مقالات

القوانين والأجهزة لا تحمي النساء من القتل والأطفال من الاغتصاب والنواب يتفرجون

جريمة قتل جديدة سجلت أمس في زحلة ورفعت إلى 12 عدد النساء اللواتي قتلن منذ بداية العام وتم كشف جريمة قتلهن. حيث أقدم رجل على الدخول إلى أحد مطاعم زحلة، وأطلق النار على رأس شابة هناك ما أدى إلى مقتلها، ثم قام بإطلاق النار على نفسه لينقل إلى المستشفى في حالة حرجة. وقبل يومين ارتكبت جريمة في البترون ذهبت ضحيتها سيدة ستينية قام زوجها بإطلاق النار عليها أثناء نومها. بينما نجت نساء أخريات من محاولات قتل إحداهن كانت حاملاً.

هذا فيما لا يعرف العدد الفعلي لجرائم قتل النساء لأن بعضها يجري التستر عليها. كذلك كشفت في الآونة الأخيرة جرائم اغتصاب واعتداءات جنسية طالت أطفالاً، كان أكثرها فظاعة الجريمة المروعة التي أدت لوفاة الطفلة لين طالب.

ليست جرائم قتل النساء واغتصاب الأطفال في لبنان جرائم فردية ولا ترتكب من خارج سياق يمهد لها ويحضّ عليها. إنما هي جرائم ينتجها النظام الذكوري وقوانين الأحوال الشخصية الطائفية التي تجعل من حماية النساء والأطفال شأناً خاضعاً لسلطة زعماء الطوائف ومصالحهم لا مصلحة المجتمع. هذا ما يعيق تشريع قوانين تحمي النساء والأطفال. وهكذا تتراجع القوانين المدنية لصالح سلطة رجال الدين، وهو ما لا يبيح وتجاهل صرخات استغاثة النساء قبل قتلهن بل ويعيق أيضاً حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية ويدفع بالتستر عليها.

وتؤكد المتخصصة في حماية الأحداث سلام شريم، والرئيسة السابقة لدائرة حماية الأحداث في وزارة الشؤون الإجتماعيّة، في حديث إلى “جسور” وجود مشكلة في القوانين وأجهزة تنفيذها تعيق حماية الأطفال في لبنان، “فالنواب محسوبون على جهات عينتهم يعودون إليها وإلى الجهات الدينية عند مناقشة مشاريع القوانين”. الأمر نفسه لطالما تحدثت عنه جمعية كفى مطالبة بإقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصية وقوانين تناهض العنف ضد النساء.

اللافت أن تتالي كشف جرائم الاعتداءات الجنسية على الأطفال وقتل النساء لم يستدع تعليقاً من المسؤولين، بمختلف مواقعهم، بل تعاطوا معها وكأن شيئاً لم يكن، وكأنها حوادث عادية. بل وحاول البعض التنصل من تحمل مسؤولياته عبر التذاكي ومحاولة تعميم خطاب معاد للجمعيات التي لطالما عملت على فضح هذه الجرائم والضغط باتجاه معاقبة منفذيها ونشر خطاب يواجه التطبيع معها. فذهب، هذا البعض، إلى حد تحميلها مسؤولية وقوع هذه الجرائم.

من جهتها تؤكد المحامية والعضوة المؤسسة في جمعية كفى، ليلى عواضة، أن سبب لوم الجمعيات بدل لوم المشرع والدولة الذين يرفضون تخصيص قانون لحماية النساء هو “خوف الذكوريين والرجعيين من الوعي الذي كرسته هذه الجمعيات في قضايا العنف ضد النساء وفي وعي النساء للخروج من دائرة العنف”. وتؤكد المحامية أننا بتنا نعرف بوقوع بهذه الجرائم بسبب الوعي الذي كرسته هذه الجمعيات. أما المسبب لهذه الجرائم فهو غياب القانون الذي يخصص النساء بالحماية، ومنح القاتل أسباباً تخفيفية والبطء بالمحاكمات، وقوانين الأحوال الشخصية التي تبرر العنف وتمنح الرجال سلطة مطلقة داخل الأسرة على النساء وتتحكم بمصيرهن وتجعله ولي الأمر الناهي”، وفق عواضة.

وكانت كفى قد نشرت سلسلة منشورات على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي توثق أسماء النساء اللواتي قتلن في الأشهر الماضية وتبيّن من خلالها كيف أدت قوانين الأحوال الطائفية إلى جرائم قتلهن.

وتدفع القوانين التي تتجاهل معاناة النساء الرجل للتدرج بالعنف وصولاً إلى الاستعداد للقتل بل وتنفيذ جريمته، وذلك بسبب شعوره بأنه لن يعاقب مهما بطش. فيلجأ هؤلاء لقتل زوجاتهم أو طليقاتهم أو بناتهم عندما يشعرون بأن سلطتهم عليهن مهددة، ولا يرون سوى العنف طريقا لإثبات رجولتهم بالشكل الذي تفرضه عليهم السلطة الذكورية. وتتواطأ القوانين الخاضعة لسلطة رجال الدين مع المعنفين وتنحاز إلى جانبهن ما يصعب على النساء الافتراق عن أزواجهن والطلاق. هذا الواقع يستدعي ممن يكترث بحياة النساء والأطفال إلى إعلان حالة طوارئ تشريعية لسن قوانين تشكل رادعاً أمام المجرمين وتنقذ حياة الكثير من الضحايا المحتملات. لا الاكتفاء بموقف إعلامي كما فعلت رئيسة لجنة المرأة النيابية النائب عناية عز الدين، المرأة الوحيدة في كتلة التنمية والتحرير التي لا تكترث بحقوق النساء.

مسؤولية النواب تجاه الأطفال

حتى الأطفال لا تحرك الاعتداءات الجنسية التي يتعرضون لها ضمير النواب، فيقف المشرّع صامتاً ومتفرجاً بينما يحدق الخطر بجميع الأطفال في لبنان. تقول شريم إن الأزمات تجعل الثغرات القانونية تطفو، “ومن المفترض أن يبادر المعنيون لمعالجتها، لكن قضايا حقوق الأطفال والنساء وكل المهمشين تبقى في أسفل سلم الأولويات”. وتؤكد على الحاجة لتشديد العقوبات بحق المعتدين على الأطفال، “فالقانون ما يزال قاصراً بأن يوقع بمرتكب الجرم عقوبة رادعة.  وهناك الكثير من المبادرات لتعديل القوانين لكن يلزمها وجود النية لدى النواب”.

وتشير شريم إلى تعقيدات عملية تشريع القوانين في لبنان، “فدورة تشريع القانون بطيئة، إذ يمر اقتراحه بعدة لجان يناقش فيها وصولاً إلى لجنة الإدارة والعدل. وتدخل في هذه العملية الكثير من الصراعات، وعندما نتحدث عن قوانين تخص المرأة والأطفال والشؤون العائلية لدينا قوانين الأحوال الشخصية ورجال الدين ونظرتهم إلى القانون حيث يتذرعون بتناقضه مع القوانين السماوية أو بأنه يشكل تهديداً لسلطة معينة. كما يتأثر التشريع بدراية النواب بالموضوع”.

ووفق شريم لا تكمن المشكلة فقط في القوانين غير المنسجمة مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الطفل تمام الانسجام، رغم بعض نقاط القوة فيها. بل وأيضاً في مسألة تطبيق القانون بشكل جيد وناجز. وتشرح أن الكثير من المشاكل تكمن في نص القانون نفسه “الذي يكون أحيانا عاماً، ويحمل تفسيرات مختلفة وهنا يلجأ القضاة لعملية المواءمة والتفسير، الأمر الذي يرتبط بمدى تمكن القاضي من مسألة حقوق الطفل ونظرته إلى القوانين الدولية كنص قانوني يعلو القوانين المحلية.

فكلما قلت حساسية القاضي تجاه حقوق الطفل والمقاربة التي تحفظ كرامته كلما كان هناك ثغرات بطريقة إنفاذ القانون، وهو ما يشمل جميع الأجهزة الإجرائية والتنفيذية المعنية ووزارات مختلفة”.

وتضيء على أهمية الثقة بنظام العدالة إذ تدفع عدم الثقة البعض لعدم الإبلاغ عن الجرائم خشية الوصم بدل معاقبة المجرم. “فما خفي من الاعتداءات كان أعظم لأن الحالات التي تكشف للإعلام يتكون صدفة أو سبباً ما قد جعلاها تكشف”.

مسألة هامة أخرى تذكرها المتخصصة في حماية الأطفال، وهي حاجة الأطفال الذين يتعرضون للاغتصاب لتدخل اختصاصيين لمعالجة تداعيات الاغتصاب. لكن الأمر لا يحصل بشكل فوري، بل يفرض على المعنيين انتظار صدور قرار وإشارة من القاضي ليتم التدخل. وتدعو لحل هذه المشكلة عبر نص واضح يسمح بتدخل الجهات المختصة بشكل فوري كما ويحدد أماكن مناسبة للاستماع إلى الأطفال ضحايا التحرش والاغتصاب وتجنيب احتكاكهم مع الأجهزة الأمنية والتحقيق معهم بلباس مدني. إذ يسبب التحقيق تجربة صادمة إضافية.

وصحيح أن لكل متهم الحق بتوكيل محام للدفاع عنه. لكن شريم تعبر عن استغرابها من عدم وجود مانع لدى بعض المحامين بالدفاع علناً عن مغتصبي الأطفال ومحاولة البحث عن ثغرات وطرق للالتفاف على القوانين لصالح حماية المعتدي. وتذكر هؤلاء بمسؤولية المحامي القانونية والاجتماعية التي تملي عليه أن يعمل على تطبيق القانون ومنع هذه الجرائم.

هذا بينما تثبت فضيحة الاتجار بالأطفال والتحرش بهم التي دفعت القضاء لإقفال جمعية ” “قرية المحبة والسلام” أن المشكلة في لبنان لا تقتصر على القوانين. فحتى القضاء المفترض به حماية الأطفال قد يرسلهم إلى أماكن تشكل خطراً على حياتهم بدل حمايتهم، وذلك بسبب غياب الرقابة على الجمعيات وعدم إلزامها بمعايير واضحة، وتخلي الدولة عن دورها في تأمين مراكز إيواء للأطفال، والعقلية التي تتعاطى مع الطفل على أنه ملكية لا كياناً مستقلاً له حقوق، وأن الدولة مسؤولة عن الحرص على تأمين سلامته  واحتياجاته حتى قبل ولادته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى