محلي

النازحون السوريون… مظلومون أم قنبلة موقوتة؟

شهدت مؤخرًا هنا في مونتريال على جدال حامٍ بين مجموعة من اللبنانيين المغتربين، والذين يمكن تصنيفهم بـ “المثقفين”، مع تمايز في انتماءاتهم السياسية، حول النزوح السوري في لبنان، ومدى تأثيره على الحياة العامة في لبنان من النواحي الديموغرافية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية.

تفاوتت الآراء، وتعدّدت وجهات النظر، وتباعدت ردود الفعل، ولكن في النتيجة فهذا الجدال، يمكن اعتباره جدالًا مستكملًا، إلى أن يحين موعد العودة الآمنة لهؤلاء النازحين غير المحدّدة أعدادهم الرسمية إلى ديارهم، خصوصًا بعد تكامل حلقات عودة سوريا إلى الأحضان العربية، مع ما تستلزمه هذه العودة من فتح ملف النازحين، وبالأخص الموجودين في لبنان، بكل مندرجاته مع وجوب تحمّل جامعة الدول العربية المسؤولية الكاملة إلى جانب المسؤولية الأممية، وإمكان مساعدة لبنان على تحمّل جزء من الأعباء التي يتكبدّها جرّاء هذا الوجود الكثيف، الذي يفوق طاقة هذا البلد الرازح تحت أحمال اقتصادية ثقيلة جدًّا.

وبالعودة إلى الجدل غير البيزنطي، الذي كنت شاهدًا عليه، من دون مشاركة فعلية مني شخصيًا، لأنني فضّلت أن أكون مستمعًا أكثر مني متكلمًا، مع أنني كنت ميالًا إلى رأي فئة من المشاركين في هذا الجدال، الذي كان يصل في كثير من الأحيان إلى شيء من الحدّة، ولكن من ضمن أصول اللياقة في التعابير، التي لم تنحُ في اتجاه التجريح، يمكن تفصيل ما كان يتمّ تناوله إلى قسمين أو إلى رأيين:

أصحاب الرأي الأول، وهم في غالبيتهم ينتمون إلى الفكر اليساري والإيديولوجي، يعتبرون أن النازحين السوريين ظلموا مرّتين: الأولى عندما هُجرّوا من منازلهم وقراهم بعد تهديدهم من قبل، إمّا فصائل “داعش” و”النصرة”، وإمّا من قبل “النظام”، وهم عندما هُجرّوا إلى لبنان أو إلى الاردن أو تركيا لم يكن ذلك بملء إرادتهم، خصوصًا أن وضعهم يشبه كثيرًا وضع بعض اللبنانيين، الذين اضطرّوا للهجرة خلال الحرب من قراهم الجبلية إلى أماكن أخرى، وإن كانت هجرتهم داخلية وليست خارجية كما هي الحال مع النازحين السوريين، وقبلهم النازحين الفلسطينيين.

أمّا الظلم الثاني الذي لحق بهم، على حدّ منطق أصحاب الرأي الأول، فأتى من اللبنانيين، الذين تعامل قسم منهم مع النازح السوري بشيء من العنصرية، وكان التعاطي معهم بفوقية، وأحيانًا كثيرة بشيء من الكراهية. وهذا الأمر، في رأي هؤلاء، يقود إلى تفاقم الاحتكاك اليومي بين النازحين، حيث هم موجودون وبين والأهالي.

أمّا أصحاب الرأي الآخر فيعتبرون أن هذا النزوح هو بمثابة قنابل موقوتة لا يعرف أحد متى تنفجر، خصوصًا مع تزايد الاستفزازات، التي يقوم بها هؤلاء النازحون، والتي غالبًا ما تُقابل بردود فعل سلبية من قبل الأهالي، وقد يصل الأمر إلى حدود الاحتكاك المباشر، والذي ينذر بعواقب وخيمة، على رغم التدّخل السريع من قبل القوى الأمنية، وبخاصة الجيش، الذي يحاول في كل مرّة إخماد أي خلاف فردّيًا كان أم جماعيًا إلى تفاقم الوضع الأمني، مع العلم أن السلاح الفردي غالبًا ما يُستعمل من قِبَل الطرفين. وهنا تكمن الخطورة على حدّ قول أصحاب الرأي الثاني.

أمّا الخطورة الثانية فهي في نسبة الولادات السنوية، والتي تصل إلى أرقام مفاجئة ومخيفة في آن، خصوصًا أن الإحصاءات الدقيقة غير متوافرة لا عن أعداد النازحين ولا عن أعداد الولادات، مع استمرار تحمّل الدولة اللبنانية أعباء اقتصادية تفوق قدرتها الاحتمالية، في ظل ما يتعرّض له لبنان من أزمات متشابكة ومتفاقمة.

وفي خلاصة هذا الجدل، وهو جدل قائم أيضًا في لبنان وليس فقط في المغتربات، أن ثمة قاسمًا مشتركًا بين أصحاب هذين الرأيين، وهو أنه لا بدّ من أن تعمل الأمم المتحدة مع سائر الدول المعنية بهذه القضية الإنسانية على تأمين الظروف الطبيعية لعودة آمنة لهؤلاء النازحين إلى ديارهم بعد أن يستتّب الأمن فيها، مع ضرورة مراعاة وضع لبنان، والعمل بجهد للحؤول دون تطّور أي احتكاك بين السوريين النازحين والأهالي.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى