بين تركيا وفرنسا..ما يجمعه الناتو تفرّقه سوريا
بسمة بوزكري
كان من البديهي أن تسعى أنقرة وباريس لتطبيع العلاقات بينهما وخاصة بعد موجة من التصريحات المتشنجة من كلا الطرفين، فما يجمع البلدين أكثر مما يفرقهما، وفق تعبير وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو، قبل ساعات من زيارة قصيرة قام بها قبل أيام إلى باريس.زيارة تشاووش أوغلو التي استمرت ليومين، التقى خلالها نظيره الفرنسي جان إيف لودريان، حاولت وضع النقاط على الحروف لتفاهمات جديدة بين أنقرة وباريس حول الوضع في ليبيا التي تستعد خلال أشهر لانتخابات عامة تعيد الاستقرار للبلاد، فضلاً عن الوضع في سوريا -حيث يتفق الطرفان على عدم الاعتراف بالانتخابات الرئاسية الأخيرة- بجانب العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والوضع في منطقة شرق المتوسط حيث تخوض أنقرة صراعاً متواصلاً مع أثينا حول الحدود البحرية والتنقيب عن الغاز.
ويرى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو أن زيارة تشاووش أوغلو إلى فرنسا تعيد إلى الواجهة من جديد نقاش احتمالات تحسّن العلاقات وتطورها بين البلدين في ظل معطيات ومتغيرات عديدة في العالم والمنطقة، لكنه يؤكد أن التعاون التركي الفرنسي في الملف السوري ما زال غامضاً.
ويشير في حديث لـ”المدن”، إلى أن أنقرة “تعي جيداً طبيعة العلاقة المعقّدة مع باريس في ظل تنامي مكامن التنافس والخلافات بينهما في مناطق متعددة بدءاً من ليبيا مرورا بشرق المتوسط وانتهاءً بسوريا حيث تتعارض الأهداف والتحالفات، وتجلى ذلك في معارضة باريس استمرار العمليات التركية في شمال سوريا ضد الأكراد”.
ويتابع: “على الرغم من أن جملة المصالح بين تركيا وفرنسا دفعتهما إلى الحوار والتهدئة وفتح مسارات التعاون، لكن من المبكر الحديث حاليا عن حدوث اختراق كبير على صعيد الملفات الشائكة بينهما، وفي مقدمتها الملف السوري”.
زيارة تشاووش أوغلو إلى باريس تأتي في إطار مساعٍ يبذلها البلدان لتخفيف حدة التوتر المستمر بينهما منذ عامين، وخاصة في ظل العمليات العسكرية التي تقودها تركيا ضد قوات كردية تتلقى دعماً من باريس، فضلاً عن الصراع المتواصل بين تركيا واليونان حول الحدود البحرية والتنقيب عن الغاز شرق المتوسط، حيث تصر باريس على دعم أثينا ضد أنقرة.
وكان تشاووش أوغلو استبق زيارته إلى باريس بمقال في صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، أشار فيه إلى وجود العديد من ملفات التعاون المشترك بين البلدين، مثل سوريا، وليبيا، وإقليم “قره باغ” المُتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، وشرق المتوسط، مطالباً باريس بضرورة إدراك حقيقة أن المنظمات الكردية (وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي) التي تدعمها، تسعى لتقسيم سوريا وضرب مصالح تركيا في المنطقة، ولا يمكن الاعتماد عليها إطلاقا في مكافحة تنظيم “داعش”.
ويرى طه عودة أوغلو أن اعتبار الخارجية الفرنسية الانتخابات السورية “باطلة وغير شرعية -كما وصفتها- وبأنها تفتقر للمعايير اللازمة، ولا تسمح بإيجاد حل للخروج من الأزمة، يمكن توظيفه من قبل أنقرة التي تشارك الفرنسيين الرؤية الرافضة لبقاء نظام الأسد والبناء عليه في المستقبل، من أجل حشد الدول لمحاكمة نظام الأسد على جرائمه”.
وكانت تركيا منعت الاعتراض على أراضيها خلال الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام السوري، حيث اعتبرت الخارجية التركية أن هذه الانتخابات “أجريت في ظل ظروف غير حرة وغير عادلة وتتعارض مع نص وروح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بشأن التسوية السياسية للصراع السوري”، فيما اعتبرت الخارجية الفرنسية أن هذه الانتخابات “باطلة ولا شرعية لها، لأنها تفتقر للمعايير اللازمة ولا تسمح بالخروج من الأزمة”.
ويرى عودة أوغلو أن التوجه الأخير نحو تهدئة التوتر بين أنقرة وباريس قبل أيام من قمة الناتو وأقل من أسبوعين من القمة الأوروبية “يشير إلى أن الواقع لا ينفصل عن المعطيات التي تشهدها المنطقة خصوصا بعد وصول الإدارة الأمريكية الجديدة والتغيرات المحتملة التي يمكن أن تطرأ على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه تركيا والاتحاد الأوروبي خلال المرحلة المقبلة”.
وقبل أيام أكد أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ أن تركيا شريك مهم في ضمان الاستقرار على الحدود الجنوبية للحلف، والحرب على تنظيم “داعش”.
وأضاف خلال مشاركته في جلسة حوارية نظمها الناتو بالتعاون مع المعهد الألماني للعلاقات الخارجية ومؤسسة “بوكنغنس”، أنه “من المهم أن نفهم أن تركيا جزء مهم من الناتو، ونحن مستمرون في العمل معها عن كثب (…) عندما ننظر إلى الخريطة، يمكننا أن نرى أهمية البقعة الجغرافية لتركيا، ووقوعها بالقرب من سوريا والعراق”.
ستولتنبرغ، الذي أكد الدور المحوري الذي تلعبه أنقرة في التصدي ل”داعش” واستضافة طالبي اللجوء، دعا للإسراع في إيجاد حل ينهي الخلاف بين تركيا واليونان في شرق البحر المتوسط ويمنع حدوث أي صراع بين أعضاء الناتو.