مقالات

هل أنجز لبنان “الفرض” ليرضى عنه صندوق النقد… وما المعوقات؟

بعد تخلّف لبنان في آذار 2020 عن تسديد دفعة مستحقة بقيمة 3 مليارات دولار من ديون الدولة الخارجية بسندات “اليوروبوند”، قررت حكومة حسان دياب التواصل مع صندوق النقد الدولي، وبعدها بدأت المحادثات رسميا في ايار 2020 فكانت أولى جلسات التفاوض عن طريق خدمة الفيديو لمناقشة الخطة المالية التي وضعتها الحكومة وتضمنت إصلاح قطاعات عدة بينها قطاع الكهرباء والقطاع المصرفي وإجراء تدقيق جنائي في حسابات مصرف لبنان. ولكن بعد 17 جلسة علّق الصندوق المحادثات في انتظار توحيد المفاوضين اللبنانيين، وخصوصا ممثلي الحكومة ومصرف لبنان، تقديراتهم لحجم الخسائر المالية التي سيُبنى على أساسها برنامج الدعم، وكيفية وضع الإصلاحات المطلوبة موضع التنفيذ.

وبعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كُلفت لجنة للتفاوض يرأسها نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، وتضم وزير المال يوسف الخليل ووزير الاقتصاد أمين سلام وحاكم “المركزي” رياض سلامة، انتهت بتوقيع اتفاق على مستوى الخبراء بشأن السياسات الاقتصادية مع لبنان للافادة من “تسهيل الصندوق الممدد” لمدة 4 سنوات. وتعهد لبنان توحيد سعر صرف الدولار وتحريره في الأسواق، وتقديم التقديرات للخسائر المالية بأرقام موحدة بين مصرف لبنان والحكومة (أي وزارة المال)، وإقرار خطة إصلاح شاملة تتضمن إعادة هيكلة للقطاع العام وترشيقه، وتوفير شبكات حماية اجتماعية. أين أصبح لبنان من هذه الشروط، وهل يمكن ان تُستأنف المفاوضات قريبا؟

الشامي أكد أن “المفاوضات مع صندوق النقد انتهت في 7 نيسان 2022 باتفاق على مستوى الموظفين، ويتوجب على لبنان اتخاذ اجراءات اتفق عليها، لكي نصل الى توقيع الاتفاق النهائي مع مجلس الادارة”. وإذ سألت “النهار” عن الاجراءات التي انجزت من 7 نيسان 2022 حتى اليوم، اجاب الشامي: “هذا السؤال يُفترض طرحه على مجلس النواب ومصرف لبنان، إذ اضافة الى القوانين المصرفية والمالية التي لا تزال عالقة في المجلس، هناك اجراءات تتعلق بتوحيد سعر الصرف وتقييم الـ 14 مصرفا، وكذلك التقرير الذي يفترض انجازه والمتعلق بالتدقيق بالاصول الاجنبية في مصرف لبنان… كل هذه الامور ليست في أيدينا كحكومة، بل عند مجلس النواب والمصرف المركزي”.

مصادر مصرف لبنان أكدت أنه بالنسبة الى موضوع توحيد سعر الصرف، فإن الامر “ليس من مسؤولية مصرف لبنان بل مسؤولية الحكومة ومجلس النواب. فمصرف لبنان نفّذ القرارات الواردة في البيانات الوزارية المتعلقة بتثبيت سعر الصرف الذي هو في النهاية من مسؤولية الحكومة، وتاليا لا يمكن رمي التهم جزافا على مصرف لبنان”. وسألت المصادر: هل من قرار اتخذته الحكومة ولم ينفذه مصرف لبنان؟ علما أن الاخير يعتبر أن توحيد سعر الصرف ضروري للاقتصاد اللبناني ونموه.

وفي ما يتعلق بالتدقيق، تؤكد المصادر أنه “أُنجز وهو حاليا في حوزة وزارة المال، وثمة تدقيق خاص بالذهب جرى بالتعاون مع صندوق النقد، اما التدقيق بالاصول الاجنبية فأنجز وقامت به شركات عالمية، وتبين أن أرقام الاصول الاجنبية مطابقة لما ينشره مصرف لبنان، وهي في عهدة وزارة المال ايضا”.

الاسباب الرئيسية للفجوة المالية
وتطرق الشامي الى الورقة التي أعدها مستشار رئيس الحكومة سمير الضاهر عن كيفية إعادة الإنتظام للقطاع المصرفي، فقال: “كل ما ورد فيها كان بالتشاور معي، والارقام التي وردت فيها هي المتوافرة لدينا، وفي حال كان ثمة أرقام غير دقيقة على مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف توضيحها، علما أن مجلس النواب لم يجتمع منذ ذلك الحين، بما سيؤجل حتما الاتفاق مع صندوق النقد”.

ورقة الضاهر هي موضع متابعة جدية حاليا، إذ تم تأليف لجنة بغية وضع الملاحظات عليها من المعنيين قبل أن يعرضها الرئيس ميقاتي على مجلس النواب فور اجتماعه لمناقشتها.
ووفق مصادر “المركزي”، فإن مصرف لبنان تسلم الورقة قبل أيام وبدأ دراستها وسيقدم ملاحظاته عليها خلال فترة قصيرة، مشيرة الى ان “الورقة جيدة ودقيقة وفيها الكثير من الافكار المنطقية والعلمية والواقعية لحل مشكلة الودائع واعادة انتظام القطاع المصرفي”.

بَيد ان ابرز ملاحظة على الورقة، كما افادت المصادر، انها “قزمت وخففت كثيرا من مسؤولية الدولة الكبيرة بموضوع الفجوة المالية”. فالمشكلة وفق ما تقول تكمن في ـنحو 62 مليار دولار تبخرت في الكهرباء والطاقة والدعم وتسديد سندات يوروبوند واعطاء زيادات لرواتب القطاع العام من دون ايرادات. والمشكلة ايضا في عجز الموازنات والانفاق من دون ايرادات والهدر وسوء الادارة في الكثير من المرافق العامة. وتكمن ايضا في المالية العامة، إذ بحسب تقرير ديوان المحاسبة ثمة 27 مليار دولار لا يُعرف كيف تم انفاقها. وقد اصبح الانفاق كاملا من اموال احتياط مصرف لبنان لا سيما في الفترة الممتدة من عام 2010 لغاية 2021 حيث تبين الارقام الرسمية والمدققة ان مجموع ما تم تحويله الى الخارج كـ”فريش” دولار لمصلحة الدولة اللبنانية هو 48 مليار دولار، ويصبح الرقم 62 مليار دولار بعد احتساب الفوائد. وهذه الارقام موزعة كالآتي: وزارة الطاقة والمياه وكهرباء لبنان 25 مليار دولار تم تحويلها الى الخارج ثمن فيول اويل وغاز اويل وغيرها منذ 2010 لغاية 2021، و8 مليارات دولار كلفة دعم السلع والمحروقات في 2020 و2021 بطلب واصرار من حكومة الرئيس حسان دياب، 8 مليارات دولار كمصاريف متنوعة للدولة اللبنانية تم تحويلها الى الخارج لا سيما ذخائر واسلحة، ومصاريف سفارات ومؤتمرات في الخارج، ورسوم اشتراك في المؤسسات الدولية، و7.5 مليارات دولار عجز اليوروبوند في هذه الفترة، منها 5 مليارات دولار اكتتاب مباشر من مصرف لبنان. ولكن السؤال: كيف تم تأمين كل هذه المبالغ التي تشكل اساس الفجوة المالية؟

لا تنكر المصادر أن الاموال أُمنت من أموال المودعين واحتياط مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، فيما الدولة لم تؤمّن دولارا واحدا من موازناتها لتسديد نفقات الدولة في الخارج لا سيما منذ 2009 لغاية تاريخه. وإذ تقر بأن هذا الخطأ ارتكبه مصرف لبنان، وإن برره بوجود قوانين ملزمة وقرارات حكومية ووزارية، تؤكد ان “دعم الليرة الذي كلف مليارات الدولارات جاء استنادا الى البيانات الوزارية التي شددت على استقرار سعر الصرف لليرة اللبنانية وتثبيته، وقد نالت جميع الحكومات ثقة مجلس النواب على اساس بيانها الوزاري الدي نفّذه مصرف لبنان”.

في الخلاصة، تشير المصادر الى أن الدولة ومصرف لبنان والمصارف تتحمل المسؤولية عن الفجوة المالية، بنسب متفاوتة، وتاليا على الجميع التكاتف وتحمّل المسؤولية لانقاذ الوطن والمودعين، وإنْ تأخر البدء بذلك.

المصدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى