مقالات

بعد 17 عاماً.. لبنان ما زال على خط زلزال إغتيال الحريري

جاء في “الراي”:

لن تكون الذكرى 17 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري التي تصادف اليوم كسابقاتها بالشكل كما المضمون، في انعكاسٍ للتحولات العميقة التي أصابت الواقعَ اللبناني منذ ذاك «الزلزال» الذي فُتحت معه «أبواب جهنّم» على «بلاد الأرز» إلى أن صارتْ منذ 2020 تتقلّب في… قعر الجحيم.

في 14 فبراير 2005 اهتزّ لبنان والعالم في الاثنين المشؤوم الذي ضَرَبَ بيروت في «قلبها» وشَطَبَ الحريري، في ما بدا «اغتيالاً سبّاقاً» في سياق «هنْدسةٍ» جديدة للمنطقة وخرائط النفوذ فيها تبلْورت خطوطُها تباعاً في الأعوام التي تلتْ، وصولاً إلى انكشافها الكامل من خلف دخان «ملاعب النار» و«صراع الفيلة» فيها، وتَوَغُّل إيران في ساحات الاقليم المتفجّر.

14 فبراير 2022 لا يشبه أياً من نسخ هذه الذكرى التي كان لبنان يحييها كل سنة مع «جرعة» إضافية من «انعدام الوزن» الذي دخله منذ أن دوى انفجار أكثر من 2 طن من المتفجرات في محلة السان جورج والذي تُرجم قَضْماً متدرّجاً لتوازناته بامتدادتها الإقليمية، تارة بالاغتيالات و«جرائمهما المتسلسلة» وطوراً بالقوة «الجِراحية»، وكثيراً بـ «وهْج» السلاح الذي جرّ خصومَ الداخل الى واقعية مفرطة تسبّبت بفرط عقد تحالف 14 مارس وانجراف الوطن الصغير نحو المحور الإيراني وانسلاخه عن العالم العربي ودول الخليج التي لطالما شكّلت «حزام الأمان» له في السلم والحرب.

بعد 17 عاماً على «جريمة كانت أكبر من البلد» واستُكملت «جولاتها» المتلاحقة باستهدافاتٍ تركّزت على عنصر التوازن في الوضع اللبناني الذي يشكّله المكوّن السني والتي غالباً ما تفيّأت «محطاتها الساخنة» أو «انقلاباتها الناعمة» عنوان «اجتثاث الحريرية السياسية»، سيكون الرئيس رفيق الحريري «وحيداً» في ضريحه الذي سيقتصر الحضور حوله على نجله الرئيس سعد الحريري، الذي سيستعيد الذكرى من زاوية شخصية ووجدانية بعدما علّق قبل نحو شهر عمله السياسي، فيما سيغيب الحلفاء الذين باتوا «سابقين» بعدما مزّقت الخلافات علاقاتهم التي انتقلت من «شبْك الأيدي» إلى الاشتباكات العلنية، وفرّقت ما «جمعه الدم» منذ 2005.

وفي حين عاد الحريري الابن إلى بيروت أمس ليحيي الذكرى على الضريح من دون إقامة أي مشهديّة، وهو ما يبرره انكفاؤه عن الحياة السياسية، وسط مناخاتٍ تحدّثت عن أنه لن تكون له حتى كلمة شاملة في المناسبة، فإن حلولَ 14 فبراير يكتسب هذه السنة أبعاداً بالغة الحساسية في ضوء ترْك انسحاب الرئيس سعد الحريري من المشهد السياسي الساحةَ السنية وللمرة الأولى منذ سطوع «الحريرية» (1992) وكأنها أمام تحدٍّ غير مسبوق في سدّ الفراغ الكبير الذي أحدثه «الخيار القسري» لزعيم «المستقبل» وتفادي نفاذ الآخرين (حلفاء سابقون وخصوم) إليها، سواء لـ «وراثة الحريري» أو تعميق الاختلالات في التوازنات الداخلية بخلفياتٍ إقليمية، وذلك من بوابة الانتخابات النيابية المقرَّرة في 15 مايو المقبل.

وفي حين عَقَدَ الحريري أمس اجتماعاً لكتلته البرلمانية، اتّجهت الأنظار لِما سيُبْلِغُهُم إياه لناحية «منسوبِ» الانكفاء عن العمل السياسي والانتخابات، وهل يمكن أن يساهم «المستقبل» ولو عن بُعد في ملاقاة المحاولات لإيجاد إدارة جَماعية للانتخابات لا تكون دار الفتوى ورؤساء الحكومة السابقون بعيدين عنها، بما يمنع تلقي المكوّن السني ضربة موجعة في استحقاقٍ لن يقاطعه ولكن آلية خوضه من دون الزعيم الأقوى في الطائفة حتى الآن لم تتبلْور بالكامل بعد.

وستشكّل ذكرى 14 فبراير ما يشبه «الاستراحة بين عاصفتين» في الواقع السياسي الذي ما زال تحت تأثير عودة الارتجاجات الى الجسم الحكومي الذي اهتزّ بقوة في جلسة الخميس الماضي وما واكبها من التباسات «لاهبة» في ما خص إقرار مشروع الموازنة وتمرير تعيينيْن عسكرييْن.

وبعدما أطلق الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري ما بدا «نصف انتفاضة» بوجه ما اعتبره «تهريب» مشروع الموازنة – بدت أقرب إلى «نفْض اليد» من إجراءاتها غير الشعبية – من دون أن يصل الأمر إلى حدّ معاودة تعطيل مجلس الوزراء في ظلّ «التربّص» بالمشروع في البرلمان، لم يكن ممكناً الجزم بما إذا كان قرار عدم توقيع مرسوم التعيينات الذي يحتاج إلى ختم وزير المال (الشيعي) سيبقى سارياً أو أنه سيتم التراجع عنه حين يجري تعيين نائب رئيس جهاز أمن الدولة (منصب شيعي) وهو ما تجري محاولات لأن يحصل في جلسة يوم غد.

ومن شأن تبلور أي من الاتجاهين سيسلكه الثنائي الشيعي بإزاء ملف التعيينات، أن يحسم إذا كان موقفه مربوطاً بـ «تجاوُزه» في طرح هذه القضية بتوافقٍ «ثنائيّ» بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة ميشال عون ونجيب ميقاتي، أم أن الأمر يتّصل بـ «أصل» عودته المشروطة إلى الحكومة بحصر جدول أعمالها بالموازنة وخطة النهوض وكل ما له علاقة بالشؤون المعيشية.

كما أن أي «التحاق» للثنائي الشيعي بقطار التعيينات الأمنية – العسكرية سيطرح علامات استفهام حول هل سيكون ممكناً ضبْط هذه «السبحة» التي يُخشى أن تشكل «فاتحة» تعييناتٍ يتحيّنها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في عشرات المواقع الشاغرة التي يرى خصومه (وبينهم بري) أنه يريد أن تكون له «حصة الأسد» فيها (في ما خص المواقع المسيحية) لغايات انتخابية أو في مسعى لتعزيز تموْضعه في الإدارة في الطريق الى انتخابات رئاسية (الخريف المقبل) يعتبر انه «الحصان الأقوى» في السباق إليها.

وإذ تشكل جلسة الحكومة غداً امتحاناً فعلياً لمدى القدرة على احتواء عصْف جلسة الخميس الماضي، وسط اتجاه الأنظار خصوصاً لما إذا كان بري مع آخرين سيحوّلون ملف الكهرباء الذي سيناقَش فيها «حلبة مصارعة» لردّ الصاع لعون وميقاتي، فإن عنواناً بارزاً آخر تتجه إليه الأنظار ويتمثل في مناقشة الاعتمادات المالية التي سيطلبها وزير الداخلية لإجراء الانتخابات النيابية، وذلك بعدما كان الشح المالي أثار مخاوف من أن يشكّل لغماً يطيح بهذا الاستحقاق الذي يتعاطى معه الخارج بوصفْه مفصلياً، والذي يُخشى أن تتكاتف أطراف سياسية داخلية على الإطاحة به، بحجة أو أخرى، في ضوء الندوب التي أصابت شعبيتها منذ انتفاضة 17 أكتوبر 2019.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى