مقالات خاصة

هل اغتيل الرئيس رفيق الحريري للمرة الثالثة؟

الإفتتاحية بقلم مصطفى عبيد


في ذلك اليوم ورغم عدم إلمامي بالحياة السياسية والشخصيات والأحداث لكن لذلك اليوم في ذاكرتي حيزٌ واسع وذكرى لن تمحى، كانت الحياة تسير بشكل طبيعي حتى ذلك اليوم الرابع عشر من شباط ٢٠٠٥، حين أذيع على كافة القنوات والإذاعات خبر الفاجعة التي ألمت بوطني، خبر التفجير الذي استهدف موكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري واغتياله مع مرافقيه، انتشر الخبر كالنار في الهشيم وبدت الناس مذهولة، حزينة ومصدومة من هول المصاب، كل الناس على اختلاف أعمارهم وانتماءاتهم وطوائفهم بدا الرعب جلياً عليهم، فرفيق اللبنانيين لم ينتمي لطائفة بل انتمى للبنان الوطن، وفي يوم التشييع كان اللبنانيون كافة إما يتابعون الحدث بحسرة وألم أو يشاركون فيه وصراخهم ودموعهم تترجم حزنهم ووجعهم.
في ذلك اليوم ظهر سعد الحريري الوريث السياسي لرجلٍ لم يعرف الناس مثيلاً له، رجلٌ نهض بلبنان من حربٍ داميةٍ أهليةٍ وحوله لبلد الإستثمارات والتطور والعيش المشترك.
ومع ظهور سعد الحريري، علم السياسيون أن ثقل الحادثة وحجمها سيجمع كافة اللبنانيين تحت راية سعد الحريري فسارعوا جميعهم ليكونوا في صفه وليستثمروا في واقعة الإغتيال وليبيعوا العواطف فظهر تحالف ١٤ آذار، ومن بعدها بدأ سعد الحريري يتعثر المرة تلو الأخرى، ويخطئ المرة تلو الأخرى، ويفشل المرة تلو الأخرى، ويساوم على حساب حقوق أهل طائفته، وبدأت الخيانات والسرقات والطعنات تتوالى بدءاً من داخل التيار حيث أخطأ سعد الحريري بالثقة العمياء التي أعطاها لمسؤولي منسقيات التيار على امتداد الوطن من الجنوب مروراً ببيروت والبقاع والشمال حتى عكار فقد استغل هؤلاء الأموال والمناصب والمكاسب لسرقة كل شيء وتكوين ثرواتهم الخاصة وتخييب آمال أبناء الطائفة حتى باتوا لا يثقون لا بالتيار ولا بزعيمه وقد بدا ذلك جلياً عقب كل إنتخابات تمر من العام ٢٠٠٥ وحتى يومنا هذا إذ بدأت حصة التيار النيابية تتناقص بسبب مسؤولي منسقياته.
ومن ثم أتى دور الحليف قبل الخصم في طعن زعيم التيار الأزرق، جميع الحلفاء طعنوا تيار المستقبل وانطلقوا في رحلة طمس معالم الحريرية السياسية وتدمير الإرث الكبير عبر تدمير سعد الحريري، منهم من انشق وشكل جمهوره الخاص ومنهم من تابع كحليف ولكن كان يعمل على إفشال كل ما يطمح إليه الحريري.
أما أفظع الخطايا فكانت التحالف الذي أبرمه رئيس التيار الأزرق مع زعيم التيار البرتقالي بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية، تحالف أقل ما يقال فيه أنه تحالف العار، تحالف أوصل لبنان إلى الإنهيار والشلل والعزلة، وحليفٌ لم ينتظر كثيراً حتى يخرج إلى العلن خططه الواضحة والصريحة بتدمير تيار المستقبل والإستيلاء والتعدي على حقوق الطائفة السنية بحجة حقوق المسيحيين والعمل على إفشال حكومات الرئيس الحريري وشلها وتجميدها والتعدي على صلاحياتها.
أما الإغتيال الثاني للرئيس الشهيد رفيق الحريري فكان مهزلة المحكمة الدولية وحكمها السخيف الذي لا معنى له، فبعد تحقيقات لسنوات طويلة ورصد أموال وأنتظار اللبنانيين لحكمٍ ظنوا أنه الدواء والشفاء وتحقيق العدالة لمن دفعوا حياتهم ضحية عدوانٍ غاشم وفداءً لتراب وطنٍ ينزف وينهار، فما كان من المحكمة الدولية إلا أن تمخضت فولدت مسخاً حكماً لا معنى له ولا يحتوي على عدالة ولا يشفي صدوراً انتظرت بشوقٍ وألمٍ لمعرفة الحقيقة ومحاسبة المجرمين.
ومن ثم أتت ثورة انتفضت في الشارع فظننا أنها ستسقط بؤرة فاسدة بأكملها، ثورة كان الرئيس الحريري أول من بادر والوحيد الذي سارع لتلبية مطالبها فاستقال مجدداً علَّ أن تكون استقالته إنقاذاً للبنان فما تبعه أحد ولا تابعت الثورة رحلتها لإسقاط باقي المنظومة الفاسدة ليظن المراقب أن الهدف من جديد هو إقالة الحريري والتعدي من جديد على حقوق ومنصب الطائفة السنية فيما لم يستطيعوا المساس بمناصب بقية الطوائف.
وها هو اليوم الحريري يفجع اللبنانيين مجدداً بخبر عزوفه وتياره عن خوض الإنتخابات النيابية القادمة لعدة أسباب تبدأ من داخل البيت الأزرق لتمر بالعتب على حلفاء الداخل ومن ثم الخارج، ورغم علم الجميع بأن الإنتخابات النيابية القادمة مصيرية، ورغم علم زعيم وقادة تيار المستقبل أن الطائفة السنية مهمشة ومهدورة الحقوق وقد استباح الخصوم ساحتها دون خجلٍ أو حياءٍ، ها هو اليوم الحريري يضرب بعرض الحائط حقوق السنة وآمالها ويعلن انسحابه من المشهد على مقولة “للبيت ربٌ يحميه” تاركاً الطائفة مشتتة ومستباحة لعملاء إيران وأتباعهم، ها هو اليوم يمحي إرث الحريرية السياسية ويغلق آخر بابٍ من أبواب إرث رفيق الحريري، بعد أن حطم كل ما بناه الرئيس الراحل من شركات ومؤسسات إعلامية وجمعيات، ها هو اليوم يغلق باب التيار إلى أجلٍ غير مسمى في وقتٍ أحوج ما يكون فيه لبنان لمعارضة، وأحوج ما تكون فيه الطائفة السنية لزعيمٍ لا يخضع لترهيب عملاء إيران أو لصفقات الطبقة الحاكمة وصهرها،
فيا سعد الحريري لماذا اخترت الإنكفاء في زمنٍ احتجناك فيه أن تكون على مستوى الوعود التي لطالما أطلقتها ولم تنفذها، في زمنٍ يكاد يموت فيه أبناء صيدا والبقاع وطرابلس والضنية والمنية وعكار الذين تغنيت فيهم في خطاب التنحي، فما كان هذا هو أملهم بك، نأيت بنفسك وتركتهم تائهون.

مصطفى عبيد

اسرة التحرير ، ناشط سياسي وإجتماعي، كاتب في عدة مواقع الكترونية، مهتم بالصحافة الإستقصائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى