مقالات

إتّحاد البلديات: مرتع للزعامات و”مطمر” للإنماء

«ما دخلت السياسة بيتاً إلا وأفسدته»، ربما هذا هو واقع الحال المهترئ الذي بلغه لبنان بفعل التدخّلات السياسية المتلاحقة والتي ضربت كل بنيان الدولة ووصلت إلى البلديات واتّحاداتها. وبدلاً من أن تشكّل البلديات والإتّحادات محطّة للإنماء أصبح عدد كبير منها مرتعاً للفساد والمعارك السياسية التي تُكرّس سطوة السلطة. تعيش البلدات والمدن اللبنانية معارك بلدية شرسة ويصل الأمر إلى زرع الشقاق داخل العائلة الواحدة، وينعكس هذا الإستحقاق على الأهالي لسنوات وربّما لا تزول رواسبه، لكن عندما تنتهي المعركة البلدية، تبدأ القوى السياسية معركة من نوع آخر لا يكون للناخب رأي فيها، وهي معركة السيطرة على اتّحاد البلديات.

في العام 2010 كان هناك 42 اتّحاداً لـ598 بلدية، وارتفع هذا الرقم إلى 53 اتّحاداً يضمّ 627 بلدية، وشهد معظمها معارك سياسية كبيرة. ويعتبر اتّحاد البلديات باب خدمات كبيراً لمعظم القوى السياسية، من خلاله يتمّ تنفيذ المشاريع وتقديم أنواع عدّة من الخدمات تجذب الناخبين. وفي مقاربة لواقع الإتّحادات لا بدّ من الإضاءة على بعض النقاط القانونية في نشأة الإتّحاد وصلاحيّاته وموازنته.

إنشاء الإتّحاد

حدّد قانون البلديات الصادر بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 118 تاريخ 30 حزيران 1977 تعريف وتشكيل الاتّحاد، فنصّت المادة 114 منه على أنّه: يتألف اتحاد البلديات من عدد من البلديات، ويتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلالية ويمارس الصلاحيات المنصوص عليها في هذا القانون. ونصّت المادة 115 على إنشاء الاتحاد بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء بناءً لاقتراح وزير الداخلية، وذلك إمّا بمبادرة منه وإمّا بناء على طلب البلديات. ويتألف اتّحاد البلديات من جهاز الإتّحاد وهو السلطة التقريرية ويضمّ رؤساء البلديات التي يضمّها الإتّحاد أو أحد أعضاء المجلس بناء لاقتراح رئيس المجلس البلدي، ومن رئيس مجلس الإتّحاد الذي هو السلطة التنفيذية. وقد درج العرف على أن يكون رئيس مجلس الإتّحاد هو رئيس البلدية التي تشكّل مركز الإتّحاد وفق مرسوم إنشائه.

ويتمتّع اتّحاد البلديات بصلاحيات عدّة أبرزها:

  • المشاريع العامة ذات المنافع المشتركة التي تفيد منها كل البلديات الأعضاء أو بعضها، أو التي تشمل أكثر من نطاق اتّحاد واحد.
  • التنسيق ما بين البلديات الأعضاء وبتّ الخلافات الناشئة.
  • إقرار الخطة الإنمائية ضمن نطاق الإتّحاد.

وتتكوّن مالية الاتّحاد من:

  • 10% من الواردات الفعلية للبلديات الأعضاء كما هي محدّدة في الحساب القطعي لموازنة السنة الماضية.
  • نسبة مئوية من موازنة البلديات الأعضاء المستفيدة من مشروع معين ذي نفع مشترك.
  • ما يخصّص للإتّحاد من عائدات الصندوق البلدي المستقل.
  • مساهمة الدولة في موازنة الإتّحاد، على أن تدرج المبالغ المخصّصة لذلك سنوياً في الموازنة.
  • المساعدات والقروض وعائدات المشاعات الداخلة في اختصاص مجلس الإتّحاد.

هذا بالنسبة إلى الشقّين القانوني والمالي، أمّا سياسياً فلا بدّ من النظر إلى المعارك السياسية التي تُخاض في رئاسة الإتّحاد لاكتشاف أهميّة هذه الإتّحادات عند القوى السياسية. وتخضع معارك إتحادات البلديات للإعتبارات السياسية الكبرى، وتتركّز هذه المعارك في الأقضية والإتحادات ذات الغالبية المسيحية نظراً للتنوّع الموجود وعدم سيطرة فريق واحد.

زغرتا وبشرّي والبترون

ويُصنّف قضاء زغرتا على أنّه بوابة واسعة للتنافس السياسي، وكان هناك شبه توازن بين آل معوّض وآل فرنجية سابقاً، لكن هذا التوازن إختلّ بعد تكريس كل موارد وزارة الصحة وخدمات الدولة لتدعيم زعامة رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية أثناء فترة الإحتلال السوري، وبعد خروج الإحتلال عام 2005، حاول رئيس حركة «الإستقلال» ميشال معوّض إعادة التوازن، وقد حقّق خلال انتخابات 2009 النيابية شبه اكتساح لبلدات الزاوية، وبرز تفوّق فرنجية في مدينة زغرتا، لكن أرقام معوّض النيابية لم تنعكس في الإنتخابات البلدية عام 2010 والتي حصلت بعد جريمة برسا – الكورة التي إستغلها فرنجية لشدّ العصب، وأتت النتائج مخيّبة للآمال ما دفع معوّض للتصريح بإمكانية إنشاء اتّحاد بلديات رديف لاتّحاد بلديات زغرتا للخروج من سيطرة فرنجية، لكن معوّض لم يكمل مشروعه وبقيَ في زغرتا إتّحاد واحد تحت سيطرة «المرده».

وفي الجارة القريبة لزغرتا أي بشرّي، يختلف الوضع كلياً، ففي هذا القضاء هناك سيطرة تامة لـ»القوات اللبنانية» على اتّحاد البلديات منذ ما قبل الخروج السوري واستمرّ بعده، وعندما يُعاتب حزب «القوات» عن حصره الإنماء ببشرّي وعدم تمدّده إلى أقضية أخرى يأتي جواب «القوات»: أعطونا البلديات واتّحادها مثلما هي الحال في بشرّي وعندها نستطيع أن نشتغل إنماء بالشكل الصحيح.

أما بترونياً، فلم ينعكس كل الدعم والخدمات التي جيّرها رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل لمنطقته إكتساحاً لاتّحاد البلديات، فقبل انتخابات 2016 كان رئيس بلدية كفرعبيدا طنوس الفغالي المحسوب على مسيحيي 14 آذار رئيساً للإتحاد، وبعد إبرام «تفاهم معراب» حصلت معركة في الإتحاد ففاز رئيس بلدية البترون مرسيلينو الحرك على الفغالي بفارق 4 أصوات مستفيداً من دعم «القوات»، لكنّ انفراط تفاهم معراب سيعيد حكماً موقع رئاسة اتّحاد بلديات البترون إلى مسيحيي 14 آذار.

جبل لبنان

ولا تختلف طبيعة المعركة في كسروان، عاصمة الموارنة، عن المعارك الأخرى في الإتحادات ذات الأغلبية المسيحية، ففي الإنتخابات الماضية فاز رئيس بلدية جونية جوان حبيش برئاسة اتّحاد بلديات كسروان الفتوح بـ28 صوتاً مقابل 26 صوتاً لمنافسه رئيس بلدية زوق مكايل ايلي بعينو، وقد نال حبيش دعم «التيار الوطني الحرّ»، وشكّلت تلك الإنتخابات أيضاً إنعكاساً للتفاهم المسيحي، فلم ترد «القوات» الدخول في معركة «كسر عظم» مع «التيار» في كسروان، علماً أنّ الإتحاد كان تحت سيطرة القوى المحلية قبل عودة «القوات» و»التيار» إلى ممارسة العمل السياسي.

لا شكّ أنّ انتخابات الإتّحادات تأخذ طابع التنافس، لكن للمتن قصة أخرى، فالنائب الراحل ميشال المرّ عندما يُسأل لماذا لا تؤلف حزباً كان جوابه: أملك أكبر حزب وهو البلديات. يُعتبر المرّ أكثر من أدرك أهمية البلديات واتّحاداتها وكانت هذه المعركة بالنسبة إليه تضاهي معركة الإنتخابات النيابية وشكّلت البلديات منطلقاً لزعامته.

ووفقاً للقانون، فقد أنشئ في قضاء المتن إتّحاد بلديات يدعى «إتّحاد بلديات المتن الشمالي – الساحلي والأوسط»، ويُصنّف اتّحاد بلديات المتن على أنه أكثر الإتّحادات شهرة، وتتربّع رئيسة بلدية بتغرين ميرنا المرّ على عرش رئاسة الإتحاد ولم تستطع الأحزاب المسيحية الدخول على خطّ الإتحاد أو القيام بمعركة من أجل إسقاط سيطرة المرّ، في وقت يبقى الرهان على الإنتخابات المقبلة لكسر هذه المعادلة.

هذا بالنسبة إلى عيّنة من الإتحادات في المناطق المسيحية، أما سنياً فقد كان تيار «المستقبل» الرقم الأول في اتّحادات عكّار والبقاع الغربي، بينما يسيطر «الثنائي الشيعي» على اتّحادات الضاحية الجنوبية والبقاع الشمالي والجنوب باستثناء جزين وصيدا، ويسيطر الحزب «التقدمي الإشتراكي» على اتّحادات جبل لبنان الجنوبي.

تتمتّع إتحادات البلديات بمجال واسع للعمل في الميادين الإنمائية، لكن ما هو مستغرب هو أنّ هذه الإتحادات لم تشكّل يوماً نموذجاً ناجحاً بسبب تحكّم اللعبة السياسية فيها، ومن جهة ثانية هناك عدم مساواة في الإنتخابات التي توصل رئيس الإتّحاد، فعلى سبيل المثال، هناك بلديات كبيرة يبلغ عدد أعضائها 18 عضواً وبلديات صغيرة تبدأ بـ9 أعضاء، وعند التصويت تتساوى البلديات الصغيرة والوسطى والكبيرة إذ تملك كل بلدية صوتاً واحداً بغضّ النظر عن حجمها، وهذه تكرّس عدم المساواة داخل الإتحاد.

وبالتالي تشكّل الإتحادات سلطة أخرى بيد الأحزاب والقوى السياسية، فهي لم تستطع لعب الدور الإنمائي وتحقيق الهدف المنشود من إنشائها ولم تحلّ مكان وزارة التخطيط، لذلك فإن بعضها غرق بالفساد والمحسوبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى