مقالات خاصة

دكتاتورية السلطة النقدية: الأمر لي!

كتب الدكتور محمد فحيلي ل “قلم سياسي”،

حقيقة تتظهر مع كل تعميم وكل بيان لرياض سلامة.

بعد أن كان يتنور بأدمغة أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان، ويتحصن بقانون النقد والتسليف ليصدر التعليمات للمصارف العاملة في لبنان، أصبح دكتاتور السلطة النقدية، وبحصانة القوى السياسية التي عمت البلاد هدر وفساد، يُغرق السوق المحلي بالتعاميم والبيانات التي تُشجع على المضاربة وتستنزف القطاع المصرفي حتى آخر عميل! هل هي تعاميم تصدر حقا بعد نقاشات في إجتماع للمجلس المركزي لمصرف لبنان وتتحصن بقانون النقد والتسليف أم هي فقط إنتاج مزاجية حاكم مصرف لبنان؟ سؤال مشروع إذا فكرنا بما وصل إليه اللبناني ولبنان من أزمات وإنتكاسات وإنكفاء السلطة السياسية عن إدارة البلاد وتكليف رياض سلامة إدارة الإقتصاد من دون حسيب ولا رقيب.

في الأداء والتداعيات وليس في النوايا لا جدل بأن تعاميم مصرف لبنان تستثمر خوف المودع وفقر المواطن اللبناني لتغطية فشل الطبقة السياسية الحاكمة والرافضة لإقرار أية إصلاحات لإنقاذ المجتمع اللبناني من الدمار الشامل. كل التعاميم باتت تستهدف السحوبات الإستثنائية من الحسابات الصغيرة المعنونة بالعملة الأجنبية أكثر من تلك التي هي أصلا بالعملة الوطنية، وتنتهي بتفريغ المصارف من الودائع والزبائن، وتأخذ من “الإستبعاد المالي” نهجا لها بدلا عن “الشمول المالي” الذي أصبح هدفا أساسيا للسلطات النقدية حول العالم. لا تتوقف عند هذا الحد بل تُحدثُ إضطرابات بسوق الصرف وإنتكاسات نقدية ومالية ومعيشية لأنها تتسبب بإرتفاع مفاجأ بالأسعار يربك التاجر والمستهلك بالقدر ذاته.

يتقاسمون الأدوار بين مشجع ومتحفظ ومؤيد ومعارض ولكن الأكيد بأن الجميع موافقون على أن “الأمر له”. نعم الأمر هو لحاكم مصرف لبنان لجهة كل القرارت التي تُرخي بظلالها على حياة ومعيشة المواطن اللبناني. ومعظم هذه القرارات مفعمة بالجرثومة السياسية الفاتكة وتأتي بعد لقاءات مع رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الوزراء ويسارع بعدها حاكم مصرف لبنان، وبعيدا عن المجلس المركزي، وفي ظل صمت مريب لكل مكونات السلطات التنفيذية والتشريعية، لإصدار “بيان لمصرف لبنان” يتحول سريعا إلى فتنة بين المصرف وعملائه ويُحدثُ إضطرابات في الأسواق ويُنتج مساحة جديدة للمضاربة أو يوسع مساحة مضاربة موجودة كان قد أنتجها تعميم أو بيان سابق. وإليكم آخر إنجازات عراب السياسة النقدية:

  • بعد أن جمد مجلس شورى الدولة العمل بأحكام التعميم الأساسي 151, ألغى حاكم مصرف لبنان مفعول هذا القرار الإعدادي لمجلس شورى الدولة عندما ألزم المصارف بالإستمرار بالعمل بأحكام التعميم هذا متحصنا فقط بلقاء مع رئيس الجمهورية ووزير المال وبتغطية من السلطة السياسية.
  • دخل عين التينة بدولار السحوبات على سعر ال 3900 ليرة وخرج منه على سعر ال 8000 ليرة والشكر كل الشكر لمهندس الإجراءات الاستثنائية والمستحيلة رياض سلامة.
  • رجل الأعمال المشهود له بنشاطه، والذي يشغل اليوم منصب رئيس مجلس الوزراء، ساهم بإقناع حاكم مصرف لبنان التخلي عن المجلس المركزي وإصدار التعليمات والأحكام للقطاع المصرفي بموجب بيانات صحافية. من أهم وأحدث إنجازاته تعديلات في أحكام التعميم الأساسي 161، والذي ساهم في الإسراع بتحويل الإقتصاد اللبناني إلى إقتصاد يعتمد على التداول بأوراق النقد “الوسخ” بعيدا عن القطاع المصرفي وقريبا من المحتكرين وتجار المال.

البيانات الصحافية لاتستوفي شروط قرارت السلطة النقدية الكاملة والمكتملة ويجب أن تمتنع المصارف عن الإلتزام بمضمونها. تسرع المصارف التجارية إلى تطبيق تعليمات أعلن عنها في بيان صحافي لمصرف لبنان لايخدم ترميم الثقة بين المصارف وعملائها وقد يعرض المصرف إلى مشاكل قانونية هو بغنى عنها.

زبدة البيان الأخير الصادر عن مصرف لبنان والذي بموجبه عدل حاكم مصرف لبنان، منفردا وليس بموجب إجتماع للمجلس المركزي، أحكام التعميم الأساسي 161 وقام بإلغاء الضوابط التي وُضعت في التعميم الأساسي وسمح “للمصارف أن تشتري الدولار الأميركي الورقي من مصرف لبنان مقابل الليرات اللبنانية التي بحوزتها أو لدى عملائها على سعر منصة صيرفة من دون سقف محدد”

وبهذا يكون مصرف لبنان قد رفع كل الحدود والسقوف عن التداول عبر منصة صيرفة ما دام التبادل هو أوراق نقدية لبنانية مقابل أوراق نقدية دولار أميركي. وهذا يجعل من منصة صيرفة “سوق موازي” ينافس “السوق الموازي” الآخر، وكلاهما سوداوي، وترك المواطن ضحية يتأرجح بحيرة بين الإثنين! وحقيقة الأمر أن الإثنين متكاملين متناغمين، السوق الذي يتحكم فيه رياض سلامة والآخر الذي يخضع لمزاج زعران الإحتكار. واللاعبين يستفيدون من الإختلاف في الأدوار والصلاحيات من أجل إنقاذ ‎السلطة السياسية من فشلها ‏وإلهاء المودع والمواطن بسعر صرف الدولار وتحويل كل واحد منهم إلى مضارب يراهن بلقمة عيشه!

ما زرعه عراب السلطة النقدية بموجب أحكام التعميم الأساسي 161 وماتبعه من تعديل يفتقد إلى النظام والحوكمة الرشيدة وسوف يحصده لبنان:

  • تقلبات في سعر الصرف،
  • فلتان إضافي بأداء بعض المصارف،
  • إستخفاف بأية محاولة من السلطات الرقابية لضبط الإيقاع في القطاع المصرفي،
  • والأخطر بذلك كله هو أن هذا التعميم أسس إلى دولرة الإقتصاد اللبناني حتى تصل إلى تسعير السلع الإستهلاكية بالدولار. أحد التجار علق على هذا التعميم قائلا: إذا الموظفين صاروا عم يقبضوا بالدولار, ليش نحنا كمان ما منسعر بضاعتنا بالدولار ومنقبض بالدولار”. كلام بمحلو!

وما وصلنا إليه فعليا بعد مرور أسابيع معدودة على إصدار التعميم 161 وساعات على تعديله هو دلالة وتأكيد على وجود إنتكاسة نقدية ومالية وإقتصادية ومعيشية وراء كل تعميم لمصرف لبنان، رغم أنه وبلباقه يدعي بأنه يهدف من هذه التعاميم الحفاظ على المصلحة العامة في هذه الظروف الإستثنائية الراھنة التي تمر بھا البلاد!

في الختام يجب التأكيد على أنه لا بديل عن الإصلاح البنيوي في المالية العامة وأداء السلطة الحاكمة. حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي والمصارف على علم بأن الإصلاح هو الخيار الوحيد لإنتظام العمل في الأسواق المالية والقطاع المصرفي ولهذا يتوجب عليهم التحصن بالقانون لردع السلطة السياسية عن إستغلال ما توفر من قدرات لدى المركزي والمصارف لإنقاذها وتلميع صورتها أمام المواطن اللبناني عشية الإنتخابات النيابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى