تزامن الإستحقاقات اللبنانية يعرقل الإتفاق مع صندوق النقد
كتب علي زين الدين في “الشرق الأوسط”:
دخل لبنان مرحلة «الوقت المستقطع» في مفاوضاته مع إدارة صندوق النقد الدولي، عقب اختتام أحدث جولات المشاورات التقنية أمس، والتي عرضت مسائل حيوية على مدى أسبوعين متتاليين، من دون أن يتمكن الجانب اللبناني من رفع الصيغة النهائية لخطة متكاملة للإنقاذ والتعافي الاقتصادي، وهي تشكل الركيزة الأساسية لإبرام اتفاقية تمويل تطمح الحكومة أن تتعدى مبالغها 4 مليارات دولار على المديين القريب والمتوسط.
وبدا تزامن تعليق المشاورات مع تركيز الاهتمام الداخلي على استحقاق الانتخابات النيابية المقررة في منتصف شهر مايو (أيار) المقبل. ويعاكس تعليق المشاورات طابع العجلة الذي تفرضه الأزمات النقدية والمالية والمعيشية المستعصية، فضلا عن الإرباكات التي ترافق مشروع قانون الموازنة العامة للعام الحالي، والمرتقب أن يخضع بدوره للمعايير والمزيدات «الانتخابية» والشعبوية في مشواره التشريعي، بدءا من لجنة المال والموازنة وانتهاء في الهيئة العامة لمجلس النواب.
ولاحظ مسؤول مالي بارز في اتصال مع «الشرق الأوسط»، أن كلفة «الوقت الضائع» مرشحة للتعاظم فعلياً بسبب التأخير في أعداد البرنامج الإصلاحي الشامل، مما يخفض تلقائياً منسوب التفاؤل بإمكانية تحقيق اختراق جدي في المفاوضات مع الصندوق خلال الأشهر الثلاثة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية، علماً أن المؤسسة الدولية تطالب بخطة متكاملة تحظى بتوافق داخلي ومجتمعي عريض، ليس من المؤمل تحقيقه في ظل حاجة المرشحين إلى أصوات الناخبين، كونه يتضمن إجراءات قاسية وغير شعبية ولا سيما بما يتعلق بإعادة هيكلة القطاع العام والاقتطاعات المفترضة من أموال المودعين في البنوك.
وتتوافق هذه الخشية مع مضمون تصريح مدير التواصل في الصندوق جيري رايس، ومفاده أن المناقشات مع لبنان «سارية بشكل جيد ولكن العمل الكثيف مطلوب خلال الفترة القادمة». كما أن «مهمة صندوق النقد قاربت أن تنتهي» وأن «العمل مع السلطات اللبنانية مستمر من أجل تحضير برنامج إصلاحي قادر على معالجة تحديات لبنان الاقتصادية والنقدية»، وذلك من دون إغفال الموقف المبدئي لإدارة الصندوق بإبداء الاستعداد لمساعدة لبنان والشعب على تخطي الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وركزت المشاورات، وفقاً لرئيس الفريق اللبناني، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، على مواضيع الموازنة والقطاع المصرفي وسعر صرف الدولار وميزان المدفوعات وقطاع الطاقة والحوكمة ومساعدة العائلات الفقيرة وغيرها من المواضيع التي ستشكل لاحقا العناصر الأساسية لبرنامج التعافي الاقتصادي.
ويحذر المسؤول المالي من «مغبة تصاعد شكوك إدارة الصندوق حيال قدرة السلطات اللبنانية على وضع البرنامج في الوقت المتبقي قبل الانتخابات، والتي ستفرض تحول الحكومة إلى مهام تصريف الأعمال ريثما يجري تأليف حكومة جديدة يفترض أن تلتزم البنود الإصلاحية الهيكلية وتقديرات الخسائر ومقارباتها». فهذه المرحلة الانتقالية «ستخضع حتما للمعادلات الداخلية المعتادة، وما تزخر به من تعقيدات وتجاذبات في التكليف والتأليف»، إضافة إلى ما قد يستجد من تبدلات في التمثيل النيابي للقوى المؤثرة، وما سيلحق باستحقاق الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل.
ويلفت المسؤول المالي إلى أن مشروع قانون الموازنة الذي أقره مجلس الوزراء بصيغته النهائية وأحاله إلى مجلس النواب، «ينطوي على ثغرات صريحة في مقاربة موضوعي الإصلاحات المالية الأساسية وإعادة هيكلة الدين العام للدولة»، مشيراً إلى أن «التذرع بنقل هذين الملفين إلى خطة التعافي التي يعكف الفريق الحكومي على إنجاز عناصرها الأساسية توطئة لطرحها رسميا على مجلس الوزراء، ليس سبباً مقنعاً للمؤسسات المالية الدولية لتأخير الشروع في اعتماد بدائل مجدية لتنمية موارد الخزينة» وخصوصاً من خلال إعادة هيكلة كامل المنظومة الضريبية وتحصيل الحقوق المالية للدولة ذات الصلة بالأملاك العمومية والبحرية وتوسيع قاعدة المكلفين ومكافحة التهرب الضريبي.
ورغم ضرورة استخدام معدلات صرف جديدة لفرض الرسوم والضرائب حسبما تلحظه الموازنة، وخصوصاً لتمويل المساعدة الاجتماعية لموظفي القطاع العام بسبب تدهور قيمة العملة الوطنية، يشير تقرير مصرفي إلى أن تعزيز الإيرادات العامة يجب أن يكون انتقائياً ومدروساً بعناية، لئلا يولد مزيداً من الانكماش الاقتصادي ومزيداً من الضغط الاجتماعي والاقتصادي على الأسر اللبنانية. وبمعزل عن زيادة الضرائب، ينبغي تحسين الجباية ومعالجة التمييز في الامتثال الضريبي.
وتشدد أوساط مالية ومصرفية على ضرورة الاستجابة لمطالب المجتمعين المحلي والدولي، وخصوصاً لجهة الانخراط الممنهج والمتدرج في مكافحة التهرب والتزوير في بيانات الرسوم الجمركية وتوسعة الامتثال الضربيبي، قبل الإقدام على رفع الدولار الجمركي إلى ما يوازي السعر المعتمد على منصة مصرف لبنان والبالغ حاليا نحو 21 ألف ليرة للدولار، وذلك بغية تحصيل الفوائد الناجمة عن تراجع حجم الاستيراد بنسبة تعدت 40 في المائة خلال العام الماضي، وتقلص عجز ميزان المدفوعات من نحو 10 مليارات إلى ملياري دولار، مما يثمر إيجابيات على الموجودات الخارجية الصافية للقطاع المالي، لتضاف بذلك إلى هدف تعزيز الإيرادات العامة، وتوفير مظلة تنافسية تدعم القطاعات المنتجة، وبالأخص قطاعي الزراعة والصناعة.