الحياد مشروع لإنقاذ لبنان من أزماته
في 27 شباط 2021، ومن شرفة الصرح البطريركي، تحدث البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمام الحشود الغفيرة العابرة للطوائف والمناطق التي أمّت بكركي وملأت الساحة فقال مخاطبا “لا تسكتوا عن سلب اموالكم وعن الحدود السائبة، لا تسكتوا عن فوضى التحقيق في جريمة المرفأ، لا تسكتوا عن السلاح غير الشرعي وغير اللبناني، لا تسكتوا عن عدم إجراء الاصلاحات، لا تسكتوا عن نسيان الشهداء، شهداؤنا ذخيرة وجودنا”. آنذاك طرح ايضاً مشروع الحياد الناشط للبنان وطالب بعقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة يُخصص للواقع اللبناني. يومها، وصف التحرك بالسبت الكبير أو بنداء شباط 2021، وشُبِّه بنداء المطارنة في أيلول عام 2000.
عام بالتمام مضى على الطرح والاقتراح، لا شيء تغير، الطرح جوبِه بالرفض والاقتراح لم يلق آذاناً صاغية، لا بل هوجم من الفريق السياسي نفسه، فيما البلاد تتدحرج نحو مزيد من الانهيار بفعل المنظومة الطاغية المتحكمة بالسلطة. فأين أصبح المشروع الحيادي، وهل من أمل بترجمته على أرض الواقع؟
منسق لقاء “اللبنانيون الاحرار” سلمان سماحه، أحد الداعين والمنظمين للقاء ٢٧ شباط، يقول لـ”المركزية” في المناسبة: “هدف اللقاء الشعبي آنذاك كان أولاً تأمين حاضنة شعبية لمواقف البطريرك الذي أطلق مواقفه من دون أن يلقى كلامه أي صدى. لذلك وجدنا، كشخصيات ومجموعات تتبنى هذه المواقف وخارطة الطريق التي طرحها البطريرك، أنّه من واجبنا تأمين حاضنة شعبية لمرجعية بكركي ومشروعها، نتيجة الفراغ الذي تعيشه القواعد الشعبية والشخصيات والمجموعات الناشطة والملتزمة القضية اللبنانية، بعد زلزال 17 تشرين وفقدان كل المرجعيات والقيادات السياسية التقليدية لمشروعيتها الشعبية. وبالتالي، كان لا بد من ربط هذه القواعد بمرجعية وطنية بمستوى حجم ودور بكركي. من هنا جاءت فكرة ٢٧ شباط لتعزيز ارتباط هذه القواعد بالمرجعية عبر ذاك اللقاء واللقاءات التي تلته، وكي تكون لديهم بوصلة سياسية ووطنية تسترشِد بها مواقفهم السياسية اليومية، فبكركي تتحدث بالعام والمبادئ والعناوين ولا تدخل في التفاصيل، خاصة وأنها لا تحبذ فكرة إعادة تكرار تجربة قرنة شهوان في زمن الاحتلال. وقد اقتنعنا بحكمة هذا القرار الذي قد يغرق بكركي في متاهات وزواريب المصالح الضيقة والسياسات اليومية”.
ويقول سماحه “نعد راهناً لمؤتمر على مرحلتين يبدأ في 13 نيسان، ذكرى الحرب اللبنانية برمزيتها، يليه في المرحلة الثانية المؤتمر الاوسع الذي نريده لبنانياً دولياً.
فلا يجوز ان يبقى الحياد شعاراً سياسياً يستخدَم في الخطابات الموسمية أو يستغَل في المهرجانات الانتخابية. إننا مؤمنون بأن الحياد هو المدخل الوحيد الذي نستطيع عبره إعادة بناء الدولة. لذلك نحن مصممون على تحويله من شعار سياسي الى مشروع سياسي. فبعد مرور سنة على هذا اللقاء وبعد أن عممنا فكرة الحياد عبر اللقاءات التي كنا نعقدها أو عبر الحملات الاعلامية، لا بد من الانتقال الى مرحلة ثانية، لذلك فكرنا بعقد المؤتمر في 13 نيسان”.
ويضيف: “كما ذكرت ينقسم مشروعنا الى مرحلتين: الأولى مؤتمر تحضيري سندعو اليه كل المعنيين بالوضع اللبناني من أحزاب ومجموعات وجامعات ومرجعيات روحية وفعاليات ثقافية وسياسية وفكرية، للمشاركة عبر تقديم نص مكتوب يجيب عن سؤال “هل الحياد هو المدخل الأساسي لحل القضية اللبنانية؟”. سيجيب المشاركون عن هذا السؤال وستقوم لجنة بتلخيص الإجابات واختيار أهم خمس أفكار او أوراق طُرحت كي يعرضها أصحابها في المؤتمر. بعدها، نقوم في المحور الثاني بعرض الرأي والرأي الآخر، أي مع أو ضد الحياد، عن انعكاساته على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والاقليمي. ثم ننتقل إلى المحور الثالث، وهو الاطّلاع على تجارب الدول التي اختارت الحياد كسياسة خارجية لها، وهي النمسا والسويد وسويسرا. و قد بدأنا بالتواصل مع سفارات هذه الدول في لبنان لبحث إمكانية المشاركة في المؤتمر عبر كلمة يلقيها السفير أو من ينتدبه ليشرح لنا عن تجربة بلاده في موضوع الحياد”، مشيراً الى “أننا عرضنا هذا المشروع على البطريرك الراعي ونسعى لنيل بركته ورعايته للمؤتمر”.
ويضيف سماحه: “الساحة الدولية والاقليمية منشغلة اليوم بأزمات عديدة آخرها ما يجري بين روسيا وأوكرانيا، لذلك نستصعب عقد مؤتمر دولي برعاية الامم المتحدة، وقد يتم وضع لبنان ضمن “ستاتيكو” معيّن في المرحلة الراهنة.
لكن وضعيّتنا لا تحتمل الانتظار وإضاعة الوقت ليس من مصلحتنا، فارتأينا أن نعقد، في مرحلة ثانية، مؤتمراً لبنانياً-دولياً في لبنان، يشارك فيه إلى جانب القوى اللبنانية المعنية كل سفراء الدول الموجودة في لبنان مع سفراء وممثلي المنظمات الاقليمية والدولية كالاتحاد الأوروبي، والامم المتحدة، والجامعة العربية، لنبحث معاً في جوانب القضية اللبنانية كافة ونعرض ما توصّلنا إليه من خلاصات وتوصيات في المؤتمر التحضيري”.
ويختم سماحه “قد يكون ما نخطط له حلماً صعب التحقيق، لكننا أخذنا على عاتقنا ألا نهدأ ولا نسكت بحسب وصية سيّد بكركي. نحن باقون في لبنان ولن نرضى أن نعيش فيه سوى بحرية وكرامة وعدالة واستقرار”.