخوية في ما بيننا وانتمائنا الى الجامعة العربية، ولغتنا ووحدة الدم واحدة. نحن لا نتجاهل وجود مصالح مشتركة بيننا وكان لبنان ولا يزال درة بالنسبة إليهم، ولذلك لا اعتقد اننا سنذهب نحو الأسوأ.* ماذا في آخر تطورات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت؟– لا يوجد شيء جديد، وحاليا عاد القاضي بيطار ليستأنف عمله. الامور ماشية ولكن متى تتوقف ومن يقدم دعوى ارتياب او طلب رد لا اعلم. وما حصل ان مسار العمل عاد الى طبيعته والقاضي يقوم بعمله. ما هو ثابت انه لا توجد نية لدى اي من الاطراف كافة لا يريد الحقيقة، او لا يريد الوصول الى النتائج المرجوة ولكن هناك خلافا لا يتعدى الاختلاف على تفسير القانون.

* احيت زيارة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون الى لبنان الحديث عن ملف النازحين السوريين، فما هو الجديد الذي يقوم به الامن العام؟

– التقيت بالموفد الاممي غير بيدرسون في اثناء زيارته اخيرا الى بيروت، وتكلمنا عن هذا الموضوع وعن آلية العودة التي كان ينفذها الامن العام. واللافت ان لدى بيدرسون مجموعة من الافكار المتطورة والعملية لاستئناف هذه العودة، وسنتعاون في ترجمة ما يؤدي الى استكمال برامجها مع المعنيين اينما وجدوا.

*هل تلمست تغييرا في نظرة المجتمع الدولي الى العودة، وهل تجاوز عقدة الاعتراف بنظام الرئيس بشار الاسد؟

– لا اريد ان تناول الموضوع في السياسة. ما اعتقده ان موضوع بقاء الرئيس بشار الاسد أصبح خلف ظهر الناس، وبالتالي إذا تأمنت شروط معينة فالغرب ليس ضد عودة النازحين السوريين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى