مقالات

الشعب هو مصدر كلّ السلطات فهل يتحمّل مسؤوليّة ما وصلنا إليه؟

كتب جو ابو فاضل

في ظلّ الأزمات التي يعيشها لبنان، وفي ظلّ الحالة المذرية التي نعيش فيها، من البديهي أن تقع أصابع الاتهام على الشعب اللبناني. لماذا؟ لأن الشعب، وبكلّ بساطة، وبحسب الدستور، هو مصدر كلّ السلطات؛ فهو ينتخب النواب في انتخابات مباشرة من الشعب، وبدوره مجلس النواب ينتخب رئيساً له، وهذا المجلس نفسه ينتخب رئيس الجمهورية، ويُسمّي رئيساً لمجلس الوزراء، ويُعطي الثقة للحكومة ويحاسبها. فكيف لا يمكننا أن نتّهم الشعب أو نحمّله جزءاً من المسؤولية؟
سهل جداً أن نتّهم الشعب اللبنانيّ ونحمّله المسؤوليّة، إذا كنّا نريد أن نرى الأمور بمنظار بعيد، وبوجهة نظر واحدة. لكن إذا دقّقنا أكثر في الحياة السياسة اللبنانية، وفي الخطاب السياسيّ، الذي يتركّز ويبدأ “بشدّ العصب الطائفيّ” وحماية حقوق الطائفة، ولا ينتهي بالمشاريع الإنمائية، ولا الوظائف الوهميّة، ولا الأحلام الذهبيّة.. فكيف يُمكننا أن نحمّل الشعب كامل المسؤوليّة؟ فالشعب “انغشّ” بهذه الطبقة السياسية مثلما “انغشّينا” نحن على مدى سنوات؛ فماذا يريد الشعب سوى مكافحة الفساد وحياة كريمة ووطن سيّد حرّ مستقلّ؟
هذا ما كان يُقال لغشّ الناس، ودغدغة مشاعرهم، ودفعهم للتصويت لهم، فضلاً عن المال الانتخابي والرشاوى الانتخابية، التي تستغلّ فقر الشّعب وعوزه، فيشتري صوته وضميره وحتى مستقبله. لكن اليوم لم يعد أحد ميسوراً. أصبح من السهل جداً شراء الضمائر والنفوس… وأصبح القول المعتمد في الصالونات السياسة والرأسمالية وأصحاب النفوذ حقيقة “منفقِّر الشّعب لنشتري بالرُّخص”. فبعد كلّ هذه الأكاذيب والوعود الزائفة والحَقن المذهبيّ الطائفيّ من قبل أرباب السلطة أصبح من الصعب جداً رمي المسؤولية على الشعب فقط..إلّا إذا الشعب نفسه رضخ للأمر الواقع، واستسلم، وقَبل بوضعه الصعب وانتخب الأشخاص أنفسهم مرّة جديدة، بعد كلّ الذي حصل من تنكيل بهيكلية “لبنان الوطن”، وتحويله إلى “لبنان المزرعة”، وبعد نهش جيوبكم ليملأوا كروشهم وجيوبهم، وبعد انفجار محا روح المدينة، وقتل أهلها بعد هجرة الأصدقاء والأهل بحثاً عن مستقبل أفضل، ووطن يُنصف الإنسان ويحترم كرامته.
أخيراً، وليس آخراً، ولكون تركيبة لبنان هي تركيبة طائفيّة، أريد أن أسأل المسيحيين والمسلمين: “ماذا حصدت لكم خطابات استرداد حقوق الطائفة وحمايتها؟ هل من أحد يستطيع استرداد أبنائكم من المهجر؟ وهل ضرب الجوع والفقر والذّلّ طائفة ما دون الأخرى؟ لا! الجوع والفقر والذّلّ لا دين لهما ولا طائفة!
فيا أيها الشعب اللبناني، عندما تسمع خطابهم الفارغ الكاذب، تحسّس حذاءك! وصوّت لمستقبل آخر وغدٍ أفضل، لأن الوعود بمشاريع إنمائية أصبحت انهياراً، والوظائف الوهميّة تبخّرت وأصبحت نسبة البطالة تفوق الـ55%، والأحلام الذهبية تحوّلت إلى تأشيرة سفر وتذكرة هجرة، إن لم تكن تهجيراً؛ ومكافحة الفساد لم تعد مشروعاً بل أصبحت شعار الفاسدين أنفسهم، والحياة الكريمة ضاعت على طريق جهنم.

المصدر
النهار - جو بو فاضل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى