سياسةمقالات

هل نحتاج لجنرال آخر في بعبدا ؟

من الصعب الاقتناع بالكلام الحاسم عن انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، لكن علينا كذلك ألا نستبعد هذا الخيار نهائياً. إحدى الصحف العربية تحدثت عن كون “الرئاسة اللبنانية للعماد جوزف عون”.. وأن النقاش محصور اليوم “حول التوقيت”. هذا الحسم أساسه أن من الصعب انتخاب أحد المرشحين الآخرين. النائب ميشال معوض لا يملك الأصوات اللازمة، حتى من فريقه السياسي، رغم تمثيله شريحة مهمة من شباب النخبة السياسية ممن ورثوا المقاعد النيابية والوزارية والزعامة العائلية ولديهم شعور دائم بالاستحقاق وبالأهمية المبالغ بها. معوض خير من يُمثل هذا “المستقبل” السياسي للبلاد، ولكن حظوظه حالياً غير متوافرة، وربما عليه الانتظار لفناء الجيل القديم وحضور ورثته.

في المقابل، يبذل النائب والوزير السابق سليمان فرنجية جهداً أكبر في التحضير لانتخابه، على أساس كونه مرشح التنظيم الأكثر نفوذاً في البلاد، “حزب الله”، واللوبي المالي-الاقتصادي الأبرز، أي جمعية المصارف ومجموعة من رجال الأعمال والمتعهدين النافذين. عدد الاجتماعات التي يعقدها فرنجية في حضور رجال أعمال وبمبادرة منهم، في لبنان وخارجه، كفيل بأن يطرح علامات استفهام كثيرة عن أجندته في الحكم، ودور هؤلاء “الشركاء” في تصميم “حقبته” في حال انتخابه.

لم يفقد فرنجية الأمل، ويعمل دولياً واقليمياً ومحلياً لضمان اعتماده كخيار في أي صفقة مقبلة، لكن دون ذلك رفض المكونين المسيحيين الأساسيين، القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، بما يجعل انتخابه “غير ميثاقي” ومصدراً لصداع طويل لـ”حزب الله”.

لهذه الأسباب، يُروّج لقائد الجيش كمرشح وحيد اليوم قادر على جمع الأطراف المختلفة حوله، مع غياب الخيارات الأخرى. وفقاً لهذا المنطقة، هذا الخيار يُتيح دوراً اقليمياً في انتشال لبنان من الأزمة الحالية، إذ للعماد عون مروحة علاقات إقليمية ومع الولايات المتحدة التي خضع فيها لدورات عسكرية، وتأتمنه في برنامج المساعدات العسكرية والمالية. لو افترضنا بأن “حزب الله” في موقع يُتيح له القبول بهذا الخيار، ربما بعد اتفاق إقليمي أو أميركي-إيراني (العودة للاتفاق النووي)، هل هذا ما تحتاج اليه البلاد؟

اختزال الإجابة بأن النجاح في الحفاظ على الجيش اللبناني من خلال الاعتماد على المساعدات الأميركية والقطرية والدولية، يكفي لترشيح العماد عون، غير مقنع. أمامنا في مثل هذا الوضع، رزمة أسئلة. أولاً، لماذا العماد عون مختلف عن 3 جنرالات تعاقبوا على قصر بعبدا منذ تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1998؟ هو ينتمي الى مجموعة من الضباط أعطتنا 3 رؤساء لم تكن تجربة أي منهم مشجعة، لا بل بالإمكان القول إن كلاً منهم ساهم في تعميق الأزمة اللبنانية. وكل منهم أمضى حياته ضابطاً في الجيش ثم عماداً ورئيساً للجمهورية، وانتهى بثروة عقارية وقدرة مالية لا تتوافق مع رواتب المناصب التي شغلوها.

إلى الآن، لا تتوافر لدينا معطيات مُقنعة عن اختلاف هذا الجنرال عمّن سبقه، ولهذا فإن استمرار نهج عمره ربع قرن ولديه مثل هذه النتائج، غير محبذ.

ثانياً، من هو فريق العمل المحيط بهذا المرشح؟ غالباً، ما رأيناه منذ هيمنة المؤسسة العسكرية على قصر بعبدا قبل ربع قرن، هو اعتماد الرئيس العسكري على مجموعة من الضباط لا يملكون الخبرة اللازمة في الإدارة، ولا أفكاراً أو تصورات يحتاجها البلد للنهوض. لا يملك لبنان ترف تكرار التجارب ذاتها، ومن ثم توقع نتائج مختلفة. ذاك أن للرئيس حصة وزارية وقدرة من خلال الصلاحيات المتوافرة، مثل توقيع المراسيم وترؤس اجتماعات مجلس الوزراء، على التأثير في مسار البلاد.

ثالثاً، كيف ستُترجم العلاقات الإقليمية والدولية لقائد الجيش في أدائه الرئاسي؟ وهذا السؤال مهم لجهة قدرة الرئيس على منع ترجمة التوترات والصراعات الخارجية داخل لبنان، أو على الأقل محاولة احتوائها. في تجربة جوزف عون بعض الإشارات المشجعة في هذا المجال، كونه استطاع تحييد الجيش وحمايته من الصراعات الداخلية، ولعب دوراً فاعلاً في إطفاء الحرائق ومحاولة التوفيق بين الأطراف المتنازعة. ولكن ربما لذلك علاقة بطبيعة المؤسسة العسكرية نفسها وليس رأسها. وهي على عكس الرئاسة، تتألف من مكونات ومواقع نفوذ مختلفة للمرجعيات السياسية، ولا بد من لعب مثل هذا الدور للحفاظ عليها.

رابعاً، هل من الصحي للمؤسسة العسكرية أن تواصل تقديم الرؤساء لثلاثة عقود متتالية، وأن تتحمل ربطها بنتائج الارث الثقيل لهذه الحقبة بأسرها؟ أليس من الأفضل للجيش، فصله تماماً عن رئاسة الجمهورية، وإعادة تسليمها لمدني يملك مشروعاً اقتصادياً وسياسياً متكاملاً، وقدرة على التفاوض، وفريقاً شاباً اختير أعضاؤه لكفاءتهم، وليس لولائهم المطلق كما كان سائداً.

قد يكون قائد الجيش هذا مختلفاً عمّن سبقه، إلا أن ربع قرن من العُقم في بعبدا فترة كافية لاطلاق الأحكام، سيما أن هذا المرشح لم يُوفر للآن مؤشرات لاختلافه عمّن سبقوه. لكن ربما هذه تحديداً أسباب ومؤشرات كافية ليكون رئيساً توافقياً يضمن استمرار الطبقة السياسية وواقع الحال.

المصدر
مهند الحاج علي - المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى