إقتصادمحليمقالات

هل ستغلق الصيدليات أبوابها ؟

جبارة : بعض الأدوية تعرّض حياة المواطن للخطر ولبنان «مستشفى الشرق» نحو الانهيار

عندما تكون التّنشئة الاجتماعيّة جزءًا من المؤامرة، نُسمّي هذا التّعريف بـ» بسوسيولوجيّة الفساد». ومن هذا المنطلق، تتغنّى الحكومات والشّعوب بتحويل الفساد من سلوكٍ فرديٍ إلى ظاهرةٍ اجماعيّةٍ مألوفةٍ يتقبّلها الجميع لاسيّما خلال الأزمات الاقتصاديّة التي تجتاح البلاد، كحال لبنان لتكون تارةً نتيجة ما يحصل من فقرٍ وسرقاتٍ وتارةً أخرى السبب الذي أودى إلى ما نحنُ عليه اليوم من انهيارٍ.

فكيف نصف الحالة في لبنان؟

منذ فترةٍ طويلةٍ، والمواطن اللبناني يعيش فترةٍ صعبةٍ أكان من ناحية ارتفاع أسعار الأدوية، أو حتّى عدم تواجدها في الصّيدليّات. وغالبًا ما تكون الأسباب واضحة، كتهريبها عبر الحدود، أو ربّما عدم مقدرة تأمينها في الصّيدليّات نتيجة تحليق أسعارها والتّلاعب في سعر صرف الدّولار. وعلى الرّغم من انقطاع العديد من الدّواء في لبنان، لاسيّما دواء مرض السّرطان، إلّا أنّ غلاء الأسعار في القطاع الصّحي يستمرّ إلى ما فوق قدرة اللّبنانيين الشّرائيّة. ومُشكلة انقطاع الدّواء أو وجوده بأسعارٍ خياليّةٍ، تعدّ من أخطر المشاكل نظرًا لضرورة تأمينها للمريض، فكيف لو وصل الحال إلى إقفال الصّدليّات؟

في حديثه للدّيار، يقول نقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة، إنّ الأدوية في لبنان تُقسم إلى قسمين من حيث القدرة على تأمينها، أولًا الأدوية التي رُفع عنها الدّعم كُليًا وهذه الأدوية في الإجمال مُتوفّرة لأنها غير خاضعة لآليّة الدّعم وتؤمّن إلى لبنان. وفي حال لم توجد أصناف معيّنة من الأدوية، هنالك بعض البدائل عنها، كالجنسيّة منها. ومشكلة الأدوية التي رُفع عنها الدّعم، غالبًا ما يكون سعرها مرتفعا لأنّها مستوردة من الخارج، لذلك تسعّر حصرًا بالدّولار، على الرّغم من أنّ سعرها لم يتغيّر، لكنّ الفرق بات في تدهور سعر الصّرف وارتفاع الدّولار بالنّسبة لليرة الوطنيّة. مع العلم أنّ الأسعار تُحدّدها وزارة الصّحة، حتّى هوامش الرّبح تحدّدهم الوزارة، لذلك الصّيدليّ ليس حرًا في تطبيق سعر الصّرف الذي يلاقيه مناسبًا.

ويتابع: ثانيًا الأدوية المدعومة، كالمُستعصية منها (كدواء السّرطان)، وبعض الأدوية المُزمنة (كدواء السّكري). مشكلة هذه الأدوية أنّها تُفقد من الأسواق في الكثير من الأوقات لأنّها خاضعة لآليّة الدّعم، وكما نعرف أنّ آليّة الدّعم تتطلّب أموالًا والأموال غير موجودة لتغطية كل احتياجات اللبنانيين. وطبعًا أموال الدّعم لم تأت من عندنا إمّا من الدّولة اللّبنانيّة عبر المصرف المركزي وليس هنالك أموالًا كافيةً لدعم كل حاجات اللبنانيين من هذه الأدوية، لهذا السّبب الوزارة تختار وتحدّد الأوليّات لتُعلمُنا لاحقًا ماذا علينا ان نؤمّن من هذه الأدوية ولكن للأسف الكميّات تكون أقلّ من الحاجة وهنالك الكثير من انقطاعات فيها.

ويُكمل: نتيجة هذه الإنقطاعات المتراكمة، ولأنّ الأدوية المدعومة لم تعد مؤّمنة منذ فترةٍ قصيرةٍ من المستورد، دخل على الخطّ من يريد أن يغطّي هذه الحاجة: «المهرّبجيّة». ورويدًا رويدًا كبرت هذه المجموعات، لتصبح شبكات منظّمة وكبيرة باستطاعتها الآن أن تنتشر على كل الأراضي اللبنانيّة، لتتمكن 24/24 من تأمين كل الأدوية على صعيد لبنان. وأصبحت هذه الشّبكة جهازًا كاملًا خارج رقابة الدّولة اللّبنانيّة ووزارة الصّحة والنّقابات، لتجلب الأدوية إلى لبنان. ومع الوقت، الذي كان يهرّب الدّواء، بات يؤمّنه مزوّرًا، ليتبيّن أخيرًا أنّ تلك المزوّرة تم معرفتها وأنّ المستشفيات بأكملها تستقبل المرضى التي في جعبتهم أدوية مؤمنة من مصادر غير موثوقة، ليتبيّن لاحقًا أنّها مزوّرة.

ويُضيف جبارة: نحو 30 إلى 40 % من سوق الدّواء أصبح مؤّمنًا عبر شبكات غير نظاميّة، من دون أن تخضع لرقابة وزارة الصّحة ولا لتسعيرة وزارة الصّحة ولا تدفع الضّرائب ولا يسأل عن أسس التّسعير ولا عن سعر الصّرف التي تحدّده الوزارة، ليُباع بالفريش دولار بشكلٍ مباشرٍ ويُعطى من بعدها للمرضى اللبنانيين. ومن هُنا، صرخت الصّيدليّات، والسبب ليس فقط لأنّ الدّواء المدعوم بات من الصّعب تأمينه، بل أصبح هنالك شبكات تهريب تؤمن الدّواء غير النّظامي وتبيعه بشكلٍ مباشرٍ عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو بطرقٍ أخرى وغير نظاميّة وتعرّض حياة المرضى للخطر. وهذه إحدى الأسباب التي دفشت النّقيب جو سلّوم للتّحرّك على هذا الملفّ، لأنّ الخطورة ليست فقط على الصّيدليّات أو على المستشفيات، إنّما الخطورة الكبيرة هي على صحّة المرضى اللبنانيين.

ويُردف: ما من حلٍ من دون أن نحسّن مدخول الجهات الضّامنة، بدءًا بالضّمان الاجتماعي ومداخيل وزارة الصّحة والتي تُعتبر جهة ضامنة، والجيش اللبناني وقوى الأمن وتعاونيّة الموظّفين. يجب على هذه الصّناديق أن يتمّ تعزيزها بالمدخول، لتتمكّن من تلبية احتياجات اللبنانيين لأنّه لا يمكنها أن تغطّي بنهاية المطاف على التّسعيرة القديمة على الـ1500 ل.ل.، وفي حال لم ندعم هذه الجهات الضّامنة، النّظام الصّحّي بأكمله سيكون في خطر. وبالتّالي، من غير المسموح أن يدفع المريض ثمن علاجه، هنالك جهة ضامنة عليها مساعدته، أكانت خاصّة أو تابعة للدّولة.

وأيضًا، على الدّولة أن تسمح باستيراد الأدوية على سعر غير المدعوم، لأنّه على أية حال هنالك المهربون الذين يؤمنوها ويبعونها على السعر غير المدعوم، لذلك من الأفضل أن تؤمن بالأطر القانونيّة تحت رقابة الدّولة من أن تأتي بالتّهريب والتّزوير، وعلى الدولة أن تسمح بدخول هذه الأدوية النظامية على السعر غير المدعوم في حال لم تكن هنالك أموال كافية في الدّولة اللبنانيّة لتغطية كل حاجات اللبنانيين، وبالتالي يتم بيع هذه الأدوية في الصّيدليّات والمستشفيات بالشكل القانوني ويعود بالتّالي نظامنا الدّوائي، لدورته الطّبيعيّة.

وختم: من المؤسف جدًا أنّ لبنان الذي كان يُسمّى مستشفى الشّرق، والذي كان يستقبل أفضل أنواع الأدوية قبل دخولها على أي دولة من دول العالم العربي، كتلك المتطوّرة والمُبتكرة، خصوصًا كتلك المخصصة للأدوية المستعصية، أن يصل إلى ما هو عليه اليوم، انهيار في المؤسسات الصحية، فقدان القدرة لدى الجهات الضّامنة، صعوبة لدى المستوردين والصيدليات ولدى المستفيات، وهجرة لخبراء وأطباء القطاع الصّحّي.

المصدر
مارينا عدس - الديار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى