مقالات خاصة

كما تكونون يُولّى عليكم…

الإفتتاحية بقلم ج. م

“الأجار يلي عم تدفعيلي ياه ما بيجبلي كيلو لحمة “.. بهذه العبارة إختصر مالك البيت كلامه عند إتصاله طالباً رفع بدل الايجار الذي كان 350$ على سعر 1500 ليرة ( 525000) الى مليون ونصف ليرة على اربع أشهر بإنتظار إخلاء البيت او إبرام عقد جديد بـ 100$ أميركي فريش شهرياً…

دون أيّ شفقةٍ أو رحمة بدأ يرفع الصوت، فإحترت بما أُجيبه .. بعدما بدأ يشتكي لي إرتفاع فاتورة المازوت والكهرباء والماء والبنزين والأدوية والمواد الغذائية والمدارس وجامعات أولاده الخاصة وتعليم أولاده في الخارج و… فما وجدت نفسي الاّ أرد بعبارة ” و أين أنا برأيك من هذه الأسعار ؟؟” فهل ياتُرى أعيش في بلادٍ أخرى أنعم بها بكامل حقوقي؟ فإذا كُنتَ لا تستطيع ببدل الإيجار الشهري ان تشتري كيلو من اللحم انا قد نسيت طعم اللحم أصلاً، وإن كنت تشتكي من ارتفاع فاتورة إشتراك الكهرباء فأنا قد تخليّت عنه أصلاً، وإن كنت تشتكي ارتفاع أسعار البنزين فأنا أتجول مشياً لأوفرّ بدْل التاكسي لأشتري دواء والدتي، أو لأتمكن من تحضير طبخةٍ واحدة في الأسبوع، راح يشتكي ورحت أرد على مدى أكثر من عشرة دقائق على الهاتف لينتهي بي المطاف منهارةً من البكاء ومتساءلةً ماذا أفعل؟؟ فقد أوصلني الوضع في لبنان إلى حائطٍ مسدود، فراتبي المحدود حال دون تمْكني من تحمّل الزيادة على بدل الإيجار التي طالبني بها المؤجر، فكيف سأتمكن من تسديد إيجار منزلٍ بقيمة 100$ أميركي في وقتٍ لا يتخطى فيه راتبي الشهري الـ 40$ ؟؟ كيف سنأكل ونشرب ونعيش ونشتري الدواء وهنا أتكلم فقط عن أساسيات الحياة، فالكماليات ( الحقوق في بلادٍ محترمة) تخلينا عنها منذ أمد في بلدٍ بات لا يحترم حتى أبسط حقوق الحياة والإنسان…

كحال العديد من المواطنين، حاولت البحث كثيراً عن بيت لا يتجاوز بدل إيجاره المليون ليرة، لكن حتى في الأحياء الشعبية بات الأمر مستحيلاً، فأقل بدل لبيت متواضع أصبح يفوق المليونين و3 ملايين ليرة لبنانية، هذا فضلاً عن فاتورة المولد والماء والمأكل والمشرب وغيره، فكيف للمواطن اللبناني أن يعيش مع عائلته، وراتبه لا يكفي حتى لتأمين مسكن”.

عائلاتٌ عدّة لم تجد حلاً لهذه المعضلة سوى بالتخلّي عن السقف الذي كان يأويها، منهم من باع أثاث منزله وعاد ليسكن مع زوجته وأولاده بغرفةٍ في منزل أهله، ومنهم من لا يزال يبحث عن مسكن أصغر حتّى وإن كان غرفة واحدة ، ومنهم من يطلب الرحمة من صاحب بيته بإنتظار الفرج الذي ربما لن يأتي …

وفي جولةٍ على القانون فقد كرّس لبنان الحقّ في السكن بموجب المواثيق الدولية التي صادق عليها، وبحسب هذه المواثيق يجب ان لا تتخطى كلفة السكن 20 % من دخل المواطن الشهري، وعلى الرغم من جميع النصوص التي تُعطي اللبناني الحق في مسكن لائق إلا أن الدولة اللبنانية لم تلتزمْ بأيٍّ منها، ولم توفرْ الحد الأدنى من هذا الحق، تاركةً اللبناني لمصيره، كما انّ عقود الإيجار وإن كانت منظمة بالدولار، إلا أنه لا يحقّ للمالك رفض القبض بالليرة اللبنانية كونها عملة الوطن، وذلك على سعر الصرف الرسمي، وبالإستناد إلى المادة 192 من قانون النقد والتسليف التي تنص على إلزامية قبول العملة اللبنانية كون الموضوع يمس بسيادة الدولة، كما بإمكان المستأجر أن يُبرئ ذمته من البدلات بواسطة عرض وايداع فعلي لدى الكاتب العدل وعلى أساس سعر الصرف الرسمي للدولار طيلة فترة سريان العقد الذي ينتهي بانتهاء المدة المحددة بالعقد”.

واقع صعب جداً يعيشه المستأجرون، بالرغم من أنّ السكن يُعتبر من صميم الواجبات الإنسانية للدول والحكومات، وحمايته تُشكل عصب الحياة الاجتماعية، أما في لبنان فقد أصبح المستأجرين تحت رحمة المالكين، الذين يطالبون برفع بدلات الإيجار إلى أرقامٍ خيالية بالليرة اللبنانية أو يُلزمون المستأجر الدفع بالدولار او يصرّون على الإخلاء الفوري..

ختاماً، أعود وأكرر بأن السكن هو حقّ من حقوق الإنسان، وليس سلعة يتم استيرادها من الخارج ليتم رفع أسعارها بحسب حركة السوق السوداء للدولار، فإذا كنا نحن الجلادون البارعون في سرقة بعضنا البعض، وإذا كنا نحن الظالمون المستبدون الطغاة، فكيف سنلوم الساسة والحكام الذين يُفكرون فقط بمصالحهم الشخصية دون التفكير بالمواطن الفقير الذي لم يتبقَ له سوى الهواء الذي يتنفسه، فعن أي وطنٍ تتحدثون وعن أي حكام فاسدون وساسة ظالمون تتكملون وتهاجمون، فكما تكونون يُولّى عليكم يا شعب لبنان العظيم ..

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى