مقالات خاصة

أوهام سعد الحريري التي باعها إلى اللبنانيين

أوهام سعد الحريري التي باعها إلى اللبنانيين : خدعة الإنقاذ من الحرب الأهلية وإنفاق ماله على الناس وطعنة القوات

كتب أحمد الأيوبي لموقع “قلم سياسي”


زعم سعد الحريري أنّه أنقذ لبنان من حرب أهلية، وأنّه أنقذ أهل السنة من مصير امتدادهم في سوريا والعراق.
هو يقول بعبارة أخرى إنّه تنازل لـ”حزب الله” حتى لا يشن حرباً على اللبنانيين أو على السنة تحديداً. وهذه كذبة أكبر من أن يصدّقها عاقل، فالحزب الذي سقط في شويّا وانكسر عدوانه في خلدة وتحطمت صورته كحزبٍ “خارق” على تخوم عين الرمانة ليس قادراً على خوض الحرب في لبنان، بوجود جيش لبناني متماسك رغم كلّ الدعايات المغرضة..
هزَمَ سعدُ الحريري أهل السنّة في السابع من أيار 2008 وخذل حلفاءه عندما أوهم الجميع أنّه أقام مشروع شركة أمنية لحماية بيروت خُصّصت لها الأموال الطائلة، ولكنها بفضل إدارته السيئة وتوكيل اللصوص بها، تحوّلت إلى بؤرة للمرتزقة والزعران وانتهى المشهد بمئات الشبان مشردين في شوارع بيروت يتخطفهم الموت وقد تخلى عنهم الحريري بشكلٍ مُهين..
فأين كان رفض الحرب الأهلية والفتنة في ذلك الحين؟
لا يحبّ أتباع سعد الحريري استحضار هذه الحقائق، فهي تُذكّرهم بحقيقة واحدة، وهي أنّ زعيمهم ليس أكثر من شخصية وهمية لا تصلح للقيادة، لكنّهم ما زالوا يعيشون حالة الإنكار والهروب من الواقع.

اختراع لتبرير التنازلات
إخترع سعد الحريري وهم الحرب الأهلية وشبحها ليبرِّر تنازلاته غير المفهومة، والتي اتضح لاحقاً أنّها كانت فقط من أجل الوصول الشخصي إلى كرسيّ السلطة فقط.. فهو كان يُعبّئ جمهوره ضدّ “حزب الله” في الانتخابات من دون أن يخشى الحرب الأهلية، ولكنه يقدّم آلاف التنازلات خشية فتنة سنية شيعية موهومة..
هذا الخطاب هو نفسه الذي يشحن فيه سعد الحريري الحقد على السعودية، عندما زعم أنّ القيادة في المملكة طلبت منه محاربة “حزب الله” لكنه رفض ذلك معتبراً أنّه بذلك أنقذ البلد من الصراع الأهلي.. وهذا ما عكسه أنصارُه في الشارع بعد إعلان “تعليقه عمله السياسي”، عندما صبّوا جامّ غضبهم على السعودية وما ظهر في الإعلام لم يكن سوى رأس جبلد الشتائم المنفلتة في الشارع الحريري.

لبنان ليس سوريا ولا العراق
قال الحريري إنّه أنقذ سنة لبنان من مصير سنة سوريا والعراق، وأنّه لولا ما قام به من تنازلات لأصبحنا من أهل التشرّد والخيام.
وللتوضيح، فإنّ لبنان ليس سوريا ولا العراق، فالتعقيدات أكبر من أن يبتلعها “حزب الله”، والتنوع في هذا البلد أحد أسباب مناعته الأساسية، فالحزب سطا على بيروت بسبب هوان سعد الحريري وفشله، لكنّ الأمر نفسه لا يمكن تكراره في مناطق أخرى، سواء كانت مسيحية أو درزية، أو في المناطق البعيدة عن سيطرة الحزب المباشرة.

استمرار التخادم مع “حزب الله”
إنّ الحرب يلزمها طرفان حتى تقع. واقع الحال أنّ هناك طرفاً واحداً في البلد لديه السلاح المنظّم والنوعي، وهو “حزب الله”، وهو في حال قرّر شنّ عدوان على مكونات الشعب اللبناني، فسنكون أمام غزو من طرف معتدٍ على باقي اللبنانيين، ولسنا أمام حرب أهلية.
يبرز هنا السؤال:
لماذا حيّد سعد الحريري “حزب الله” وانتقد إيران في البعد الإقليمي، مقدِّما لحسن نصرالله خدمة التحييد عن الاستهداف، رغم أنّه السبب الأساس للداء العُضال الذي يعاني منه لبنان، ورغم أنّه مصدر الاستهداف الأول والأخير لأهل السنة في لبنان.
يدرك سعد الحريري أنّ “حزب الله” غيرُ قادر على احتلال لبنان بالقوة العسكرية، رغم قدرته على الاغتيال والتفجير، كما أثبتت على الأقل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وهو الذي غرق في مستنقعات شويا وخلدة وعين الرمانة.. فتراجع منتكساً إلى الوراء.
مشكلتنا مع سعد الحريري أنّه انهزم ونحن في ذروة قوتنا، وتنازل بدل توظيف المكتسبات لتعزيز التوازن في وجه “حزب الله”،

وهم إنفاق الثروة على الناس
أمّا الوهم الآخر الذي باعه سعد للبنانيين، فهو أنّه خسر ثروته في إنفاقها على الشأن العام. وهذا غير صحيح. فالمال الذي أنفقه على العمل السياسي والاجتماعي كان مالاً عربياً، خليجياً سعودياً، أتاه ليقيم المؤسسات الاجتماعية والمشاريع الإنمائية، فاعتمد على شبكة من اللصوص “شفطوا” الأموال وأضاعوا الأمانة، ومرّت السنين وخرج السنة صِفر اليدين..
لقد دمّر سعد الحريري شركة سعودي أوجيه بسبب إقصائه للفريق الإداري الذي كان والده الشهيد قد وضعه على رأس الشركة، وأتى بأشخاص شرهين فاسدين، أثروا منها ودمروها، فعجزت الشركة عن القيام بالتزاماتها رغم التسهيلات المعطاة لها، وسقطت في أودية العجز والديون.. ولحقتها باقي المؤسسات الاستثمارية، ومنها: أوجيه تيلكوم، شركة توزيع الانترنت سيبيريا، شركة توزيع القنوات التلفزيونية بالكابل استديو فيزيون، مشغل الخليوي سيل سي، شركة تروك تيليكوم، وتداعت إذاعة الشرق، وتلفزيون وجريدة المستقبل وأخيراً، قضى على تيار المستقبل.

وهم الغدر بسعد في الرياض: الاستقالة الواجبة المتأخرة
تطلق ماكينة الحريري الإعلامية مقولة أنّ القوات اللبنانية طعنت سعداً عند استقالته في الرياض عندما دعت إلى قبول تلك الاستقالة.
وفي الواقع فإنّ هذه الدعاية هي الأغرب والأعجب.
فسعد الحريري لم يتحدث عن هذا الأمر وبقيت البحصة من دون إخراج، وطالما هي كذلك، لا يحقّ لأحد طرح أيّ شيء يتعلق بما جرى في الرياض، إلاّ إذا كان سعد يتبنّى دعاية “حزب الله” وميشال عون عن اختطافه أو احتجازه في السعودية.


المسألة الأهم في هذه المسألة هي أنّ تلك الاستقالة لو ثبت عليها سعد الحريري لكان وفـّر على اللبنانيين الكثير من المآزق، ولو ثبت في المواجهة السياسية السلمية وحافظ على تماسكه وتماسك قوى 14 آذار لما وصلنا إلى هذا الدرك..
الاستقالة والخروج من سلطة “حزب الله” هو المطلوب الذي تهرّب منه الحريري على مدى سنوات، قام خلالها بنسف حصاد المحكمة الدولية الخاصة باغتيال والده، واستمرّ بالمكابرة محاولاً التموضع في حكومة أسقطها الناس بعد 17 تشرين وتعلّق بأوهام تمثيل السنة ليطرح نفسه “مرشحاً طبيعياً” لرئاسة الحكومة، وليعلق في دوامة الابتزاز إلى أن اضطر للاعتذار أخيراً.
جميع الذين أيدوا استقالة سعد من الرياض كانوا يرون فيها خلاصه من كمّاشة التنازلات وإنقاذاً لأهل السنة من ضياع حقوقهم الدستورية والإدارية والتنموية بتوقيع الحريري نفسه على مدار السنوات.
من هنا فإنّ الطعن بالقوات على أنّها دعت لقبول الاستقالة، لا يمكن اعتباره لا خيانة ولا غدراً، إلاّ إذا كان الكرسيّ هو الأساس، بغض النظر عن النتائج الكارثية التي نتجت عن الوصول إليه منذ الصفقة الرئاسية بشكل خاص.

المواجهة السياسية الوطنية خيار حتميّ
تأخـّر سعد في الاستقالة من الرياض واستمرّ في نهج التنازلات والتسوية، واليوم حانت لحظة الحقيقة: لحظة المواجهة السياسية المباشرة لتسلّط “حزب الله” على الحياة السياسية، فاختار سعد أن لا يواجه وأن يبقى على نهجه التنازلي، وهذا ما أكّده الدكتور مصطفى علوش، الذي قال “إنّ ما طُلِبَ من الحريرية، من الداخل والخارج، هو أن تتحوّل إلى الضباعية، فآثرت تعليق المشاركة..إلى زمن آخر”.
يعتبر علوش أنّ المواجهة تعني التحوّل إلى ما أسماه الضباعية، لكنّ الحقيقة، هي أنّه لا بدّ أمام الوحوش من اكتساب مناعة القوة السياسية والاجتماعية، وتوسيع التحالفات وعودة التلاقي الاستراتيجي مع الجيش اللبناني.
لهذا كلّه، كان لا بدّ له من أن يخرج سعد الحريري من المشهد الذي سيمتلئ بمن يحملون المسؤولية الواضحة، ويختارون الحفاظ على الثوابت الوطنية، وعليها يبنون سياساتهم الحالية والمستقبلية.

أحمد الأيوبي

إعلامي لبناني وكاتب سياسي في عدة مواقع مختص بشؤون الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى