إضاءات

دائرة الفقر المتسعة في لبنان: أولى عواقبها.. عمالة الأطفال

لعله من أبرز تداعيات الازمة الاقتصادية التي نعيشها في لبنان، واتساع دائرة الفقر، هو ارتفاع عدد الجرائم المرتكبة بمختلف اشكالها. ولا مبالغة إذا قلنا اليوم انّ جرائم تُرتكب بحق الطفولة في لبنان. جرائم من نوع اخر تهدد مستقبل الأطفال.

فوفق تقرير صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في العام 2021، سجّلت نسبة الأُسر في لبنان التي أرسلت أطفالها الى العمل 12 في المئة بعدما كانت أقل من 9 في المئة قبل الأزمة الاقتصادية. فكيف بالحال اليوم، بعد ازدياد اعداد العائلات دون مستوى خط الفقر، وانخفاض عدد الاسر التي التي قلّصت نفقات تعليم أطفالها بين 3 و10 أسر مقارنة بإحصاءات ما قبل الأزمة، بحسب التقرير.
 

عمالة الأطفال
إذا، هي جريمة عمالة الأطفال، لأولاد يضطرون للقيام بأعمال مختلفة تسبب لهم الأذى نتيجة مشاركتهم في أنشطة خطرة تعرض نموهم البدني والعقلي والاجتماعي والتعليمي للخطر. واليوم، بعد تقريبا نهاية العام الدراسي الحالي، ثمة تخوف كبير من اضطرار بعض العائلات الى عدم تسجيل أبنائهم في المدارس للعام المقبل، وخصوصا العائلات التي تقوم عادة بالاستعانة بأطفالهم للعمل في الصيف.
 
حقيقة تتقاطع معها الأرقام التي زودتنا بها “جمعية انقاذ الطفل في لبنان”، حيث أفادت رنا خراط، مديرة قسم الامن الغذائي والحماية الاجتماعية في الجمعية انّ عدد الحالات للأطفال التي وصلت الى الجمعيات العاملة في مجال حماية الطفل من مؤسسات محلية وشركاء مع المراكز الدولية والمجموعات التابعة للأمم المتحدة، زادت بنسبة 41% منذ العام 2020 ولغاية 2022، وهو رقم ارتفع حكما في الأشهر الأولى من العام 2023، ومرشح للارتفاع أكثر مع نهاية العام الدراسي الحالي.
 
جريمة حقيقية
وتؤكد خراط في حديث مع “لبنان 24” انّه لا مبالغة بتوصيف الواقع كما هو باعتبار ما يحصل جريمة حقيقية بحق الطفولة، وتقول: “الوضع الاقتصادي المتدهور كان له التأثير الأكبر على العائلات اللبنانية، من ناحية صعوبة العيش والتعليم. ومما زاد الطين بلة هو اقفال بعض من المدارس او التأخر في البدء بالعام الدراسي المنصرم، وكل ذلك أدى الى زيادة التسرب المدرس، وبالتالي كان سببا مباشرا في جعل بعض العائلات يرسلون أطفالهم للعمل من اجل مساعدتهم”.


وتتابع خراط: “لا ارقام رسمية في موضوع عمالة الأطفال او التسرب المدرسي، بل نسب مئوية ونستطيع الحديث عن زيادة بأكثر من 40 بالمئة لناحية الصعوبات العائلية وازدياد معدلات الفقر. وبالتالي ارقام كبيرة على امتداد المناطق اللبنانية كافة”.
وحتما، تُعتبر الجهات الرسمية المسؤول الأول عن التصدي لعمل الأطفال، والعمل المؤثر لإنهاء هذه الظاهرة التي تُعبر عن ضعف التركيبة الاجتماعية والاقتصادية، حيث المطلوب أولا وأخيرا انقاذ الطفل.
 
مراكز أمان
وتقوم وزارتا العمل والشؤون الاجتماعية واللجان المنضوية تحتها بدورها لمكافحة عمالة الأطفال من خلال اللجان الموجودة والقوانين التي تجرم عمل الأطفال، ولكن المشكلة تكمن في عدم التشدد في المراقبة وعدم وجود مراكز أمان كافية تابعة للوزارات المعنية كما تؤكد خراط في حديثها. وتقول: “الأوضاع الصعبة في البلد تجعل من الصعوبة في مكان ما إتمام هذه المؤسسات واجباتها بالشكل المطلق للأسف، وخصوصا في قضايا صعبة مثل عمالة الأطفال. ولكن حتما يجب أن يكون هناك نقطة بداية للحلول، ويكون ذلك أولا عبر توسيع شبكات أمان الطفل بشكل أكبر في كل لبنان، وخصوصا انّ دائرة الفقر الى اتساع أكبر”.
 
المجتمع المدني
فكيف يكون الحل؟ تعدد خراط مجموعة من النقاط التي يمكن ان تشكل سلة حلول لمكافحة عمالة الأطفال، ومنها:
 

أولا، يجب على المعنيين معالجة السبب الرئيسي لعمالة الأطفال، وهو الفقر، وبالتالي تقول خراط: “يأتي الحل من ضرورة توفر أنظمة الحماية وتوفير الخدمات الأساسية للعائلات كي لا يضطر الأطفال الى النزول في عمر مبكر للعمل. امّا النقطة الثانية فتكمن في ضمان أن تبقى أبواب المدرسة مفتوحة امام جميع الطلاب. والنقطة الثالثة هي تطبيق الأطر القانونية الموجودة، وضمان تطبيق قانون العمل بحسب العمر بالحد الأقصى للطفل، وضمان تطبيق المرسوم الوزاري الذي يكافح عمل الأطفال وتوسيع دائرة المراقبة”.
 
أمّا النقطة الرابعة بحسب خراط، فهو تكاتف الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني العاملين في مجال حماية الطفل لتوفير المساعدات للأطفال وعائلاتهم. وتقول خراط: “نوفر في الجمعية لدينا الدعم المالي والمعنوي لعدد كبير من العائلات، إضافة الى برامج من نوع اخر مثل تطوير سبل العيش والتعليم وتطوير المهن. ونسعى للتعاون مع الوزارات المعنية والبلديات للوصول الى العدد الأكبر من العائلات المحتاجة”.
 
في القانون
يحظر بصورة مطلقة استخدام الاحداث قبل اكمالهم سن الثالثة عشرة طبقا الى قانون العمل اللبناني. وتنص المواد 21-23 من قانون العمل اللبناني الصادر في 1946 والمعدل في 2010 والمواد 1 و2 من المرسوم رقم 8987 على “تحظير استخدام الاحداث قبل إكمالهم سن الثامنة عشرة في الاعمال الخطرة بطبيعتها على صحتهم او سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي”.
ولا يجوز أن يعمل القصر قبل اكمالهم سن الثامنة عشرة في أعمال تحرمهم من حقهم في التعليم. وذلك يعتبر أسوأ أشكال عمالة الأطفال.

المصدر
لبنان 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى