مقالات خاصة

الشهداء في وطني.. عدالة مع وقف التنفيذ

الإفتتاحية بقلم مدير التحرير مصطفى عبيد،

منذ حصول لبنان على استقلاله في العام ١٩٤٣ وأصبحت هذه الدولة المتمثلة بمساحة ١٠٤٥٢ كلم مربع مستقلةً بكيانها وعلمها ونشيدها وحكامها لم تعرف طعم الراحة والاستقرار بل تخرج من دوامة لتدخل في أخرى وما تلبث أن تحقق انتصاراً ترفع فيه رأسها فتأتيها طعنة الغدر والخيانة في الخاصرة.

بلدٌ عرف رجالاً وطنيين أحرار عملوا بكل طاقاتهم ليبلغ وطنهم أعلى المراتب وليكون سيداً حراً مستقلاً، ولكن كلما ظهر أحد هؤلاء الرجال ليجعلوا من لبنان الحلم حقيقة، تمتد يد الغدر لتغتاله وتنهي الحلم، هذه اليد التي لطالما تلونت بمكون من المكونات اللبنانية والتي كانت تعمل دائماً لحساب عدوٍ خارجي.

وعند كل اغتيالٍ لوطنيٍ حرٍ ثائر، عند كل اغتيالٍ للبنان الحلم ترى شعب لبنان يزحف غاضباً ثائراً حزيناً في جنازة الشهيد ويقفون عند قبره ليعدونه بالاقتصاص من قاتله الخائن، ترتفع صور الشهيد وتكتب المعلقات عن مناقب الشهيد، وتعلو رايات تصرخ بأننا لن ننساك أيها الشهيد، وسنقتص لاغتيالك يا شهيد، ولكن لأنك في لبنان أيها الشهيد تمضي الأيام لتصبح أشهر فأعوام وتصبح مجرد ذكرى وطنية وربما مناسبة للتعطيل ولكنك بكل تأكيد لن تنال العدالة.

من رينيه معوض لكمال جنبلاط فرشيد كرامي للمفتي حسن خالد ورفيق الحريري، سمير قصير، باسل فليحان، جبران تويني، وليد عيدو، بيار الجميل، أنطوان غانم، وسام عيد، وسام الحسن، فرنسوا الحاج ومحمد شطح والكثيرون الآخرون، سلسلة اغتيالات طويلة عرفها لبنان وعند كل اغتيال يخرج المسؤولون من رفاق دربه ورفاق قضيته ليعلنوا أنهم لن ينسوه وأنهم لن يكلوا ولا يملوا حتى تظهر الحقيقة ويحاسب القاتل.

ولكن عذراً أيها الشهيد، فرفاق دربك وزملاؤك ومن تربى على يديك لم يقدروا سوى على أن يحيوا ذكراك السنوية التي تكاد تصل للمئوية ويبكوا ويتباكوا على أطلالك ويجعلوا من صورك خلفيةً لمقابلاتهم ومؤتمراتهم ولقاءاتهم.

فعند كل لقاءٍ لهم أو مؤتمرٍ يهرعون ليجعلوا من صورك خلفيةً بارزةً لتجارتهم ويرتبوا كرسي المقابلة أو منبر المؤتمر كزاوية تسويقية، يتاجرون بدمك، يساومون على قضيتك، وحتى أنهم لعدم قدرتهم على الإلقاء والتعبير بصدقٍ يقتبسون خطاباتك وجملك الشهيرة ليبيعوا الناس أوهاماً ويلعبوا على عواطفهم فيصلوا لمبتغاهم.

نعم أيها الشهيد، صورك في أدراجهم مغطاة بالغبار يخرجونها عند كل مناسبة وكل ذكرى، وأوراق قضية اغتيالك مرمية في أدراج محاكمهم، لن تبصر النور أبداً ولن تخرج لتصيح قرار إعدامٍ وحبل مشنقةٍ يلتف حول رقبة قاتلك، وإن حصل ووصلت المحكمة إليى قرار إعلان قاتلك يتمخض الجبل سنواتٍ فيلد فأراً متوارٍ عن الأنظار منذ سنين لن يستطيعوا أن يصلوا إليه لأنه محميٌ من قبل سيده وربما توج بطلاً في أحد الكهوف وحصل على وسام تقدير لعمالته وخيانته.

لم نسمع أبداً ولغاية يومنا هذا بأنه قد تمت محاسبة قاتلك، لم تبرد صدورنا يوماً بالاقتصاص من قاتلك وهم لطالما يعبرون عن فشلهم وخيبتهم وعدم قدرتهم على أن يكونوا رجالاً كما كنت يا حضرة الشهيد.

لو أرادوا الحقيقة بصدق، ولو كانوا رجالاً بصدق لرأينا قاتلك يعدم مئات المرات، ولكن قلوبهم ترتجف خوفاً فهم يخشون الموت وليسوا أصحاب قضية ولا رجال شهادة، هم في أغلب الأحيان يعلمون قاتلك ومع مرور الزمن يمكن أن يظهروا معه يداً بيد ويعلنون أنهم سيثأرون لك ويكملون مسيرتك.

لا شك بأن العدالة الإلهية ستثأر لك أما أشباه الرجال أمثالهم لا يعرفون معنى الوطن ولا قيمة دم الشهيد ولا رمزية السيادة والحرية والاستقلال، أشباه رجالٍ استساغوا العبودية فأصبح الوطن بالنسبة لهم خطابات وأصبح شهداؤهم تماثيل وقضاياهم مجرد شعارات انتخابية.

مصطفى عبيد

اسرة التحرير ، ناشط سياسي وإجتماعي، كاتب في عدة مواقع الكترونية، مهتم بالصحافة الإستقصائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى