صحةمقالات خاصة

الشعور بالسعادة و علاقته بالوطن

د. سهير الحريري

تبين أنّ حوالي (47.7%) من أفراد العيّنة يعتبرون أنّ الوطن مهمّ جدًّا للشعور بالسعادة. وهذا يدلّ على أنّ نصف الطلبة تقريبًا يضعون آمالهم في هذا الوطن كمصدر للسعادة. أمّا النصف الآخر منهم وأكثر لا يعلّقون آمالًا كبيرة على هذا الوطن لبناء سعادتهم. ربما يدلّ هذا الموقف على وجود مشاعر من الشكّ والإحباط والقلق والتشاؤم. وتشير النتائج أيضًا إلى عدم وجود فرق بين الذكور والإناث في تقويمهم لأهميّة مؤشّر الوطن، فجيل الشباب وخصوصًا الذكور يتطلّعون إلى السفر خارج البلاد لأنّ الأمل في تحقيق مستقبل مضمون في ظلّ الظروف السياسيّة والإقتصاديّة المترديّة قد أصبح ضئيلًا. إذ لا تتوافر الآن في الوطن الظروف المحفّزة لتحقيق الآمال والطموحات. “إن نتائج الإحصاءات تشير إلى أنّ 55% من الشبّان الجامعيّين يفضّلون أن يبنوا مستقبلهم خارج لبنان.
خلاصة القول، لا توجد فروق دالّة بين الذكور والإناث من حيث أهميّة الوطن في درجة الشّعور بالسعادة. ولكن يمكننا القول إنّ هذا الشّعور ما يزال في حدوده المتوسّطة ولم يتجاوز الـ50%. ممّا يعني أنّ أكثر من نصف الجامعيّين لا يشعرون في الوقت الحاضر بالسعادة داخل الوطن.

الشعور بالرّضا عن الحياة وعلاقته بالوطن

قبل أن نتكلّم على الفروق الدالّة بين الجنسين، نشير إلى أنّ نسبة عدم الرّضا الكليّ عند الطلبة قد وصلت إلى حوالي 35%، إنّ نسبة الرّضا الكليّ عن الوطن بلغت 7% فقط وهذه نسبة متدنيّة جدًّا تدلّ على حالة من الرفض والإشمئزاز من الأوضاع والظروف الراهنة التي وصل إليها البلد (حروب إقليميّة، نزاعات طائفيّة وسياسيّة، ضيق إقتصاديّ وتدنّي فرص العمل أمام الشباب الجامعيّ).

هذه المشاعر السلبيّة المشار إليها مشتركة بين الذكور والإناث (0.119= p). إذ أنّ 66% من الذكور مقابل 59% من الإناث غير راضين عن وطنهم (كليًّا، وإلى حدٍّ ما). وهذا يعني أنّ نسبة الرّضا الكلّي متدنية (9% عند الذكور و5% عند الإناث). كيف يستطيع الشبان والشابات، في الظروف الراهنة، أن يبنوا مستقبلًا واعدًا ومزدهرًا؟

إنّ النتائج المذكورة تؤثّر سلبًا في مستوى جودة الحياة والشعور بالرضا لدى طلابنا الذين يشعرون بالمرارة والعجز عن تغيّر الظروف باتّجاه الأفضل. وقد ذكرت وزارة الشؤون الإجتماعيّة أنّ حوالى 80% من فتيات لبنان ما بين 25 – 30 سنة غير متزوّجات (هجرة الشباب، الضيق الإقتصاديّ وثمّن الشقق المرتفع..)

أظهرت النتائج أنّ الطالب الجامعيّ يعاني أزمات متعدّدة نظرًا لتدنّي معايير جودة الحياة والشعور بالرّضا والسعادة. لقد تبيّن أنّ المجتمع لم يعد يعني له الشيء الكثير لأنّ طموحاته تصطدم بالواقع المؤلم الذي أشارت إليه نتائج دراستنا. فلم يعد لديه الأمل في بناء مستقبل زاهر ومضمون في هذا البلد. فالمجتمع لا يقدّم له فرص العمل الممكنة التي تساعده على إظهار قدراته وإبداعه. لذا، يحاول الشبّان أن يبحثوا عن طريق آخر خارج حدود الوطن إن توافرت لهم الظروف.
ما يمكن استنتاجه أنّ العوامل القويّة التي تعتبر مهمّة وأساسيّة في توفير الشعور بالسعادة لدى الطلبة الجامعيّين كانت بالتدرّج: الأهل، الأصدقاء، المنزل، تقدير الذات، الصحّة والترويح عن النفس. وبالنسبة إلى مؤشّرات الرّضا عن الحياة، فقد وجدنا على التتالي وبدرجة قويّة: الأهل، المنزل، الأصدقاء. هذه القوى الثلاث هي نفسها التي وردت كمؤشّرات جوهريّة للشعور بالسعادة والرّضا عن الحياة. وهذه نتيجة لم نكن نتوقّعها لأنها تدلّ على حالة إنسحابيّة عند الشباب الجامعيّ. وقد تخفي وراءها الشعور بالقلق والألم النفسيّ، لأنّ العودة إلى الحضن العائليّ والعلاقة الحميمة مع الأصدقاء تشيران إلى فقدان الرجاء في مجتمع يقوم على عدم الإستقرار وغموض القيم الأخلاقيّة والوطنيّة. والطلبة الجامعيّون قد أظهروا أنّ لديهم الكثير من الأهداف والقيم كقيمة المساعدة التي بلغت المرتبة الثّالثة في مؤشّرات القسم الثّاني من جودة الحياة، إذ بلغت نسبتها (41%) في خانة مهمّ جدًّا، كما أنّ المال لم يكن معبودهم. إنّهم يمتلكون قدرات عظيمة ولكن المجتمع لا يساعد كفايةً على صقلها وتجسيدها في أرض الواقع.

د. سهير الحريري

تخصص علم النفس الإيجابي مؤسِس ومديرة مركز جودة الحياة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى