مقالات

أنطوان نجم يكتب: قرار المسيحيّين والمسلمين والحلول المتناقضة

كتب انطوان نجم في موقع mtv: 
 
لثوابت حقائق الحياة تأثير أوّليّ في رسم مخطّطات المستقبل. وهي من القوّة والفعل ما يجعلنا نعي غباء الركض وراء الأوهام.

فما دام قرار المواطنين المسيحيّين والمسلمين القاطعُ بشأن وحدة الدولة اللبنانيّة في حدودها المعترف بها دوليًّا وارتباطِها البديهيّ بمحيطها، قرارًا غير قابل لأي مفاوضة أو مساومة، فإنّ على كلّ فريق منهم أن يتخلّى عن فرض اقتناعاته على تنظيم الدولة وانتظام مؤسّساتها وتعيين سياساتها. وأن يتخلّى عن محاولة التسلّط على الآخرين، أو شلّ قدرتهم على المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، أو إلغاء تأثيرهم في الميزان الداخليّ.
إذ ذاك، نجلس معًا ونتباحث في اقتحام الصعوبات للتغلّب عليها، وهدفُنا -جميعًا- أن نصل إلى ما يريح اللبنانيّين ويرضي ضمير كلٍّ من المجموعتَين اللبنانيّتَين.
ولا أرى، حتى الآن، أيّ قاعدة فكريّة تصلح لأن تكون محرِّكة بغية تحقيق الهدف المنوّه به إلّا مبدأ “الحلول المتناقضة”.
فالقبول، مثلًا، بحقّ كلّ جماعة في أن ترتبط، إنسانيًّا وروحيًّا، بأصول اقتناعاتها ومعتقداتها وبما تشعر أنّه يؤالفها ويجذبها وإن كان من خارج لبنان،
والقبول بتعدّديّة الشعور الانتمائيّ والولاء، (تعدّديّة الشعور الانتمائيّ تحصيل حاصل لأنّ “الشعور” نابع من عمق الإنسان ولا يمكن أيّ قانون أن يضبطه أو يتحكّم به أو يسائله أو يصادره… أمّا تعدّديّة الولاء لدولتَين معًا في الوقت نفسه -وهي من القضايا الخطرة، وإنْ صارت واقعًا شائعًا ينتشر أكثر فأكثر بحكم الهجرات وجواز الاحتفاظ بجنسيَّتَين معًا (وربّما أكثر)- فخاضعة للبحث والمناقشة في ما بين المعنيّين وقابلة للضوابط والحدود.)
والقبول بمشاركة متساوية تمامًا في أعلى قمة السلطة بين المجموعتَين اللبنانيّتَين،
والقبول بأن يقوم على أرض لبنانيّة واحدة توجّهان تربويّان مختلفان،
والقبول بأن تعطّل المدارس الرسميّة والخاصّة في الأيّام والمناسبات التي تتآلف واقتناعات أبناء بيئاتها،
كلّ ذلك، وسواه من نوعه، يشكّل حلولًا لأوضاع وتوجّهات “متناقضة”، ممّا يجعلها بدورها”حلولًا متناقضة”.

فـ”الحلول المتناقضة” تعني، إذًا، حلولًا متعارضةً في ما بينها تعارضَ اقتناعات وتصوّرات الذين تتوجّه إليهم وتقصدهم، ولكنّها تلبّي احتياجات كلٍّ منهم بطريقة خاصّة مناسبة.
“الحلول المتناقضة” تعني تغليب الواقعيّة العقلانيّة على توتاليتاريّة الإيديولوجيّات، وانتصارًا على استبداديّة الواحديّة القائمة على تماثليّة وهميّة وقسريّة.
“الحلول المتناقضة” حلول واقعيّة لحقائق واقعيّة.
ولا يُزيل “تفجّر” التناقضات إلًا القبول بها وتعيين ما تستسيغه هي من علاج، لا ما يتخيّله لها الوهم.

المصدر
mtv

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى