بيروت عاصمة للإعلام العربي
أكمل « المجهول» سهرته حتى الثالثة فجراً. أعدّ زجاجة المولوتوف وحملها إلى سيارته وقصد المؤسسة الإعلامية ليرميها بما تيسّر له من محروقات آملاً في إشعال حريق يلتهم كلماتها وكاتبي تلك الكلمات.
يصعب اتهام صاحب القنبلة الحارقة بنوايا سيئة تتعدى التخويف وصولاً إلى القتل. مع ذلك هو قصد مكاناً يضم ثلاث مؤسسات إعلامية وثقافية على الأقل. في المكان تلفزيون «الجديد» بصحافياته وصحافييه وإدارييه، وفيه إذاعة «صوت الشعب» العريقة في وطنيتها وشعبيتها، وفيه كذلك دار نشر عربية، من الأقدم في لبنان والعالم العربي، وإلى كل تلك المؤسسات، هناك مقهى «غيفارا» الذي يستقبل عشرات العاملين والزوار بما يشبه المجان.
في المبنى تاريخ. فيه ظلال العشرات من الزملاء الذين يستمرون أو ملأوا محطات العالم العربي نشاطاً ونجاحاً. فيه مريم وكرمة وفاتن وإيمان وميرنا وخزامى وسلام وإبراهيم ومنذر وعلي ونداء وزهير وأحمد… فيه حياة مئات المجتهدين في عملهم وحياتهم اليومية، ومع ذلك قرر الذي سهر إلى الفجر أن يشنّ هجومه على هؤلاء جميعاً مدفوعاً بحملةٍ شعواء معلومة المصادر على مجرد اجتهاد كاريكاتوري لم تتسع له الصدور المقفلة على رؤية وحيدة للآخر وللعالم.
لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها زملاء المبنى إلى تجربة «الحصار والقصف». في مرّات كثيرة سابقة واجهوا المحاولة نفسها، ولم يكن الفاعل مجهولاً. دائماً هو يعلن عن نفسه من دون حياء. هو لا يعبّر في فعلته عن رأي بصحافي أو مؤسسة إعلامية، وإنما ببلد يعتبره مفصّلاً على قياسه، أو هكذا يجب أن يكون.
على أنّه هذه المرة اختار توقيتاً فاجعاً. العالم العربي قرر أن تكون بيروت عاصمةً للإعلام العربي في 2023، وهو اختار تدشين الاحتفالات بهذه المناسبة بالطريقة الوحيدة التي يتقنها.