محلي

النقيبة القوال خلال ندوةٍ بعنوان ” مسيحيون ومسلمون معاً لبناء وطن”: نقابة المحامين في طرابلس صورة مشرقة عن حوار الحياة

بالتعاون مع نقابة المحامين في طرابلس، نظمت جمعية “للخير انا وإنت”، ندوةً بعنوان “مسيحيون ومسلمون معاً لبناء وطن”، حاور فيها مفتي طرابلس والشمال السابق الدكتور مالك الشعار، الرئيس الفخري لجامعة الروح القدس الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة، عالم الدين والباحث والمفكر المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب، بحضور شخصياتٍ سياسية ودينية ونقابية وثقافية وإجتماعية، وذلك في القاعة الكبرى في دار النقابة في طرابلس.

بعد النشيد الوطني ونشيد نقابة المحامين في طرابلس، كانت كلماتٍ ترحيبية من عريف الحفل الإعلامي رائد الخطيب وعضو الجمعية رنا ضاهر، ثم تحدثت رئيسة جمعية “للخير أنا وأنت”، ياسمين غمراوي زيادة، التي شددت على أنّ الحوار بين المسيحيين والمسلمين ليس خياراً بل ضرورة، داعية إلى تدعيم الجسور بين المسلمين والمسيحيين، لافتةً إلى أنّ “هدف الحوار هو إخراج الإنسان من كهوف العصبية”، معتبرة أن الوحدة لا تكون إلا في التنوع، فيما التعصّب ينمّ عن جهل في الدين”.

القوال
ثم ألقت النقيبة القوال كلمةً جاء فيها :” عنوان هذا اللقاء بحد ذاته محاضرة، لذلك سيكون كلامي الآن بينكم تنويعاً على العنوان، كمثل تقاسيم عود على مقام واحد، ولا تعجبوا من استهلالي الكلام بالاستشهاد الموسيقي، فإنه، كما تتجمع النوتات منتقلة من قرار فما دونه إلى جواب فما فوقه، لبناء اللحن والأغنية، هكذا ينبغي للمواطنين أفرادا وجماعات أن يتضافروا لبناء الوطن.

وتابعت قائلةً :” نحن المسيحيين والمسلمين على وجه البسيطة كلها أبناء الله أولا، خلقنا سواسية نسلاً لأب واحد وأم واحدة: آدم وحواء، ولقد عشنا معا في هذا الشرق زهاء ألف وخمسمائة عام، وبنينا حضارتنا معاً، وصمدنا بوجه العاتيات معاً، وسنبقى معاً في سكون التذكارات وفي ضجيج الأحداث اليومية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، أقول هذا عارفة بما شاب هذه الحياة المشتركة على مر التاريخ من صراعات وتشنجات ودماء واضطهادات، ومؤمنة بأن علينا دائما أن نتخذ من الماضي، بحلوه ومره، عبراً نستفيد منها لبناء الغد الجميل.

وأضافت قائلةً:” أن نكون معا ليس كلاما يُلقى ثم يُنسى، بل هو نهج تربية وحياة إيمان، “لماذا المعية؟ لأنك لا تكتمل إلا بالآخر” يقول المطران جورج خضر، وبهذا المعنى إذا أدرك المسيحي والمسلم اللبنانيان أن أحدهما لا يكتمل وطنياً إلا بالآخر، فعند ذلك يسود السلام ويتجذر التعاون ويرتفع البنيان ويصان الوطن، وهذا ليس غريباً عن تراثنا الديني، بل هو في الدينين الأصل والمغزى والهدف، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم ” يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، ۚ وإنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ۚ إن الله عليم خبير” ، فالله جعل التنوع من أجل التعارف لا الخصام، وكذلك يقول القديس بولس”تنافسوا في المواهب الفضلى وأنا أريكم طريقا أشد كمالا، لو كنت أنطق بألسنة الناس والملائكة ولم تكن في المحبة، فإنما أنا نحاس يطن أو صنج يرن”، فالتنافس هو في المواهب البناءة، وسقفه الأعلى المحبة، ويضيق بي مجال اليوم عن استعراض هذه المبادئ في تراثنا الديني الخصب، مسيحية وإسلاماً، حيث تكثر الآيات والأحاديث والروايات المتناقلة، عن هذه المعية التي عشناها لقرون طويلة، يكفي أن أقول إن أي تصادم عنفي باللفظ أو بالفعل أو بالفكر، وأي موقف متعصب من هنا أو من هناك، ليس سوى تنكّر لتاريخنا الجميل وهدم لأساسات مستقبلنا المرجو.

وأردفت قائلةً :”يقود الحديث إلى الصفة التي للمعية أن تكتسيها، إذ ينبغي لها أن تكون من أجل البناء، فإنما قد يتعاون الناس على خير وشر، وأما عمارة الكون فهي عمل الخير فقط، علاقة ذات وجهين متكافلين متضامنين: لا بناء إلا بالمعية، ولا معية إلا من أجل البناء الذي لا يكون بجهد منفرد، بل بزنود تتشابك، وقلوب تتآلف وعقول تتحاور في ما يفيد الناس ويؤمن لهم مصالحهم اليومية وأمان مجتمعهم ووطنهم، وأذكر أننا في لبنان بخاصة، وفي المشرق العربي بعامة محتاجون أشد الحاجة إلى أن يتعمق حوار الحياة بين المسلمين والمسيحين، فإن هذا النوع من الحوار هو أفضل نتيجة من الحوارات الفكرية التي لا بد منها بكل حال؛ ولكن العيش معاً في سبيل التعاون والمحبة هو الذي يؤمن لنا إمكانية تحقيق الغايات الدينية والإجتماعية والإنسانية العليا.

وأضافت :”لعل المحاماة من المهن التي يتحقق فيها حوار الحياة بصورة مشرقة، فنحن المحامين نعيش معاً من كل المناطق والمذاهب والإنتماءات، نتبادل الفكر القانوني ونتخاصم بالكلمة الساعية إلى الحقيقة والعدالة، ندرس القوانين الخاصة بطوائفنا المتنوعة، ونمثل كلنا أمام المحاكم الشرعية والروحية والمدنية دون تمييز أو تفرقة، على أساس المذهب أو الدين، ونتوكل كلنا عن موكلين من جميع الفئات؛ هكذا بحوار الحياة اليومي نمارس عيش المعية البناءة التي هي مضمون لبنان الرسالة، ولعلّ نقابة المحامين في طرابلس، وسائر نقابات المهن الحرة في هذه المدينة قد قدمت أيضاً صورة مشرقة عن حوار الحياة عبر التقاليد التي أرسيت فيها منذ مائة عام، والتزمت بها الحياة النقابية في أشد الحقبات قساوة وتشرذما، فلم تشهد تلك التقاليد ولا لمرة تعدياً أو تجاوزاً إلا هنيهة سرعان ما تنتهي، فهكذا نتعلم في المهنة وفي النقابة أن القانون لا يفرق بين دين وآخر، أو مواطن وآخر، وأن المعية تفرض أن يكون لكل دوره في عمل البناء وموقعه في خدمة الوطن.

وختمت قائلةً :” إن لبنان بحاجة إلينا جميعاً، والأزمات المتلاحقة التي حلّت به لم تميز بين فقير مسلم وآخر مسيحي. فإذا كانت الويلات جماعة للناس، أفليس أولى أن يكون البناء كذلك؟؟؟

المفتي طالب
ثمّ بدأ المشاركون في الندوة مداخلاتهم، فتحدّث أولاً المفتي الجعفري، الشيخ أحمد طالب، الذي اعتبر أنّ “أي وطن لا يمتلك مقومات الانتماء يضع أبناءه في حالة ضياع”، مشدداً على أنّه “يجب أن نوحد الوطن بأمنه واقتصاده من خلال مؤسساته”.

وأكّد أنّه “على الإنسان أن يوحد هذا الوطن لأن كل إنسان معني ولا يجب أن يتخاذل عن مسؤولياته”، لافتاً إلى أنّ المشكلة ليست في الأديان، والحرية يجب أن تقف عند حدود المواطنة”.

الأب حبيقة
ثمّ تحدث الأب حبيقة الذي ركز على أهمية الكلمة ودورها في التلاقي بين المسلمين والمسيحيين”، مؤكداً أن “المسلم كما المسيحي في لبنان يولدان في حضن التنوّع”.

كما تحدث الأب حبيقة عن الفرادة التي يتمتّع بها لبنان بين دول المشرق والدول العربية مشدداً على أنّ “الانتماء هو قاعدة الإنسان”، ومشيراً إلى “أنّنا أقمنا وطناً هو دولة توافقية”.

المفتي الشعار
وتحدث أخيراً، المفتي الشعار الذي أشار إلى أن القيم السماوية مشتركة بين الجميع، كما تحدث عن مشاركة المسلمين والمسيحيين في بناء الوطن وعن أنّ كلاهما يعترف بالآخر.

وشدد على أنّ التعاون بين المسلمين والمسيحيين هو أمر لا مناص منه، لافتاً إلى أنّ “الاعتراف بالآخر يجب أن يكون حقيقياً وعملياً لا أن يكون نظرياً ومجرد مجاملة، فالاعتراف بالآخر هو ثمرة وعي ديني بتعاليم الإسلام والمسيحية على السواء”.

لتُختتم الندوة بنقاشٍ وأسئلة بين المشاركين والحضور.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى