أمن وقضاء

1800 سوري في السّجون اللبنانيّة: المصير القاتم

فيما بات مصير المحادثات اللبنانيّة-السّورية الراميّة لتنظيم وترتيب ما سُميّ بخطة “التّرحيل الآمن” للاجئين، مجهولاً لهذه اللحظة، مع تنحي وزير الخارجيّة اللبنانيّ عبد الله بو حبيب عن ترؤس الوفد الرسميّ إلى سوريا بظروفٍ ضبابية، ووسط الجدل السّياسيّ والحقوقيّ وحتّى الدوليّ المُستعر.. يبدو أن ملف اللاجئين السّوريين في لبنان قد وصل إلى مرحلةٍ جديدة، يحدوها رفضٌ دوليّ لموقف لبنان الرسميّ، فيما يُصر (ويستأنف) الأخير مضيّه في المسار الذي وضعه، حتّى لو اضطر لتفكيك المخيمات وترحيل كافة سُكانها قسرًا، كما طالب وزير المُهجّرين عصام شرف الدين في آخر مُقابلاته الصحافية منذ نحو الثلاثة أيام.

ترحيل السّجناء؟!
وبالعودة إلى الخطة الموضوعة، والتّي تشتمل على بندٍ أثار حفيظة المُنظمات الحقوقيّة والقانونيّة، مفاده ترحيل السّجناء السّوريين الموجودين في السّجون اللبنانيّة، إلى بلادهم، وتكليف رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، مطلع شهر نيسان الماضي، وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري البحث في “إمكانيّة تسليم الموقوفين والمحكومين للدولة السّورية بشكلٍ فوري، مع مراعاة القوانين والاتفاقيات ذات الصلّة، والتنسيق بهذا الخصوص مع الدولة السّورية”.. ومع انتفاء الأفق الواضح للتنسيق بين الدولتين حاليًّا، يبدو من المُلّح التساؤل إذا كان هذا الموضوع تحديدًا سُيباشر العمل به من قبل السّلطات اللبنانيّة، كما باشرت بحملات التّرحيل متجاوزةً القوانين والاتفاقيات الدوليّة التّي تلتزم بها.

ويمكث في السّجون اللبنانيّة ما يُقارب 1800 نزيل من التابعيّة السّوريّة، رجحت المصادر الحقوقيّة أن 80 بالمئة (بين 500 و600) منهم غير محكومين إلى اليوم، فيما لا يُشكل مجموع هؤلاء سوى 28 بالمئة من مجمل نزلاء السّجون على امتداد الأراضي اللبنانية (على عكس ما يُشاع إعلاميًا). أما خبر عزم الحكومة اللبنانيّة ترحيل السّجناء السّوريين، فقد أثار موجة غضب وتوجس وخوف في صفوف هؤلاء. ويظنّ بعضهم أنه سيتم إعادتهم مُجدّدًا إلى النظام السّوري بعدما هربوا منه، وتحديدًا المجموعات المُعارضة التّي اعتقلت على خلفية دخولهم الأراضي اللبنانيّة خلسةً، حسب قولهم. فيما تفيد المراجع القانونيّة، أن الدولة اللبنانية لا يمكنها ترحيل من لم يصدر بحقّه حكم، أي عليها التّأكد إذا كان محكومًا وليس موقوفًا، كما هو حال غالبية السجناء السّوريين، فضلاً عن كون المعاهدة الخاصة بمناهضة التعذيب وسائر ضروب المعاملة اللاإنسانيّة والتّي وقع عليها لبنان، تنصّ في بندها الثالث على منع ترحيل أي شخص قد يتعرض للانتهاكات في بلده وعلى الدولة اللبنانية الالتزام به.

السجناء السوريون
وفي هذا السّياق يُشير أحد نزلاء سجن روميّة من التّابعية السّورية ومن المعارضين المنشقين عن قوات الأسد في حديثه إلى “المدن” قائلاً: “شخصيًّا أُقرّ أن كل إنسان ارتكب جريمة من أي فئةٍ كانت، يجب أن يُحاسب عليها، لكن واقعنا اليوم أبعد من ذلك، نحن وعلى خلاف سائر النزلاء، عائلاتنا تسكن في المخيمات. فمن أي لنا تأمين 213 مليون ليرة كفالة ماليّة بالحدّ الأدنى، وإن لم نؤمن هذا المبلغ فنقضي عن كل يوم ما يتراوح بين 10 و15 ألف ليرة، أي أننا سنقضي محكوميتنا مؤبد فقط لتسديد هذه الكفالة، وما يزيد الطين بلّة، أن غالبيتنا لم يتم تعيين له محامي حتى الآن”.

ويُضيف: “لن أتطرق للوضع المأساوي، ولا للمياه والطعام الملّوث أو حتّى الطبابة، لا نريد أي من هذا بعد، بل نريد معرفة حقيقة واحدة، هل سيتم ترحيلنا أم لا، هل سيتم رمينا في أقبية سجون النظام؟ للآن لا أحد يؤكد لنا إيجابًا أم نفيًا. أما الجمعيات الإنسانيّة والحقوقيّة وخصوصاً السّورية منها فغائبة كليًّا. ومن جملة مطالبنا اليوم هي منع تسلمينا للنظام، وإن كنا نشكل أعباء على الدولة اللبنانية، فليتم ترحيلنا إلى الشمال السّوري ونكون بجوار عائلاتنا، تحت رعاية أمميّة”.

هذا فيما ذكر السّجين، أن “غالبية الذين قضوا محكوميتهم، وأفرج عنهم، من السّوريين، منذ شهر، احتجزوا على الفور عند الأمن العام تحت ذريعة “تسوية أوراقهم القانونيّة”، فيما تعجز عائلاتهم عن التّواصل معهم. وتتنامى مخاوف من فرضيّة ترحيل هؤلاء إلى سوريا. هذا وقد أشارت مصادر “المدن” في الأمن العام، أن هذا الأمر، جعل من زنازين الأمن العام مكتظة.

السّجون اللبنانيّة
ولعلّه غنيّ عن التّذكير هو واقع السّجون اللبنانيّة (راجع “المدن”)، من أزمة الاكتظاظ الحادّ، حيث وصلت نسبة الإشغال لما يفوق 320 بالمئة، فضلاً عن غياب الطبابة والاستشفاء للمساجين، فيما تتعثر المفاوضات بين الأطباء المناوبين في السّجون وبين مديرية قوى الأمن الداخلي. إذ يُطالب الأطباء بأجور يوميّة لائقة، عوضًا عن 600 ألف ليرة التّي تدفع بدل يوم مناوبة. هذا كله مُضاف لواقع يحمل بعدًا حقوقيًا أشمل، وهو تأخر الإجراءات القضائية التّي من شأنها حلحلة أزمة الاكتظاظ، بصدور الأحكام والإفراج عن غير المتهمين، والذي تتجاوز مدّة توقيف غالبيتهم فترة التوقيف الاحتياطي، فيما يقبع آخرون بالسّجون مدّة أطول من سقف الأحكام الصادرة بحقهم.

وفيما يعزى هذا الوضع لكون القضاء يتقاعس عن إيلاء ملف السّجون الاهتمام اللازم (تُشير مصادر متابعة أن بعض القضاة يرفضون محاكمة المتهمين بالمحكمة المستحدثة في سجن رومية المركزي)، فإن لومًا آخر يقع على الأجهزة الأمنيّة وتحديدًا قوى الأمن الداخلي، المولجة بسوق الموقوفين إلى الدوائر القضائيّة. وهنا يُشير مصدر أمني لـ”المدن” أن غالبية الآليات معطلة وهناك صعوبة في تأمين المحروقات اللازمة لنقل الموقوفين. ذلك بسبب القصور العام في ميزانية قوى الأمن الداخلي التّي لا تزال على حالها. وهذا ما تؤكده نائبة رئيس تجمع أهالي الموقوفين رائدة الصلّح لـ”المدن”، قائلةً: “70% من الآليات مُعطلة حسب ما تقول لنا قوى الأمن. وهناك نقص حاد في العناصر التّي تؤمن نقل المساجين وحراستهم وحمايتهم. هناك ما لا يقل عن عشرة آلاف نزيل محشورين في الزنزانات وسط الأمراض والأوبئة، وغياب الاهتمام الرسميّ، حيث باتت الطبابة مئة بالمئة مرمية على عاتق النزلاء”. مستنكرةً تقصير مجلس النواب والوزراء في وضع حلول وتدابير لمعالجة الأزمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى