مقالات خاصة

إلتمسوا العذر لسعد الحريري

كتب أحمد حلواني ل “قلم سياسي”

يشغل سعد الحريري اليوم الصفحات الفيسبوكية و حديث البرامج السياسية و الصالونات الإجتماعية و حتى الحوارات العرضية،
لطالما كان اللاعب الأبرز خلال الأعوام ال17 الذي تربع بها منفرداً على حكم الحظيرة السنية في جمهورية المزارع الطائفية، بعد أن كان لوالده الشهيد محاولات في بناء الموطنة ضمن صوابية الإستراتيجيا و إخفاقات التكتيك.

للإنصاف و للتاريخ، فإن الشاب سعد عام 2005 لم يكن له ناقة و لا جمل، لا في تصدر المشهد السني، و لا في الإدارة السياسية، و لا حتى في الشأن العام، فيتحمل حينها من ولاه و وجهه و شرده عن طريق الإصلاح و البناء و المحاسبة، الجزئ الأكبر من خراب هذه النزوة السياسية، فلا عجب عندما تقوم السياسة فقط على دفق المال دون تخطيط و ترشيد، و عن مستشارين لا عقيدة لهم سوا نفسهم و هواهم السوفياتي المتنقل بين الماركسية و الرأس مالية، و أنصار إعتادوا التطبيل و التزمير على ملاعب الكرة.

لا تتناسوا و لا تظلموا الشاب، فقد هدد بأمنه و حياته، و حوصر مع نوابه في القصور و الأوتيلات المفرهة خوفاً من حاكم جديد وضع شروط اللعبة السياسية الجديدة على قاعدة الدم أو الطاعة، فلا عجب للإستسلام للحاكم الأصفر، فقد أقنعوا الشاب بأن من قتل الشهداء سيقتله، و عليه مد اليد و التسليم، لعلهم يخترقون الستاتيكو السياسي المأزوم حينها مقابل التعويل على محكمة دولية دون أي مواجهة داخلية.

لا تتجاهلوا، فبعد جلاء إحتلال “الشقيق الأكبر” و بعد الاحداث الدامية، أجبر الشاب على الذهاب آنفاً الى الدوحة عام 2008 لطي صفحة الشهداء و لتكريس المثالثة السياسية، و من بعدها أرغم لزيارة دمشق عام 2009، ليتعانق مع الأسد كهدية عربية و دولية لمحور الممانعة، توجت عام 2010 بزيارة إيران و عقد إتفاقات معها تكريساً لإخضاع الشاب بالكامل لحكم الميلشيا و المافيا المتشكلة، و قد اقنع جمهوره المهلل حينها انه رجل دولة، و ان مصلحة الوطن فوق إعتباراته الشخصية، و كأن جميع الشهداء و السيادة الوطنية وضعوا في صندوق و حفظوا في ثلاجات بيروت للتنمية.
إعتبر الشاب أن هداياه القيمة ستجعله يتحكم بجزئ من اللعبة، فحاول تمرير صفقة المحكمة الدولية و شهود “الزور” و لكن الحاكم الأصفر وجه له صفعة و أقال حكومته، فغادر الشاب المنكسر لبنان في العام 2011 و يرجع له حتى ال2014 موعد إقتراب الإنتخابات حينها بإشارة ممن نفاه.

بعد 9 سنوات من الإنكسارات و النجاحات و التواصل مع الجمهور الازرق و ممارسته السياسة المحلية و معرفته بالاسرار الإقليمية و الدولية، و قناعته بأن في داخل قصره مستشارين ودائع، كان لا بد أن يصبح الشاب ذات التجارب القاسية شيخاً فطناً، و لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فدخل الشيخ الشاب من جديد بتسويات تأمن له عوائد شعبية و مالية من خلال تركيب إئتلاف بينه و بين المحور الممانع عن قيام الدولة، و تحالف مع من رفض الطائف بكل مكوناته و أوصله الى سدة رئاسة الجمهورية بحجة أنه لا يخالف ملوك الطائفة المسيحية، و شبك مع مشايخ اللصوص فأصبحوا أصدقاؤه و شركاؤه، فأصبح حينها الشيخ الشاب جزئاً لا يتجزأ من منظومة السلاح و المال و الفساد، حلقة واحدة تستقوي بعضها ببعض، و تحاول رسم معالم جديدة لتحالف يقضي على المال العام و الخاص في أكبر جريمة منظمة عرفها تاريخ لبنان تواطأ من خلالها القيمون فأصبح القانون، القضاء، الأمن و الإعلام وجهة نظر تطرحها القوى السياسية و يتلقفها الجمهور بأريحية، و لو ظل مال في بيت المال لما شهد لبنان ولادة 17 تشرين و لما كشف مستور المافيات المتحكمة بكل تفصيل في البلاد.

بعد سنتين و نيف من استقالة سعد الحريري الطوعية و تلبيته مطالب الناس بالاستقالة، ها هو اليوم على مشارف الإعلان عن إعتزاله الحياة السياسية التي لم نراه رقماً فيها بل كان دائماً غطاءاً لسياسة الآخرين و من يرى عكس ذلك فهو يدين الرجل بالمباشر،
قرار متأخر 11 سنة كان قد وفر على حظيرتنا و دولتنا الكثير الكثير، و كان قد حيد العديد من المتلاعبين بالبلد بإسمه و لجم الترابح على حساب الخزينة العامة لمجموعة من مراكز النفوذ القابعة بين قريطم و بيت الوسط.

ينتابنا هنا سؤال جوهري، لما يعتزل الرجل اليوم و ليس بالأمس، هل هو إعتزال إفساحاً بالمجال للغير في تولي أمور الحظيرة و إعادة تنظيمها،
او أن الحظيرة تم بيعها بأكملها و أصبح لها مالك جديد قد يستلمها قريباً بأرضها و من يعيش فيها، يضحي بالبعض و يتخلص من بعضها الآخر و يسرح الباقي بحراً و براً لتلقى مصيرها كما شهدنا مع فصيلتها في بلاد الجوار،
هل يستطيع اليوم المتباكون على ما جنوه و بلونا به من إنكسارات بسبب قلة الإدراك و التعنت بحب الأشخاص أن يقولوا عذراً على ما تقدم و سنساند بعضنا بعضاً بما سيتأخر.

سيناريوهات مفتوحة للأسف، سيكون تنحي الحريري مفصلاً لها، و عليه إما أن يكون لهذا الجمهور العريض نهضة أو تكون السقطة الأخيرة التي لن يكون قيامة بعدها،
و عليه سنستكمل نضالنا الإنساني و الوطني بوجه هذه المنظومة و من خلفها، ضمن جبهة وطنية ملزمة للمواطن السني قبل أي مواطن آخر دفاعاً عن الفكر الحر و الوجود و الحدود و النظام الذي يستظل به الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى