مقالات

المجتمع الدولي لا يثق بالسياسيين ولن يسمح بتطيير الإستحقاقات المصيرية

يعتقد البعض من السذج أن المجتمع الدولي الذي زرع موفديه وسفراءه في لبنان وفق الاصول الديبلوماسية الدولية المعتمدة ينتظرون خطابا في مناسبة بروتوكولية او مذكرة رسمية ترفع من اي موقع كان لفهم الموقف الرسمي مما يجري في الداخل والخارج. فيما الحقيقة تقول انهم يعرفون ادق التفاصيل ويشاركون في الكثير من المهام السرية والوساطات التي تسمح بالتدخل المباشر احيانا بعد ان استغنوا عن بعض الاصدقاء من اجل المساعدة على حلحلة عقد وتسهيل العبور الآمن الى بعض الاستحقاقات الدستورية والسياسية الكبرى ايا كانت حكومية او إنمائية وخدماتية وربما أمنية عدا عن تلك التي يساهمون فيها على الصعد الانسانية والتربوية والاجتماعية.

ليس في هذه القراءة ما يثير الاستغراب عند المتابعين للحركة الديبلوماسية والسياسية في لبنان. فقد اعتادت مصادر ديبلوماسية مطلعة في حديثها الى “المركزية” ان توحي الى المسؤولين إن لجأوا الى استشارتها تمهيدا لطلب الدعم في اي استحقاق او ملف وقضية الى ما يمكن القيام به لتلبية طلباتهم. أما اليوم فقد بات على الديبلوماسيين التعاطي بطريقة أخرى لا يتقنها نظراؤهم العاملين في بلد طبيعي غير لبنان. وهو أمر يعزوه البعض منهم الى ما يمكن تسميته بالمواقف المزدوجة للعديد منهم. فهم يعلنون ما لا يضمرون ويطلبون الشيء وعكسه في آن. ويعتقدون ان بامكان المجتمع الدولي ان يترجم رغباتهم الافرادية او تلك التي تعني فريقا معينا لنصرته على فريق آخر. وهي بما تنم عنه من تتناقض تمس بالعديد من المفاهيم التي لا يمكن تجاوزها بطريقة علنية. وهو أمر محسوم في الكثير من الملفات الدقيقة والحساسة وان كان مقبولا في مجالات محدودة انسانية، اجتماعية وصحية.

على هذه الخلفيات، يمضي أحد الديبلوماسيين في الحديث عن تجربته الشخصية التي قادته الى الانكفاء عن الكثير من المناسبات غير الملزمة، ليقول ان السلك الديبلوماسي في لبنان بات يعمل على قاعدة التعاون والتنسيق القائم بين مجموعات دولية واقليمية لم يعد قادرا على قيادة المبادرات الفردية بهذا الإتجاه السياسي او ذاك، قياسا على الفرز السياسي والطائفي القائم في البلد. أمر إن وجد فهو قائم في العلاقات بين بعض الدول ومجموعات سياسية وحزبية وربما طائفية وفق قواعد دينية وطائفية وربما مذهبية وبطريقة علنية خارجة عن كل الاصول الديبلوماسية المعترف بها بين الدول والتي تحكمها اتفاقيات ووثائق ومعاهدات دولية لا يمكن الخروج عنها سوى في الغرف المغلقة وعبر العمليات الاستخبارية السرية.

وبعيدا من الاسترسال في النظريات المطروحة اليوم في معظم الأندية السياسية والحزبية والديبلوماسية، فقد حذر الديبلوماسي عبر “المركزية” من مخاطر ما تشهده الساحة اللبنانية من خروج على مختلف التعهدات التي قادتها بعض المبادرات الخارجية وما حملته من تحذيرات لجهة التمادي بتوريط لبنان في أحداث المنطقة والعالم سواء عن قصد او غير قصد، مع تقديرها للبعض الذي كان جريئا عندما “رفع العشرة” معلنا عجزه عن القيام بما تعهد به ولكن ذلك يجب ان يحول دون استمرار البعض بالتذاكي على المجتمع الدولي وتكرار التعهدات والوعود الممجوجة التي لم ينفذ منها شيء حتى اليوم رغم وجود الفرص التي كانت تسمح بترجمة العديد منها في ما عدت فرصا ذهبية ضائعة.

وان دخل الديبلوماسي في المزيد من التفاصيل، يتوقف بشكل أساسي أمام الحملات التي تشن على المجتمع الدولي والمؤسسات والجهات المانحة التي اعتمدت مجموعات من الجمعيات الاهلية التي اثبتت حضورها على الساحة اللبنانية في أكثر من محطة لتنفيذ برامج الدعم المختلفة نتيجة تراكم الأزمات المتتالية ليس في محله. وعليه، فإن الانتقاد الذي وجهه رئيس الجمهورية في خطابه السنوي امام السلك الدبلوماسي لم يكن موفقا بالنظر الى عوامل عدة ابرزها انه يعرف الكثير عن هذه المواضيع وان هذه المؤسسات فقدت ثقتها بالمؤسسات الرسمية منذ اكثر من عقد ونصف من الزمن وتحديدا بعد جريمتي اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحرب العام 2006 . فكل الدول التي أعادت إعمار لبنان لم تمر بالمؤسسات الرسمية التي كانت تترنح تحت وطأة الضغوط الداخلية والخلافات السياسية التي أدت الى زج البلد في حرب المحاور التي قادت الى تدمير البلد.

واضاف: لم تتعظ السلطة من نتائج تلك المرحلة، وبدل تجديد الانتقادات كان عليها ان تعتمد سياسة النأي بالنفس التي احياها “اتفاق الدوحة” وانتهت بالتوصل الى “اعلان بعبدا” وهو ما ادى الى انتعاش اقتصادي تمكن لبنان خلاله من تجاوز الازمة المالية الدولية العام 2008 بتفوق اعتبره البعض ان اقتصادنا اقوى من اقتصاد الولايات المتحدة الاميركية لجهة قدرته على استيعاب الصدمات.

وكان ذلك، يضيف الديبلوماسي ، لفترة امتدت حتى العام 2014 قبل ان تدخل البلاد مرحلة الشغور الرئاسي لمدة 29 شهرا، وقبل ان يسقط اللبنانيون مرة اخرى في “التسوية السياسية” للعام 2016 التي جاءت بالطاقم السياسي الذي أنهى مفاعيل النأي بالنفس وزج بلبنان – بغض نظر وربما تاييد رسمي – في حروب المحاور الكبرى من سوريا والعراق الى اليمن والسعودية والبحرين والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة كما في بعض الدول الاوروبية وهو ما زاد من عزلة لبنان العربية والدولية. قبل ان يقضي تفجير مرفأ بيروت في ظل ما تركته جائحة الكورونا العالمية من انعكاسات خطيرة على اي أمل بتغيير محتمل في راس السلطة ، فجاءت ردات الفعل الدولية لتترجم إدانتها للاسلوب المعتمد في الحكم وفقدان الثقة بالمنظومة السياسية والحكومية كاملة. فقررت تقديم مساعداتها الانسانية، الانمائية، الإعمارية، الإغاثية والطبية مباشرة الى الشعب بعيدا من اي دور لأي مسؤول او مؤسسة سوى الجيش اللبناني والصليب الاحمر اللبناني.

وإن اعتقد البعض ان ما جرى يمكن ان يشكل فرصة ومناسبة لتعويم المنظومة السياسية فقد نجحت السلطة الى حد ما في استعادة مواقع فارغة وشاغرة من المسؤوليات نتيجة العجز في مواجهة اي من العقد الداخلية البسيطة.

وبعيدا من اي تفسير آخر، فإن المجتمع الدولي يستعد لمزيد من الخطوات الضامنة لعبور بعض الاستحقاقات مع علمه المؤكد بأن هناك من ينوي تطييرها ولا سيما ما يتعلق بالانتخابات النيابية بعدما التقت المخاوف لدى قوى اساسية من نتائجها، ما لم تعد إنتاج صفقات وتسويات الماضي التي تضمن لها اكثرية فاعلة تمنع اي تغيير محتمل وان ما يجري على الساحة اللبنانية سياسيا وامنيا ينذر بمثل هذا التوجه، وهو ما يجب ان يتداركه المجتمع الدولي وسط العديد من المخاوف بعدما نجحت المنظومة بلبننة الكثير منها وتطويعها واستيعابها بما يضمن بقاءها في السلطة من دون حل الازمة القائمة.

المصدر
Al Markazia | وكالة الانباء المركزية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى