عكار والحقيبة الوزارية: حقٌ مسلوب في دولة المحاصصة

كتبت “قمر رشيد” لقلم سياسي:
رغم كونها من أكبر المحافظات اللبنانية مساحةً، وأغناها بالموارد الطبيعية والبشرية، إلا أن عكار تبقى محرومة من أي حقيبة وزارية، وكأنها ليست جزءًا من هذا الوطن. ليس الأمر مجرد مصادفة عابرة، بل هو مسلسل طويل من التهميش مارسته الحكومات المتعاقبة، بدعمٍ أو بصمتٍ من نواب المنطقة أنفسهم، الذين لم يحوّلوا عكار يومًا إلى أولوية في المشهد السياسي.
عكار.. الخزان الذي لا يُكافأ:
لطالما كانت عكار الخزان العسكري للبنان، حيث لا تخلو أي ثكنة من جنود وضباط خرجوا من قراها الفقيرة، حاملين أرواحهم على أكفّهم في سبيل الوطن. ومع ذلك، لم تُكافأ هذه المنطقة سوى بالمزيد من الإهمال، حيث انعدمت فيها أبسط مقومات الحياة:
•بنية تحتية متهالكة تعكس عقودًا من الإهمال المتعمد.
•طرقات محفّرة وخطرة، تجعل التنقل بين قراها مغامرة يومية.
•غياب الخدمات الصحية والتعليمية، مما يجبر أبناؤها على السفر لمسافات طويلة طلبًا للعلاج أو الدراسة.
•انعدام المشاريع التنموية، وكأن الدولة قررت تركها للفقر والهجرة.
•حرمانها من فرع للجامعة اللبنانية، ما زاد من صعوبة التعليم العالي لأبنائها وأجبرهم على التنقل أو التخلي عن دراستهم.
منذ استقلال لبنان، لم تحظَ عكار بتمثيل وزاري يعكس حجمها ودورها، حتى في الحكومات التي ضمّت العشرات من الوزراء في إطار المحاصصة الطائفية والسياسية. لم يكن الأمر مجرد خطأ عابر، بل هو سياسة مستمرة لإبقاء عكار على هامش الدولة، كمنطقة يُطلب منها تقديم التضحيات دون أن يُعترف بحقوقها.
وعندما تُشكَّل الحكومات، نرى كيف يتم تقاسم الوزارات بين القوى السياسية، فيما تُترك عكار خارج الحسابات، وكأنها ليست جزءًا من هذا الوطن. حتى الوزارات الثانوية التي تُوزّع في اللحظات الأخيرة لإرضاء بعض الأطراف، لا تُمنح لعكار، مما يؤكد أن هناك قرارًا غير معلن بإبقائها منطقة مهمشة بلا نفوذ سياسي.
نواب عكار السبعة: صمت طويل واستيقاظ متأخر:
لدى عكار سبعة نواب، يمثلونها في المجلس النيابي، لكن السؤال: هل دافعوا يومًا عن حق منطقتهم في التمثيل الوزاري؟ أم أنهم انشغلوا بمصالحهم الشخصية وتحالفاتهم السياسية، بينما بقيت منطقتهم محرومة كما كانت دائمًا؟
اليوم، وبعد سنوات من الصمت، قرر هؤلاء النواب أخيرًا أن يرفعوا الصوت للمطالبة بحق عكار في حقيبة وزارية. لكن السؤال الأهم: لماذا الآن؟ ولماذا لم يكن هذا الحق أولوية لهم منذ سنوات؟ هل هو مجرد موقف إعلامي؟ أم أن هناك نية حقيقية لإنهاء عقود من التهميش؟
لكن لم تكن الأزمة الوزارية وحدها دليلًا على إهمال عكار، فحتى في اللحظات الحرجة والمآسي، كانت المنطقة تكشف حجم الإهمال الرسمي. خلال الغارة الاسرائيلية الأخيرة التي استهدفت المنطقة، بحث الناس عن مستشفيات مجهّزة لإنقاذ الجرحى، لكنهم لم يجدوا، في مشهد يعيد إلى الأذهان كارثة تفجير تليل عام 2021، حين سقط عشرات الضحايا في انفجار خزان وقود، بينما كانت المستشفيات تفتقر إلى أبسط المعدات الطبية.
آنذاك، كانت فضيحة نواب عكار مدوية، حيث وقفوا عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من المساعدات الطبية، حيث بقي المواطن العكاري وحده في مواجهة الموت، بلا دولة ترعاه، وبلا مسؤولين يتحركون لأجله.
الحقيبة الوزارية.. حقٌ وليس منّة:
منح عكار حقيبة وزارية ليس منّة من أحد، بل هو حقٌ مسلوب يجب استعادته. فكما تُمنح الوزارات لمناطق أخرى بناءً على توازنات سياسية، فمن حق عكار أن يكون لها تمثيل حكومي ثابت، يضمن وصول صوتها إلى طاولة القرار.
لكن الأهم من ذلك، هو أن يكون هذا التمثيل فاعلاً، وليس مجرد مقعد وزاري يُضاف إلى طاولة الحكومة دون أن يُحدث أي تغيير حقيقي. فمشكلة عكار لا تُحل فقط بوزير، بل تحتاج إلى مشروع إنمائي شامل يعيد إليها حقها في التنمية والعدالة الاجتماعية.
عكار ليست محافظة على هامش الخريطة، بل هي جزء أساسي من لبنان، قدمت الكثير ولم تأخذ شيئًا بالمقابل. استمرار حرمانها من التمثيل الوزاري هو استمرار لسياسة تهميش مقصودة، شارك فيها السياسيون والحكومات المتعاقبة، وحتى نوابها الذين لم يحسنوا الدفاع عنها.
السؤال اليوم: هل سيبقى صوت عكار خافتًا كما كان دائمًا، أم أن أبناءها سيجعلونه صرخة مدوّية لا يمكن لأحد تجاهلها بعد اليوم؟