مقالات

الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد : أين إستقلاليتي المالية؟

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”: 

أقسم أعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد اليمين القانونية أمام رئيس الجمهورية ميشال عون بعد صدور مرسوم تعيينهم لتبدأ رحلة إصلاحية جديدة بمقدور الهيئة أن تفرضها في ما لو قررت تطبيق القوانين المرعية، وهذه ليست بقليلة. فالهيئة تشكّل العمود الفقري لعدد من القوانين المرتبطة بمكافحة الفساد والتي عمل البرلمان على إقرارها تباعاً من باب استعادة الثقة الدولية، ومنها مثلاً: اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد 31/10/2003 والتي انضم إليها لبنان بالقانون رقم 33/2008، قانون حق الوصول إلى المعلومات، قانون حماية كاشفي الفساد، قانون دعم الشفافية في قطاع البترول، قانون توسيع صلاحيات «هيئة التحقيق الخاصة» المتعلق بمكافحة الفساد، قانون مكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب، قانون الإثراء غير المشروع بعد تعديله، قانون رفع السرية المصرفية. ولكن هذا لا يعني أبداً أنّه سيكون بمقدور الهيئة أن تنطلق بعملها خلال الساعات المقبلة، ذلك لأنّ هذا الأمر دونه عقبات لوجستية: العقبة الأولى تتمثّل في المقرّ الخاص بالهيئة، الثانية بالتمويل والثالثة بالجهاز الإداري… وكلها مقتضيات قد لا تعالج بين ليلة وضحاها قبل أن تتمكّن الهيئة من ممارسة صلاحياتها.

إذ تبيّن لأعضاء الهيئة أنّ موازنتها مرتبطة بموازنة رئاسة الحكومة وفق ما ورد في مشروع موازنة العام 2022، وهو أمر مخالف أولاً لقانون إنشائها وثانياً لقاعدة استقلاليتها وإلّا صارت مكتباً تنفيذياً في رئاسة الحكومة لمكافحة الفساد!

ولهذا يُنتظر أن ترفع الهيئة كتاباً إلى مجلس النواب لمعالجة هذه الثغرة وتخصيصها بموازنة مستقلة خصوصاً أنّ مجلس الوزراء لم يتمكّن من معالجة بعض التعديلات التي كانت تناقش بسبب الإشكال الذي حصل حول إقرار الموازنة.

تمويلها

وقد جاء في المادة 15 من القانون رقم 175 تاريخ 08/05/2020 (قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لـمكافحة الفساد): يكون للهيئة موازنة سنوية خاصة تدرج في باب خاص ضمن الـموازنة العامة وتكون كافية لتغطية مصاريف الهيئة ونشاطاتها. تعد الهيئة مشروع الـموازنة ويرفعه رئيسها إلى وزير الـمال الذي يضمه إلى مشروع الـموازنة العامة الـمرفوعة إلى مجلس الوزراء الذي يتولى إحالتها إلى الجهات الـمختصة حسب الأصول. ويفتح للهيئة حساب خاص لدى مصرف لبنان، ويتولى رئيس الهيئة عقد نفقاتها ومراقبة عقدها وفقاً للأصول الـمنصوص عليها في قانون الـمحاسبة العمومية. وفي نهاية السنة الـمالية، يرسل رئيس الهيئة جداول بالاعتمادات الـمصروفة إلى وزارة الـمالية مصدقة منه، وتطبق في شأن هذه الجداول أحكام النظام الـمالي الخاص بالهيئة.

أمّا في ما خصّ المقرّ، فقد عُلم أنّ وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلا رياشي قد عرضت استضافة الهيئة في أحد مكاتب الوزارة لكن أعضاءها أعربوا عن رفضهم هذا العرض لكونه يتناقض أيضاً مع مبدأ استقلاليتها. ويفترض أن يكون ايجاد المقرّ، البند الأول على جدول أعمال الهيئة.

بالموازاة، وخلال المرحلة الفاصلة بين تأليف الهيئة وقَسَم أعضائها اليمين القانونية تمّ وضع مسودة نظام داخلي، حيث سيصار إلى مناقشته ودراسته خلال الأيام المقبلة تمهيداً لإقراره من جانب أعضاء الهيئة للانطلاق في عملها، حيث يأمل هؤلاء أن يتمكّنوا خلال أسابيع قليلة من البدء في مهامهم العمليّة.

هنا يتبيّن أنّ مروحة الصلاحيات الممنوحة للهيئة، واسعة جداً، بين ما هو استقصائي، احترازي، إحالة، سرّي، رصد وتقييم، إبداء الرأي، استشاري، ونشر الثقافة، وهذا ما يشكّل تحدياً كبيراً للهيئة لإثبات نجاحها ودورها الإصلاحي خصوصاً أنّه يخشى أن تكون مهامها فضفاضة جداً وغير قابلة للتطبيق، وهي تتراوح بين استقصاء جرائم الفساد، عفواً أو بناءً على ما تتلقاه من كشوفات، ولها، خلافاً لأي نص آخر، أن تطلب مساعدة الضابطة العدلية ومعاونيها لجهة الحصول عـلـى المـعلومات الـمتوافرة لديها مع الاحتفاظ بسريّتها، والطلب من قاضي الأمور الـمستعجلة ضبط أموال الأشخاص الـمشتبه بهم، ومنع التصرف بها، ووضع اشارة منع تصرف على الأموال غير المنقولة أو المنقولة، والادعاء مباشرة أمام القضاء المختص للمطالبة بمعاقبة المرتكبين والحكم بالالتزامات الـمدنية لصالح الدولة.

تعريف مهامها

وقد نصّت المادة 18 على تعريف مهامها على الشكل الآتي:

أ- تعمل الهيئة على مكافحة الفساد والوقاية منه وكشفه، وعلى تطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة التي يكون لبنان منضماً إليها، وأداء المهام الخاصة المناطة بها المحددة في هذا القانون وغيره من القوانين.

ب- بشكل خاص، تُناط بالهيئة الـمهام التالية وفق أحكام هذا القانون:

1 – تلقي الكشوفات التي تردها والمتعلقة بالفساد، استقصاء جرائم الفساد، ودرسها وإحالتها عند الاقتضاء إلى سائر الهيئات الرقابية والتأديبية والقضائية المختصة.

2 – رصد وضع الفساد وكلفته وأسبابه وجهود مكافحته والوقاية منه في ضوء القوانين النافذة والسياسات المعتمدة والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف الملزمة ووضع التقارير الخاصة أو الدورية في هذه الشؤون ونشرها في الجريدة الرسمية وعلى موقعها الالكتروني.

3 – إبداء الرأي، عفواً أو بناء لطلب المراجع المختصة، في التشريعات والمراسيم والقرارات ومشاريعها والسياسات والاستراتيجيات المتعلقة بمكافحة الفساد والوقاية منه.

4 – المساهمة في نشر ثقافة النزاهة في الإدارات والمؤسسات العامة والمجتمع والمعارف اللازمة لمكافحة الفساد والوقاية منه.

ج- تتولى الهيئة أيضاً المهام التي تنيطها بها القوانين كافة بالإضافة إلى المهام التالية:

1 – تلقّي التصاريح عن الذمة الـمالية وحفظها وإدارتها والتدقيق بها وفق أحكام قانون الإثراء غير المشروع.

2 – حماية كاشفي الفساد وتحفيزهم وفق أحكام قانون حماية كاشفي الفساد.

3 – استلام الشكاوى المتعلقة بعدم تطبيق قانون الحق في الوصول إلى المعلومات والتحقيق فيها وإصدار قرارات بشأنها، إبداء المشورة للسلطات المختصة حول تنفيذ القانون ووضع تقرير سنوي بشأنه ونشره، والمشاركة في تثقيف المجتمع لترسيخ هذا الحق.

د- تمارس الهيئة مهامها في إطار مبادئ الحوكمة الرشيدة وتتعاون مع الإدارات والمؤسسات العامة وهيئات الـمجتمع الـمدني والقطاع الخاص والإعلام ومع المنظمات الإقليمية والدولية ونظرائها من الدول الأخرى.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى