
كتب الصحافي مصطفى عبيد لقلم سياسي،
ساعاتٌ قليلة تفصل منطقة الشمال عن استحقاق انتخابي طال انتظاره لسنوات، وها هو اليوم يحلّ على المجتمع الشمالي في ظلّ عهدٍ جديد عنوانه دولة القانون، والسؤال الذي يطرح نفسه قبيل خوض هذا الاستحقاق هو: هل الشمال اللبناني مستعدٌّ لخوض الانتخابات بعيداً عن العصبيات المناطقية والعائلية التي تحكّمت به، كما بكلّ لبنان، لعقودٍ مضت؟
في طرابلس، عاصمة الشمال، تشكّلت لوائح عديدة طمعاً بالمقعد البلدي، وسط زحمة مرشحين بلغ عددهم قرابة المئتين، غالبيتهم غير معروفين من أبناء المدينة، وقد شجّع رسم الترشّح المتدنّي العشرات على دخول هذه المعركة التي تتطلب وعياً ومؤهلات يفتقدها كثير منهم.
أمّا في باقي مناطق الشمال، وخصوصاً ذات الغالبية السنية كالمنية، والضنية، وعكار، فتغلب لغة العصبية الجاهلية، حيث يتحكّم التعصّب المناطقي والعائلي بقرار الناخبين، ويُضاف إلى ذلك المال الانتخابي الذي يُضَخّ بكثافة في هذه المناطق، إذ ترتفع قيمة الصوت الانتخابي كلما اقتربنا من ساعة الحسم، وبحسب مصدر مطّلع، فقد تتخطّى قيمة الصوت عتبة الألف دولار خلال اليوم الانتخابي الطويل غداً.
من جهة أخرى، يتسابق نواب مناطق عكار والمنية والضنية لاستقطاب المغتربين، حيث تعمل الجهات المتموّلة ونواب هذه المناطق على تأمين حجوزات مجانية ذهاباً وإياباً لهؤلاء المغتربين، بهدف التصويت للائحة معينة.
وإلى جانب العصبيات المناطقية والعائلية التي تغرق فيها هذه المناطق، عمد أحد نواب الضنية إلى استغلال الدين كوسيلة انتخابية، حيث جعل الناخبين يقسمون بالله على انتخاب اللائحة كاملة دون تشطيب أو تبديل، فيما أفادت مصادر أخرى بأن الماكينة الانتخابية التابعة لنائب آخر تطلب من الناخبين القسم على القرآن الكريم قبل أن يدفعوا لهم ثمن صوتهم.
وبينما يبشّر عهد الرئيس جوزيف عون بالوعي، وقيام الدولة، ومحاربة الفساد، فإن المشهد الانتخابي في الشمال لا يعكس هذا الوعي، حيث يبقى الجهل سيّد الموقف، ويستغلّه نواب هذه المناطق تحت ذرائع العُرف والمال الانتخابي، فيما أثبتت المجالس البلدية السابقة، المدعومة من هذه الطبقات السياسية، فشلها وفسادها على مدى عقود، فيما تغرق هذه البلدات في النفايات والظلام وسوء الإدارة والطرقات غير الصالحة.
فهل يستيقظ المواطن ليكون على قدر آمال العهد الجديد، أم يبقى غارقاً في جهله وعصبيته، فيكون ثمن صوته حفنة مال أو إخراج سجين أو تشريع فساد كان قد ارتُكب؟