مقالات

“جنى العمر” يذوب أمام عيونهم

كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”: 
إذا قارنّا بين الدول النامية والدول المتقدمة، نرى أن هذه الأخيرة تسعى دائماً لإصلاح وتعديل أنظمة التقاعد، وذلك لضمان استمراريتها وتأمين حياة كريمة للمتقاعدين وبالتالي مواجهة تحديات الشيخوخة. وما يحصل اليوم في لبنان هو العكس تماماً، حيث باتت الأغلبية الساحقة منهم تعاني بشدة منذ بدء الأزمة حتى اليوم، فمن هو المسؤول إذاً؟
تأتي هذه الأزمة كـ»الكابوس» على عدد كبير من اللبنانيين الذين عملوا في قطاعات عديدة، عامة وخاصة، وشاركوا في نهضتها وتنميتها. فانهيار قيمة الليرة أفقدت المعاشات التقاعدية والتعويضات قيمتها، بسبب ارتفاع نسبة التضخم، مع ما رافقها من ارتفاع في أسعار الحاجات والخدمات الأساسية كالغذاء والدواء والكهرباء والسكن. فوجد المتقاعد نفسه أمام أعباء حياتية لم تكن في الحسبان، سببها أزمة اقتصادية حادة، وعجز المسؤولين عن حلّها. واذا بجنى عمرهم يتبخر في لحظة، وهم الذين طمحوا باخرة سليمة وحياة كريمة بعد عمر طويل من العمل، وكل اتكالهم على معاشاتهم التقاعدية إما بشكل كلي أو جزئي لتأمين ضروريات الحياة والعيش برفاهية.
تقلّص الرواتب
بعد 33 سنة قضتها المربية ليندا في التعليم، وهي أستاذة اللغة العربية في إحدى المدارس الخاصة، إنخفض إجمالي دخلها الشهري مع استمرار تدهور الليرة اللبنانية أمام الدولار حتى أصبح راتبها التقاعدي لا يكفي لشراء «كم كيلو لحمة» من السوبرماركت. فـ»قبل بدء الأزمة كانت رواتبنا قد تحسنت كثيراً خاصة بعدما حصلنا على الدرجات الست في سلسلة الرتب والرواتب، ولكنها أصبحت اليوم من دون فائدة أمام جنون الدولار. وأصبح الراتب بالكاد يساوي 100 دولار»، تقول ليندا. «أما لجهة التأمينات الصحية فلدي أنا وزوجي إلى جانب الضمان الاجتماعي، تأمين خاص. فنحن لدينا الامكانية الكافية للتأمين على صحتنا، ولكن ما هو حال من هم غير قادرين على تأمين أي غطاء صحي يحميهم من أي سوء يمكن أن يطرأ عليهم؟».
أما سمير، الذي يعمل في مجال الخياطة والأزياء، فيقول إنه «مع تدهور قيمة الليرة اللبنانية خسر المضمون جنى العمر، فبدلاً من أن يساوي تعويض نهاية الخدمة حوالى خمسين ألف دولار، بات يقدر بنحو عشرة آلاف دولار، بالإضافة الى فرض قيود مصرفية شديدة والتقنين في السحوبات. والخشية أن الضمان الاجتماعي سوف يتوقف بعدما أتخطى الـ 65 من عمري، ويصبح على عاتقي همّ التأمين على صحتي، وخاصة أنني أعاني من أمراض مزمنة».
المتقاعدون مهمشون
يقدّر عدد المتقاعدين من القطاع العام في لبنان بـ120 ألفاً، غالبيتهم من المعلمين والعسكريين بحسب أرقام «الدولية للمعلومات»، حيث يواجهون اليوم أزمات مالية كبيرة بسبب ارتفاع نسبة التضخم إضافة إلى تحميلهم المسؤولية بإعتبارهم «عبئاً على الدولة».
وبعدما قضى عمره في خدمة السلك العسكري، يجد عميد متقاعد من السلك العسكري نفسه يعيش في المجهول، منتظراً ما ستحمله الأيام القادمة، خاصة بعدما انخفض راتبه التقاعدي مع استمرار انهيار الليرة اللبنانية والإرتفاع الجنوني في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية. حيث أصبح الراتب التقاعدي لا يكفي إلا لدفع فاتورة كهرباء، الأمر الذي يدفعه الى الاستعانة بتعويضه الذي تراجعت قيمته أساساً. فمصاريفه الشهرية الأساسية ارتفعت الى 13 مليون ليرة لشخصين فقط. «هذا هو حالي وحال الكثيرين، كنت أتمنى أن أتمكن من العيش حياة رغيدة بعد كل هذا العمر، إلا أن أزمة سياسية-اقتصادية رمت بأثقالها على الشعب اللبناني وضيّعت جنى العمر بين يوم وليلة»، بحسب العميد. ويوضح عن اللعبة التي لعبتها المصارف قبل عدة سنوات من الأزمة، «فهي مارست أبشع الطرق لتقنع عملاءها بفتح حسابات بالليرة اللبنانية وأغرتهم بالفوائد العالية عليها، وهذه كانت النتيجة. ونرى اليوم أن قسماً كبيراً من الشعب يعتمد على المساعدات المالية التي تقدّمها المنظمات الدولية والجمعيات المحلية. ولكن كلها بلا جدوى، فهي تنعشهم لفترة قصيرة لا أكثر، فالمطلوب اليوم العمل بجدية على إيجاد حلول تفيد المجتمع على المدى البعيد، وتبدأ أولاً بعلاج تقلّب الدولار».
ويتابع العميد بالحديث عن الهجوم الذي يتعرض له المتقاعدون في القطاع العام، ويرفض مواد الموازنة التي تنص على حرمان زوجات العسكريين المتوفّين وبناتهم غير المتزوجات من معاشاتهم التقاعدية، «فهم يعتبروننا عبئاً يشكل خطراً على موازنة الدولة، فيما نحن الذين خدمنا الوطن لحوالى 40 عاماً وساهمنا في نهضته، ونحن بحاجة ماسة إلى تقدير جهودنا وتوفير حياة تقاعدية تليق بنا، «غصت بعينن هالكم ليرة» التي أُنفقت على سلسلة الرتب والرواتب وتجاهلوا المليارات التي أُنفقت على الكهرباء، وحتى اليوم «ما في كهرباء»، إضافة الى الأموال التي أُنفقت على الإعمار والإنماء وغيرها».
إن تهميش المتقاعدين في لبنان يعني غياب الأمن الاقتصادي لهم، خاصة بعدما تدهورت قيمة تعويضاتهم وباتوا يعيشون كل يوم بيومه. فهم ليسوا في وضع يسمح لهم البدء بعمل جديد وشق طريق للمستقبل. وإذا كانت ظروف البعض منهم تخوّلهم العيش برفاهية، فإن الغالبية الساحقة من المتقاعدين يعتمدون على رواتبهم الشهرية وليس لديهم الإمكانية إلا لتأمين الأساسيات. وعلى المسؤولين مراجعة موازنة 2022 حيث أنها تفتقد لأي خطة اقتصادية وانقاذية لحل الأزمات العالقة.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى