مقالات

الانسحاب وسط الاستعصاء: نظريّة ترفضها الأحزاب

لا تحبّذ غالبية الأحزاب اللبنانية الحاضرة على الساحة السياسية فكرة الانسحاب من النسيج المحلّيّ، أو اختيار العزوف السياسي في مقابل الانسداد المستعصي منذ سنوات وسط المراوحة في الاستحقاقات الدستورية، وغياب أفق الحلول الاقتصادية والاجتماعية. ولا تعتقد أنّ خطوة كهذه من شأنها أن تفتح المجال أمام انفراجات رغم تنوّع المقاربات حول الكيفية الممكنة لإنهاء الواقع القاتم. ويترك بعضها القرار للناخبين في اختيار من يعتبروا أنّه الأمثل لتسلّم مقاليد الحكم، باعتبار أن تجربة مماثلة بدت قابلة على متغيرات – وإن طفيفة – في استحقاق الانتخابات النيابية وغيّرت الأكثرية البرلمانية. وهناك من يعوّل على الدورات الانتخابية المقبلة لإحراز نتائج أكثر تقدّماً وتحوّلاً في الصورة العامة وتعزيز دور قوى التغيير. وفي المقابل، ثمّة من يقلّل الرهان على فكرة “إفساح المجال أمام وجوه جديدة” منتقداً ما يسمّيه “نتائج تجربة تكتّل النواب التغييريين”. وفي المحصّلة، تؤكّد المعطيات غياب أيّ مؤشرات تلوّح في إمكان اتّجاه أيّ فريق سياسيّ نحو “وجهة اعتكاف.”

لم تكن فكرة الانسحاب من الحياة السياسية مطروحة تاريخياً على نطاق “القوات اللبنانية” ماضياً وحاضراً وليست ممكنة مستقبلاً. ووفق مقاربة تكتل “الجمهورية القوية”، فإنّ “القوات” لا تقبل الانسحاب من المسؤولية السياسية والتاريخية على تنوّع الظروف، انطلاقاً من تجربة رئيسها سمير جعجع الذي لم يختر ذلك في التسعينات عوضاً عن دخوله المعتقل 11 عاماً. وهنا، يقول لسان حال النائب رازي الحاج إنّ “القوات تقارب المسائل من بعدها الوطنيّ والكياني الحضاري. وقد أعطت أكثر من فرصة للقوى السياسية للتعاون والتفاهم على قواسم مشتركة منذ 2006؛ لكن تظهّر تعامل هذه القوى دستورياً وسياسياً بأساليب بعيدة عن الشراكة في وقت تُنهب البلاد وسط إدارة سيئة”. ويلفت الحاج أيضاً إلى أنّ “هذه الظروف أوصلت إلى الأوضاع التي حذّرت “القوات” منها مراراً من دون تنفيذ الإصلاحات الموعودة منذ 2017 ثمّ الانتقال الى طاولة الحوار الاقتصادي في أيلول بورقة متكاملة لم يؤخذ بها، وصولاً إلى انتفاضة 17 تشرين. و “القوات” لا تمكنها المساومة على مبادئها أو الانسحاب السياسي في وقت المطلوب مشاركة كلّ القوى في تمكين المؤسسات الدستورية وعدم تغطية المحسوبيات ورفض الفساد كعناوين “قواتية” تاريخية”.

لا يؤدّي الاعتكاف السياسي إلى حلول بالنسبة إلى حركة “أمل”، بل إنّه خيار يعكس ارتدادات سلبية وفق أوساطها المقرّبة، التي تقول إنّ “المشكلة الأساسية تتمثل في إلباس كلّ القضايا ثوباً طائفياً في وقت يتمثل الحلّ في مقاربة القضايا من خلال الحوار. ولا بديل عن القوى السياسية وهناك ما هو راسخ في وجدان الناس، لكنّ الأحزاب يمكنها أن تساهم في ضخّ دم حزبيّ جديد على الساحة في اعتبار أنّ أدوات الماضي مختلفة عن الحاضر. أمّا تجربة الأحزاب الجديدة فلا تنفع من دون قيادة ولا بديل عن الدولة المدنية وإلغاء الطائفية السياسية وإلّا محاربة طواحين الهواء”.

لا يفكّر “التيّار الوطنيّ الحرّ” في الانسحاب من العمل السياسي الذي يعتبره بعيداً عن الإطار الصحيح لمقاربة المسائل. وانطلاقاً من مقاربة نائبة رئيسه مي خريش، “العزوف غير ممكن مهما تأزّمت الأوضاع وازدادت العراقيل في وجه “التيّار” الذي لا يستطيع التخلّي عن القضية والمشروع. ومن الطبيعي بروز عراقيل خلال العمل السياسي، لكنّ الانسحاب بمثابة تخلٍّ عن المسؤولية وهذا ليس من فكر “التيّار” الذي ولد من رحم المعاناة بعد نفي العماد ميشال عون الذي حمل معركة الحرية والاستقلال، ثمّ أكمل مسيرته بعد تولّيه رئاسة الجمهورية وسيبقى”. وتضيف خريش: “الانتخابات النيابية أفرزت قواعد شعبية انتخبت “التيّار”، فهل يجلس في المنزل؟ لا بدّ من محاولة مستمرّة للوصول إلى حلول ولا مستحيل في السياسة. وليس ثمّة ما هو اسمه ترك المجال أمام قوى جديدة، بل إنّ الأحزاب تتجدّد داخلياً وتقدّم شخصيات جديدة من داخلها. وإذ أنتجت الانتخابات الماضية نوّاباً تغييريين، لكنّهم انقسموا وواجهوا العراقيل في البرلمان”.

ولا يقرأ الحزب التقدّميّ الاشتراكيّ في الانسحاب حلّاً. وكان قالها رئيسه صراحة “مش رح نسكّر”. وتنطلق مصادر رسمية في التقدّميّ من الإضاءة على “تاريخه وعقيدته والأيديولوجيا السياسية وهو ابن مدرسة تقوم على المبادرة واعتبار الحياة بمثابة نضال متواصل. ولا وجود للانسحاب الذي يؤشر إلى هزيمة”. وتشبّه مصادر التقدّميّ المسألة بـ”مواجهة أزمة مستعصية على نطاق الحياة الشخصية ولا يمكن اتّخاذ قرار بالانسحاب والاستسلام الذي لا يُعتبر حلّاً. ولا بدّ من المبادرة للوصول إلى حلول وهذا ما يفعله التقدّميّ لجهة الطروحات والجولات التي يقوم بها في ظلّ الأزمة الراهنة في وقت تتمثّل سمة الحياة في التفاعل للوصول إلى الأهداف. أمّا إشراك أناس جدد فيحصل بطرق ديموقراطية؛ والناخب يختار إذا كان يريد جديداً”.

يتمثل خيار حزب الكتائب في المواجهة على تنوّع الأزمات التي يستذكر أنّها كانت بمثابة خيار مكلف أحياناً. ويعود قياديون رسميون إلى “جولاته التاريخية في مواجهة الصعاب للدفاع عن البلاد. وكان الكتائب واجه مراحل أكثر صعوبة في سبعينات القرن الماضي وبقي صامداً. ويُعتبر قرار الكتائب واضحاً اليوم لناحية المواجهة وسط الواقع المستجد وتغطرس”حزب الله”. ويمكن المواجهة أن تتخذ أشكالاً مختلفة مع بدء تكوّن معارضة أكثر جدية والنجاح في رفض الجلسة التشريعية كمعطى جديد يظهر دينامية لجمع المعارضة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى