الصحف

“عهد” ضرب المصالحات المسيحية والمواقع المارونية

كتب ألان سركيس:

تبدأ غداً مرحلة جديدة من الحياة السياسية اللبنانية، فالرئيس ميشال عون الذي أتى «بطبل وزمر» ووعود، يترك السدّة الرئاسية للشغور الذي انتخب على أطلاله.

من الظلم تحميل مسلسل الإنهيار لعون وحده، فالرئيس العماد انتُخب والبلاد غارقة بالديون وتعاني إقتصادياً، والمؤسسات تصارع لتبقى، لكن مشكلة عون الأساسية أنه ساهم في الفراغات المتلاحقة سواء كانت حكومية أو رئاسية، وأغدق وعود الإصلاح والتغيير و»عيّش» جماهيره وشرائح كبيرة من اللبنانيين بحلم قيام الدولة القوية.

تربّع عون على سدّة الرئاسة في 31 تشرين الأول 2016 متسلّحاً بأكبر إجماع حوله، المكوّن الشيعي الأكبر أي «حزب الله» من أكثر الداعمين له. الرئيس سعد الحريري سار بتسوية إنتخابه. رئيس الحزب «التقدّمي الإشتراكي» وليد جنبلاط لم يمانع إنتخابه. والأهم من هذا كلّه أنه تحصّن بـ»اتفاق معراب» حاصداً الدعم المسيحي الأكبر.

لكن لحظة وصوله إلى الحكم حصل تبدّل في السياسة العونية، فقد تمسّك العهد بحلفه مع الحريري وتحالفه المتين مع «حزب الله»، وأدار ظهره لمضامين ورقة «إتفاق معراب» وما نصّت عليه من مواقف وطنية وسيادية تطال سياسة الدولة أولاً، والتي تكرّست بالبنود العشرة التي تليت خلال المصالحة في 15 كانون الثاني 2016، وتنصّل من البنود «السلطوية» التي تبدأ بتوزيع المقاعد الوزارية.

وتجاوز كل من العهد و»القوات اللبنانية» قطوع تأليف حكومة العهد الأولى حيث لم تُمنح «القوات» حقيبة سيادية واكتفت بمنحها نيابة رئاسة مجلس الوزراء ووزارات الصحة والشؤون الإجتماعية والإعلام.

وأتت صفقة البواخر التي عمل عليها كل من «التيار الوطني الحرّ» وتيار «المستقبل» لتخرّب العلاقة أكثر بين الطرفين المسيحيين، إذ وقف وزراء «القوات» بوجه الصفقة، فدفعوا ثمنها عند تأليف الحكومة الثانية حيث تمت معاقبة «القوات» ومُنحت وزارات العمل والشؤون الإجتماعية والتنمية الإدارية ونيابة رئاسة مجلس الوزراء، على رغم حصدها 15 نائباً في انتخابات 2018، فما كان من «القوات» إلّا أن فضحت «ورقة معراب» التي نصّت على تقاسم الوزارات بالتساوي بين «القوات» و»التيار» بغضّ النظر عن الحجم النيابي.

كل تلك الأمور دفعت رئيس حزب «القوات» سمير جعجع إلى زيارة عون في بعبدا لكن جواب الرئيس كان «عليك التفاهم مع جبران باسيل»، عندها أطلق جعجع عبارته الشهيرة، فقال: كل مرّة كنت اشكو له يجاوبني «قوم بوس تريز»، في إشارة إلى إحالته لباسيل.

هذا من جهة علاقة «القوات» والعهد التي توترت بعد إندلاع إنتفاضة «17 تشرين» وإتهام العهد لـ»القوات» بقطع الطرق في المناطق المسيحية لضرب العهد، وتغذية روح «الثورة» وتوجيهها باتجاه عون وباسيل، لكن هناك شقّاً آخر من الصدام المسيحي داخل الفريق الواحد.

مع «المردة»لم يلعب عون دور «بيّ المسيحيين» أو «بيّ الكل»، فمخلّفات ترشيح الحريري لسليمان فرنجية خريف 2015 إستمرت طوال العهد، عندها إعتبر عون أنه «يشلّحه» حقه، وزاد باسيل من نار الخلاف، والذي كاد أن ينفجر عند تأليف أول حكومة حيث حاول باسيل منع تيار «المردة» من الحصول على حقيبة وازنة، لكن تدخل كل من «حزب الله» والحريري عدّل الأمر، وذهبت وزارة الاشغال إلى «المردة».

طوال السنوات الست، وعلى رغم إعلان فرنجية إحترامه لموقع الرئاسة ولعون شخصياً، وحصر خلافه مع باسيل، لم يستطع العهد تشكيل مظلّة للمسيحيين، وبقي الأخذ والردّ قائماً بين بنشعي وبعبدا، على رغم تلبية فرنجية لكل الدعوات الجماعية التي كانت تحصل ومن ضمنها طاولات التشاور والحوار.

ومن جهة أخرى، لم يستطع العهد مدّ جسور مع أحزاب وشخصيات مسيحية مثل حزبَي «الكتائب» و»الوطنيين الأحرار»، على الرغم من أنّ رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» آنذاك النائب دوري شمعون زار عون بعد إنتخابه، وقال: «انا ابن كميل شمعون ولدي إحترام لموقع الرئاسة بغض النظر عن شخصية الرئيس ويجب مراقبة الأفعال من الآن وصاعداً».

هذا على الصعيد المسيحي السياسي، أما إدارياً، فإن أبرز موقعين للموارنة في الدولة هما قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان، وما يدعو للإستغراب أن العهد تصادم مع الموقعين.

لحظة إنتخاب عون توجهت الأنظار نحو موقع قيادة الجيش لرصد من سيخلف العماد جان قهوجي، فوقع الخيار على العماد جوزاف عون الذي يعتبر مقرباً من رئيس الجمهورية، لكن سرعان ما انفجر الخلاف بين باسيل وقائد الجيش خصوصاً بعد تعيين الياس بو صعب وزيراً للدفاع.

وتعتبر مدة وزارة بو صعب من الأقسى على قائد الجيش، حينها كان يتدخل بكل «شاردة وواردة» ويطبّق تعليمات باسيل، فعاش الجيش صراعاً بين قيادة الجيش ووزارة الدفاع، لكن ما فجّر الوضع أكثر هو تصرف قائد الجيش خلال «الثورة» إذ رفض تلقي الأوامر بفتح الطرقات بالقوة وضرب المتظاهرين، عندها وقع الخلاف الكبير، ويُحكى كثيراً عن محاولات باسيل لتطيير قائد الجيش لكنه لم ينجح.

أمّا بالنسبة إلى التصادم مع حاكم مصرف لبنان، فحدّث ولا حرج، فقد بدأ عون ولايته بالرغبة بتغيير سلامة، لكن هناك من تحدث عن صفقة أتاحت لمقربين من العهد السيطرة على بنك «سيدروس» عبر تعويمه من قبل سلامة، وبعدها بفترة، أي في عام 2017، طرح عون من خارج جدول الاعمال مسألة التجديد لسلامة.

وعند إندلاع «الثورة»، حاول العهد تحميل سلامة مسؤولية الإنهيار لوحده، فانفجر الوضع بين الرجلين، وعاشت البلاد طوال السنوات الثلاث الماضية صداماً بين العهد والحاكم دفع الشعب ثمنه.

تصادم العهد مع الجميع، لكن النتيجة أن ولاية عون تنتهي منتصف ليل اليوم، ويبقى للتاريخ الحكم على مجريات الأمور، مع أن الشعب أصدر حكمه المبرم وصنّف عهد عون من أسوأ العهود الرئاسية.

المصدر
نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى